ليس من عادتى الاستشهاد فيما أقوله أو أكتبه بالأمثال الشعبية، ولكننى أجد كلمات هذا المثل الشهير تجرى على لسانى كرد فعل تلقائى على طريقة تفكير الكثيرين وانفعالاتهم تجاه مواقف وأحداث وأشخاص، والتى عجزت أن أجد تفسيرا لها سوى ماقاله أجدادنا: حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط .. وحتى يكونى كلامى مفهوما فهذه أمثلة للتناقضات : نخاف ونثور ونعترض على مصطلح ( العقوبات الحدية) قائلين: شريعة قاسية تقطع يد السارق وترجم الزانى، ولكن عندما يفتك الأهالى بلص "التوك توك" ولا يسلمونه للشرطة بل يقتلونه ويقطعون جسده إربا إربا، وعندما يشك الرجل(مجرد شك) فى زوجته فإنه يقتلها، وفى الحالين تفاجأ أن الشعور الجمعى المصرى لا يستنكر مافعله الاثنان، بل يبرره بالغضب والغيرة، رغم أنه أشد وطأة وعنفا من "الحدود" التى تستلزم شروطا صعبة وشهودا وتضع عقوبات تتناسب مع الفعل !! نرفض أى رقابة على مواقع الانترنت أو القنوات الفضائية، ونقول انتهى عصر الرقيب على العقول المصرية، ونتباهى بأن عقولنا قادرة على الفرز والتقييم ومحصنة ضد التطرف الدينى أوالإباحية، ولكننا نصفق لقرار غلق القنوات الإسلامية خوفا من نار التحريض وفتنة التطرف التى ستسحر العقول وتأخذ بالألباب !! ننبهر بمشاهد الصلاة وإعداد الطعام والخيام وتجهيز دورات مياه فى ميدان التحرير، ونعتبرها بطولة وتكاتف من الثائرين، لكن عندما نراها فى ميدان رابعة العدوية نعتبر من يفعل ذلك بشرا "مقرفين"غير متحضرين!! نثور بشدة إذا تحدث خطيب مسجد فى السياسة ونسارع لتقديم شكوى ضده فى وزارة الأوقاف، فتعطيهم تعليمات بغلق الأفواه، ولكن عندما يصبح إمام وخطيب مسجد عمر مكرم ثائرا من الطراز الأول ومتحدثا مفوها فى السياسة وأمور الحكم نحمله على الأعناق ونفتخر به متناسين أننا قلنا: لا سياسة فى الدين !! يرفض الأزهر وشيخه التدخل ضد مبارك أثناء ثورة يناير قائلا: الأزهر مؤسسة علمية تعليمية لا علاقة لها بالثورات، ولا تثور إلا إذا كان هناك إعتداء خارجى كإسرائيل مثلا ثم نفاجأ بالأزهر مشاركا فى 30 يونيو !! نحترم حرية التظاهر حتى لو كانت بالملابس الداخلية .. نحترم مواطنين تسلقوا سور قصر الإتحادية .. نحترم حق الإعلاميين فى سب رئيس الجمهورية.. نحترم من ألقوا المولوتوف على مبنى وزارة الداخلية.. نحترم "بلاك بلوك" لا أصل له ولا هوية ..لا نعترض على قطع الطرق والكبارى وشل حركة قطارات مترو الأنفاق.. ثم نضيق صدرا أشد الضيق بمن يقول: لااااااااااااااا !!! نصف أى قتيل منذ يناير حتى من اقتحم الأقسام بأنه شهيد .. ونأتى لمن قتل فى مسيرة سلمية بطلقات رصاص مجهولة الهوية ونقول إرهابى !!! طول الوقت نشكو غياب الأمن، وسرقة سيارتنا و"التثبيت" اللى ملا شوارعنا، والبلطجية اللى فى ازدياد، ونعترض على ضباط المرور وهم يقومون بواجبهم ونشكك فى صحة المخالفات، ثم نرفع على أكتافنا الضباط ونهتف لهم بكل حماس ! نقول أننا نحترم علماء الدين والأزهريين ثم نجعلهم مادة للسخرية والضحك فى البرامج والمسلسلات، وغالبا ما يفاجئنا المؤلف فى آخر العمل الدرامى أنهم مدعين وآفاقين !! هذه المقالة أكتبها ليس دفاعا عن حاضر أو إنتقادا لماض قريب، وإنما سخرية من مواقف أحصيتها وعجزت عن أن أجد لها تفسيرا منطقيا، سوى أن أردد المثل الشعبى الذى بدأت به كلماتى، وما أريده هنا أن يكون المبدأ هو منطلقنا .. بمعنى أن أرفض قطع الطريق سواء كان من ثوار التحرير أوثوار رابعة .. أن أطلب تطبيق القانون على السب والإهانة سواء كانت لرئيس أحبه أو لا أطيقه .. وأن أختر ما بين إقحام الخطباء فى السياسة وبين قصرهم على الدعوى والدين .. وأن أرفض مبدأ التشويه للشخصيات الدعوية الإسلامية كما أرفض تشويه القساوسة والرهبان .. وأن أعترف لغيرى بحق الإعتصام كما اعترفت به لنفسى .. فهل يمكن أن أرى يوما ما الشعب المصرى يفكر ويتعامل هكذا.. أم أننا سنظل محكومين فى تصرفاتنا بالهوى ؟؟ لمزيد من مقالات علا مصطفى عامر