لقد سقط حكم جماعة الإخوان ولن يقوم; رغم الوعيد البائس والإرهاب اليائس. ويقينا فان دولة المواطنة, لن تعرف إقصاء أعضاء وأنصار أحزاب وتيارات الإخوان والسلفيين; بل والإرهابيين التائبين حقا. لكن عليهم توفيق أحزابهم مع أسس دولة المواطنة. فلن تقوم الأخيرة: بغير حل جماعة الإخوان; التي تمثل تنظيما غير شرعي وشبه سري وشبه مسلح وغير وطني, وبغير حظر الأحزاب الدينية; التي لم ولا ولن تعدو متاجرة بالدين ومقسمة للأمة ومزدرية للوطن ومنكرة للوطنية ومهدرة للمواطنة ومولدة للإرهاب ومجسدة للفاشية. ولن تكون مصر للمصريين دون إقصاء, ولن تحترم حقوق المواطنة دون تمييز, بغير أن تكون بوصلة تعديل الدستور, المختطف والمعوج, هي بناء دولة المواطنة وإعلاء راية الأمة المصرية. ولا تستقيم دعوة المصالحة الوطنية بغير تطبيق العدالة الانتقالية علي المعزول والمرشد وغيرهما من قادة الجماعة وحلفائها مرتكبي جرائم الفتنة والعنف ضد الوطن والأمة; والمحرضين علي غزو مصر والحرب الأهلية, والمورطين للمخدوعين بضلالهم بزجهم في إثم الإفساد في الأرض ببث الفوضي وإراقة الدم وحرق الوطن. ولقد أطاحت ثورة30 يونيو ودون رجعة بدولة الإقصاء والإستبداد والإخفاق, التي جسدها نهج وفكر وحكم ودستور المتاجرين بالدين من جماعة الإخوان وحلفائها; بعد أن تمكنوا من اختطاف ثورة25 يناير في غفلة من الأمة المصرية. وانتصرت القوات المسلحة الوطنية, بقيادة السيسي الوطني الجسور, لإرادة أمتها وتصدت لترويعها وترهيبها, ولم تنصع لضغوط أمريكا الراعية لحكم الإخوان إفشالا لمثال ثورة المصريين الملهمة وتكريسا لتخلف وتبعية وتفكيك مصر, فتحرر المصريون من أسر اختطافهم الي نفق مظلم; لم يطل غير عام واحد; ولم يكن له إلا أن يكون عابرا في أمة كان أساس تكوينها ووحدتها الوطنية طوال آلاف السنين أن الدين لله والوطن للجميع. وفور أن ذهبت السكرة وأتت الفكرة, وبفضل ثورة منصورة استردت ثورة مخطوفة, وأسقطت رئيسا أهدر شرعية انتخابه, عادت مصر عودا حميدا الي خريطة طريق الدستور أولا; وأنتزعت الأمة المصرية فرصة ثانية لتمكينها من وضع أساسات إعادة بناء النظام وإنجاز غايات الثورة, بعد إسقاط خريطة ضلال الصندوق أولا, التي فرضتها الخديعة والجهالة والمؤامرة. وبرهن المصريون أنهم يستحقون ويستطيعون بلوغ الغايات, التي جسدتها الشعارات الديموقراطية الوطنية لثورتي يناير ويونيو الفريدتين في تاريخ مصر والعالم, بإنجاز التقدم الشامل, وما يعنيه من حرية وعدل وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية وإستقلال الوطن وريادة عالمية. ومجددا, وبعد عام واحد فقط من حكم الإخوان الفاشل والجاهل, أكد شباب الثورة والقوي الديمقراطية والوطنية والمدنية وجماهير الأمة والقوات المسلحة, وإن بدرجات متباينة من الاستيعاب, معني الثورة بالتفافهما حول مبادرة حركة تمرد. أقصد إستيعاب ما أوجزته مرارا وباستقامة واجبة, أن الثورة الشعبية- مثل أي ثورة- تعني أن الشعب لن يقبل أن يحكم وأن تدار أموره بأساليب النظام, التي أخفقت وقادت الي الثورة, وأن السلطة لم يعد بمقدورها أن تحكم وتدير بوسائل النظام, الذي سقطت شرعيته بالثورة. ويبقي شرط بناء نظام جديد رهنا بأن تدرك الإدارة الانتقالية, ثم السلطة المنتخبة, أن الولاء والانتماء لمصر لن يكون أولا في عقول وقلوب المصريين, ولن تحقق مصر ما تستحقه وتستطيعه من تقدم شامل جسدته شعارات الثورة, بغير توجه واضح وحاسم نحو بناء نظام جديد. أقصد بناء نظام سياسي واقتصادي واجتماعي جديد; بوصلته دستور يؤسس دولة المواطنة, التي تستمد شرعيتها بأن: تجسد, فعلا وليس قولا, أن مصر للمصريين, كل المصريين, دون إقصاء أو تهميش, وتحترم جميع حقوق المواطنة والإنسان لهم, دون تمييز أو انتقاص, وتحمي السيادة الوطنية وتعزز الأمن القومي وتحقق الاستقلال الوطني, وترفع راية الأمة المصرية, دون نفي حقائق عروبة لسانها وإسلام غالبيتها ورسالتها الإنسانية. وعلي القوي الثورية والديمقراطية والمدنية, التي ساهمت بتحالفها في انتصار ثورة30 يونيو, التي أطاحت بمشروع تمكين الإخوان, الإقصائي والتمييزي والاستبدادي والاستغلالي, إدراك أن دولة المواطنة هي برنامج الحد الأدني المشترك للقوي الساعية لحماية المصالح الوطنية, وسيادة القانون, وتداول السلطة, مهما تغير الحاكم والنظام, وإستيعاب أن بديل دولة المواطنة ليس سوي نظم تهدر كل أو بعض حقوق المواطنة, ولن تحقق استقرارا سياسيا أو أمنيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا, ولن تكمل الثورة ببلوغ غاياتها من عيش وحرية وعدل وعدالة وكرامة واستقلال. ولا جدال أن الفكرة لا تتحول الي واقع ما لم تكن تعبيرا عن مصالح وقيم مجتمعية وقوي فاعلة. وتستند ثقتي في انتصار دولة المواطنة الي استيعاب أنها تعني تداول السلطة, التي قد تتعاقب عليها أحزاب وتيارات فكرية وسياسية ليبرالية أو ناصرية أو اشتراكية, أو أحزاب ذات مرجعية تعلي مقاصد الإسلام, لكل برامجها, التي قد تتبني رؤي وأنظمة, اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية, متباينة. لكنه علي أي حزب سياسي أو تيار فكري, يصل للحكم عبر انتخابات نزيهة بالمعايير الدولية, أن يلتزم بقيم دولة المواطنة, وأن يحترم حق الأمة المصرية في اختيار, وإعادة اختيار الحزب أو التيار أو النظام الحاكم. وأعرف أن مفاهيم الوطن والوطنية والمواطنة ليست في التكوين الفكري والعقائدي لمنظري ودعاة الخلافة الاسلامية والأممية الشيوعية والعولمة المستغربة, ومشوشة لدي منظري ودعاة القومية العربية. لكنني في دفاعي عن دولة المواطنة والتفكير في المصلحة الوطنية أراهن علي مشاعر الوطن والوطنية والمواطنة, التي يصعب وأدها في وجدان الأمة المصرية, مهما تاهت النخبة العقائدية في شتي ألوان الفكر الأيديولوجي المغلق. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم