لا أجد تفسيرا منطقيا لحالة الاتفاق علي اتهام وزير الداخلية من جانب مختلف القوي السياسية, بمناصرته للخصم علي حساب من يوجه الاتهام, إلا أن هذا الوزير يعمل بمنظومة أمنية خاطئة, أو أن هؤلاء المتهمين يعبرون عن سادية تريد العدل لنفسها فقط, وكلا الأمرين لا يحقق مصلحة البلاد. أقول ذلك وقد تابعت كلمات منتصر الزيات محامي الجماعات الإسلامية, علي قناة العربية بأ وزير الداخلية يستأسد علي الإسلاميين ويتقزم أمام أطراف أخري, وتوعد حركة6 ابريل الوزير واتهامه بملاحقة أفرادها اعتقالا وتعذيبا, بينما يترك الإسلاميين يرتعون في الأرض مخالفة للقانون, واتفاق الأحزاب المدنية علي اتهام الوزير بأنه سيكون أحد أدوات تزوير الانتخابات القادمة, وأنه اليد الطولي للإخوان في قهر غير الإسلاميين, والتنكيل بالمطالبين باستكمال أهداف الثورة, واتهام السلفيين للوزير بأنه يتربص بهم لتشويه صورتهم لصالح الاخوان, وغيرها من سجال الاتهامات التي تكاد تصور للناس أن وزير الداخلية هو من يدير الحياة السياسية. وكنت أتمني أن تكون تلك الاتهامات موجهة لموطن الداء, الذي سجل فيه وزير الداخلية وكثير من رجاله وهيئاته ما يمكن اعتباره قصورا كبيرا علي مستوي تفشي البلطجة, وخروج جمهورية تجارة السلاح عن السيطرة, وتجاوز مخالفة القانون كل الحدود, وإخراج الباعة الجائلين لسانهم للصغير والكبير في جميع شوارع وميادين مصر, وبدلا من أن يتعامل الوزير ورجاله مع هذه الأمراض المدمرة بمفهوم داو جرحك لا يتسع عمل علي توجيه وزارته للسياسة التي زادت الجرح اتساعا وألما يستعصي علي العلاج. وتعكس المشكلة حالة من السادية المفرطة لدي كل الجوانب, فالقوي السياسية التي تري ما تقوم به وزارة الداخلية ووزيرها بمثابة تقليم لأظافر قوي أخري لصالح النظام الحاكم, تعكس تطرفا داخل نفوسها وصفوفها بدليل الصمت الرهيب أمام ما يرتكب تجاه قوي وأفراد علي غير شاكلتهم وانتمائهم, والنظام الحاكم يتطرف ويتجمل باتهام الداخلية بالتقاعس عن القيام بدورها في قطع يد من يعترضون علي مسيرته وأدائه, والداخلية تحتضن التطرف أيضا بوضع يدها علي نفس الموضع الذي كان يتفاخر به حبيب العادلي ورجاله, وهو الأمن السياسي علي حساب أمن المواطن والمجتمع. وهذا التطرف الذي يسيطر علي القوي التي تحرك وتتحكم في وتيرة الأحداث بمصر يتحول لقوة دافعة تبرر تعامل وسلوك كل فريق أمام نفسه علي الأقل, ويحل محله تدريجيا دافع آخر أشد قوة يتجاوز حدود التطرف وهو العنف والعدوان والتدمير, ثم تتداخل الدوافع لتتحول الي فتنة وقودها الاتهامات المتبادلة والتربص بالآخر, وتشويه الخصم, وكلها تراها في الحالة السياسية التمصرية التي تعوق وتدمع وتدمي تطرفا دون نظرة منطقية الي بلد نريده أن يستأسد ويقوي بدلا من تقزيمه بل وتدميره أحيانا!