فى الوقت الذى نستقبل فيه اليوم أول ايام العام الجديد بالبشر والتفاؤل بعد عام طويل مرير رحل بكل أفراحه المتمثلة فى ثورة 25 يناير، وأحزانه من ضحايا ومصابين وشهداء دفعوا أرواحهم مهرا غالياً لننال نحن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وقبل أن يسدل الستار على الاسبوع الأخير من العام المنصرم داهمت قامت قوات من الشرطة والجيش وفريق من النيابة العامة مقار 17 منظمة حقوقية فى القاهرة والجيزة، وتفتيشها بحثاً عن مستندات فى قضية التمويل الأجنبى. مهما تكن صحة قرار الاقتحام من عدمه فى هذا التوقيت بالذات، وهل كان من المناسب فتح جبهة أخرى جديدة للهجوم على المجلس العسكرى الحاكم من جانب القوى الدولية مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها التى سارعت بمطالبة الحكومة بوقف ما سمته إرهاب المجتمع المدنى. كما استدعت الخارجية الألمانية السفير المصرى فى برلين - فإن المجلس العسكرى مؤكد أن لديه من المسوغات والأسباب التى دفعت إلى هذا الهجوم المقترن بالتفتيش فى الوقت الذى يستعد فيه إلى إجراء المرحلة الثالثة والأخيرة من الانتخابات البرلمانية التى شهد لها العالم كله بالنزاهه. ممثلوا المنظمات الحقوقية اتهموا المجلس العسكرى بشن حملة ضارية لتكميم أفواه المدافعين عن حقوق الإنسان للتغطية على فشله فى إدارة المرحلة الانتقالية وتصفية حسابات بسبب تصديهم للتعذيب مؤكدين استمرارهم فى فضح الإنتهاكات، وهددوا بالتصدى لهذه الهجمو بالوقفات الاحتجاجية أيضا، كذلك حذر المجلس القومى لحقوق الإنسان، فى بيان آخر، من أن مداهمة مقار المنظمات تلوث سمعة المدافعين عن الحقوق أمام الرأى العام دون وجه حق, وطالب المجلس العسكرى بعدم المساس بمناخ الحريات. المنظمات الدولية أدانت واقعة اقتحام مكاتبها فى القاهرة ووصفوها بأنها لم تحدث فى عهد نظام مبارك الديكتاتورى على حد قول مسؤول المعهد الجمهورى الدولى بالولاياتالمتحدة. وأبدى المعهد الديمقراطى الوطنى انزعاجه من مهاجمة منظمات هدفها الرئيسى دعم العملية السياسية، حسبما قال رئيسه كينيث والاك فى بيان أمس الأول، فيما طالبت منظمة فريدوم هاوس الأمريكية بوقف ما سمته «الهجوم على منظمات المجتمع المدنى الدولية وشركائها المحليين»، كما أعرب البرلمان الأوروبى عن قلقه إزاء ما حدث، واعتبره محاولة لترهيب المؤسسات الدولية وغير الحكومية. فى المقابل، رحبت التيارات والأحزاب الإسلامية بحملة تفتيش مقار المنظمات المصرية والأجنبية، واعتبرته دعماً لدولة القانون. النشطاء الحقوقيون ليس أمامهم إلا المثول للتحقيقات وهى وحدها التى ستكشف الحقيقة فى هذا القضية الخطيرة، وهل هذه المنظمات قانونية أم مخالفة للقانون. وهل تلقت تمويلا أجنبياً بالمخالفة للقوانين. التحقيقات وحدها ستكشف من الجانى ومن المجنى عليه.. وهل دخل الصراع بين الأجهزة الرسمية للدولة والمنظمات الحقوقية مرحلة أقرب إلى "تكسير العظام ".