تمر المجتمعات والشعوب بلحظات ضبابية تلتبس فيها الامور وتختلط فيها الحقائق وتتقلب فيها القضايا والمواقف , بما يجعل من الأهمية بمكان علي كل ذي بصيرة ان يتحمل مسئوليته في توضيح الحقائق وكشف المغالطات وتجلية الأمور دون تهوين أو تهويل ودون انحياز أو تحيز. وذلك بوضع شهادته أمام الله وأمام التاريخ. ومن هذا المنطلق, أجد لزاما علي في تلك اللحظة الراهنة التي تلقي فيها التهم جزافا وتوجه فيها الاتهامات دون دليل او برهان الي حزب النور وأعضائه ومنتسبيه من جميع الفصائل والقوي السياسية, دونما نظرة محايدة أو رؤية موضوعية لمواقف الحزب وسياساته التي تنطلق من مرجعيته الاسلامية والوطنية, أخذا في الحسبان أن هذا المسعي, ليس دفاعا عن الحزب أو قياداته, وإنما توضيح لمواقفه وتفهم لمنهجه في معالجة القضايا والتعامل مع متطلبات الواقع دون انفصام عن مبادئه وقيمه. وأسجل هذه الرؤية في عدة نقاط علي النحو التالي: أولا- ما زال المشهد المصري معبأ بحالة من الاستقطاب والاحتقان السياسي والثقافي والفكري والايديولوجي, بما يجعل من الصعوبة بمكان علي من يحاول ان يكون معتدلا او مقسطا في الرأي في موضع اتهام من هذا الطرف أو ذاك, مع أنه لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء وإنما مع الحق والصواب أيا كانت جهته, فعلي سبيل المثال حينما نذكر أننا لسنا مع الاخوان ولكن... او اننا مع الشرعية ولكن, نتعرض للهجوم من الطرفين, لأن كلا منهما لا يريد أن يسمع منك لكن ولا ما بعدها بل يريد التأييد المطلق والاعمي. زد علي ذلك تأتي التهم جزافا منها بأن الحزب بلا رأي او رؤية وأنه متلون أو مراوغ, وهو أمر لا يتفق مع الشرع الحنيف والخلق الرفيع, فصاحب الرأي السديد والرشيد هو الذي لا يتخذ من الشتائم والسباب والتخوين والتأليب والاستعداء طريقا للتعبير عن رأيه, بل يطرح رأيه إرضاء لربه ثم لنفسه وعقله وضميره, سواء أرضي هذا أو أسخط ذاك. ثانيا- اتساقا مع هذا, فقد كان لحزب النور منذ اللحظات الأولي لثورة الخامس والعشرين من يناير مواقف وسياسات اتسمت بالاتساق مع مرجعيته وقناعاته, وليس اليوم مكانا لحصرها او التدليل عليها بل يستطيع كل ذي عقل او نظر ان يتذكر كثيرا من تلك المواقف التي ظهرت في أحلك اللحظات وأشد الأزمات, فكان هناك وجود مستمر لحزب النور في محاولة لمعالجة تلك الازمات من خلال ما يطرحه من مبادرات وما يقدمه من رؤي وسياسات تحاول ان تجسر الفجوة التي تظهر بين القوي السياسية واضعا نصب عينه الشرع الحنيف والمصلحة الوطنية باعتبارهما الحاكمين لأي سياسية دون وجود مطامع في سلطة او سعي الي مناصب رغم ما يوجد في الحزب من كفاءات وقدرات وخبرات في مختلف المجالات, وهي تلك السياسة التي طالب بها الحزب من في الحكم ان يكون معيار تولي المناصب السياسية والتنفيذية ليس أهل الثقة وإنما أهل الكفاءة, مع عدم الانفراد أو الاستحواذ بادارة شئون البلاد تطبيقا عمليا لمبدأ المشاركة لا المغالبة. ولكن ما حدث من جانب الحزب الحاكم في تلك المرحلة جملة من الاخطاء التي اعترف بها بعض مسئوليه كان من أبرزها: الانفراد بإدارة المرحلة الانتقالية رغم الصعوبات والتحديات والمؤامرات الداخلية والخارجية التي تحاك بمصر بصفة عامة والاسلاميين علي وجه الخصوص, بما كان يستوجب معه تفعيل المشاركة للاستفادة من الخبرات والكفاءات الموجودة في الوطن من جانب, وجعل مسئولية الفشل او النجاح مسئولية وطنية مشتركة. كذلك من بين تلك الاخطاء التأخر في معالجة القضايا الملحة للمواطن وخاصة القضايا الخدمية فالازمات اليومية التي عاشها المواطن علي مدار العام وإن لم يتحملها النظام الحاكم بمفرده كونها تحمل في جانب كبير منها ميراث النظام السابق قبل الخامس والعشرين من يناير إلا أن غياب أي مؤشرات او بدايات علي وجود معالجات لتلك الأزمات افسح المجال أمام بقايا النظام السابق وبعض المتربصين بالتيار الاسلامي لاستغلال هذه الازمات وتضخيمها بما انعكس سلبا علي اداء الرئاسة والحكومة, ومما زاد من حدة هذه الازمة عدم قدرة النظام الحاكم علي ادارة الازمة بكفاءة ومهنية واحترافية بسبب عدم رؤيته الصحيحة لحقائق الواقع التي تكشف عن حجم الغضب الشعبي بسبب الاداء السلبي للحكومة, وعدم تجاوبه مع أي مبادرات تطرح لحلحلة الازمة وفي مقدمتها المبادرة الشهيرة لحزب النور. وظل التعامل مع الازمة من منطلق أن الأمور تحت السيطرة حتي انفرط العقد. ثالثا- في ضوء ما وصلت اليه الاوضاع من انسداد في الافق السياسي بين طرفي المشهد, كان علي حزب النور أن يتخذ موقفا متعقلا في ضوء مرجعيته ومبادئه, ومبنيا علي عدة منطلقات اساسية, منها: عدم وضع الاسلامين جميعا في سلة العنف والمواجهة في ظل تصاعد خطاب العنف من جانب الاخوان في التعامل مع الازمة- بقاء فصيل اسلامي في المشهد يرسل رسائل مهمة للشعب المصري أهمها: ان الفشل الاداري الذي حدث لا ينسب الي الاسلام وانما اجتهاد مخطئ من بعض من ينتسبون للاسلام وان هذا السخط في الشارع ليس ضد الاسلاميين ككل بما يحافظ علي خيط الوصل بين الاسلاميين والمجتمع. خلاصة القول أن حزب النور يدرك جيدا ان هذا الموقف سيكون له انعكاس سلبي علي وضع الحزب وصورته في الاوساط الاسلامية لكن الدعوة والحزب لم ينظرا هذه النظرة الضيقة وإنما نظرا نظرة واسعة قائمة علي التمييز بين الاسلام وبين الاجتهاد المتمثل في التجربة الاخوانية للحكم, وكذلك علي المصلحة الوطنية بعيدا عن أي مطامع في سلطة او منصب كما يدعي البعض, فهل بعد كل هذا يمكن ان يوجه احد اتهاما بالخيانة لحزب النور؟ فلا املك إلا أن اقول كما قال يعقوب- عليه السلام-:( فصبر جميل والله المستعان علي ما تصفون)(يوسف:18). لمزيد من مقالات عماد المهدى