سوف يسجل التاريخ: أن جماعة الإخوان بنهجها وفكرها قد هددت بتمزيق نسيج وتشويه هوية الأمة المصرية بخديعة الدين, وأن فشل وجهل وزيف حكمها وغطرسة وإستبداد ودموية قادتها سرعان ما وحد الأمة المصرية مجددا في30 يونيو لتبرهن أنها وحدة ما يغلبها غلاب. وتتبدد فرية الجماعة بأن ثورة إسقاط حكمها كانت من صنع الفلول بحقيقة شمولها شتي مكونات الأمة المصرية, إلا إستثناء, ومشاركة عشرات الملايين, وقيادة شباب الثورة لمظاهراتها!! وبينما مثلت جماعة الإخوان الثورة المضادة وقد ضمت الثورة شتي القوي المدنية والديمقراطية والثورية; وقد حفزتها دوافع التحرر من كمين مشروع تمكين جماعة الإخوان. وكانت الثورة عنوانا أخيرا, وليس آخرا, لحقيقة استوعبتها بعد إعادة زيارة تاريخ مصر والمصريين الألفي العريق المجيد, وهي: إنه كلما بدا للبعض أنه لن تقوم لمصر قائمة إذا بها تنهض جبارة, تذهل الصديق قبل العدو!! ووجدت وسط الحشود الهادرة الثائرة والظافرة من شباب وجماهير الثورة برهانا جديدا علي سلامة قناعتي بأن: المصري لو لم يكن مصريا لود- إن عرف قدرها- أن يكون مصريا.. جديرا بمصر! وأما عن فرية حماية الشرعية, فقد أسقطتها ثورة30 يونيو, التي تفجرت استكمالا للشرعية الثورية واستردادا للشرعية الدستورية, وليس خروجا عليهما. فالشرعية تعني السيادة للأمة مصدر السلطات, ومن حقها استردادها, بعد إغتصاب جماعة الإخوان للرئاسة والبرلمان وسعيها لاغتصاب القضاء, بالخديعة والرشوة والترهيب والتآمر. وقد كان فرض الاحتكام للصندوق قبل الدستور باطلا; زاد بطلانا حين اختطف بغير توافق وطني, وجاء مهدرا لدولة المواطنة. والشرعية لا تكتسب بمجرد اقتناص فوز في صندوق الانتخابات, وإنما بتحقيق أهداف الثورة واحترام حقوق المواطنة واعلاء مصالح الوطن وحماية الأمن القومي, وهي ما أهدره حكم فاشل وجاهل, جاء بخديعة المتاجرة بالدين وخريطة الصندوق قبل الدستور وإختطاف ثورة الأمة وإهدار الأخلاق واختطاف الدستور وتهديد للهوية وتقويض دولة المواطنة. وفي دحض فرية هدر الشرعية باسقاط رئيس منتخب, أقول: إن احترام نتائج الانتخابات واجب لا ريب فيه, بشرط أن تكون لبنة في بناء متكامل للديموقراطية, وفي إطار دستور يؤسس لدولة المواطنة. ولم يكن عزل مرسي الغاء للشرعية, وإنما استعادة الشرعية الثورية والدستورية, التي انتهكها حين اختار, أو فرض عليه, أن يكون مجرد منفذ لإرادة مكتب إرشاد جماعته في رئاسة الجمهورية, لا رئيسا لكل المصريين. والشرعية تكتسب بإعلاء الرئيس المنتخب مصالح الوطن وحقوق الأمة, فاذا انتهك هذه المصالح والحقوق سقطت شرعيته, ومن حق الأمة سحب الثقة منه, ومن واجب القوات المسلحة أن تنتصر لإرادة الشعب, إنقاذا للوطن والأمة. وفي دحض فرية أن الصراع في مصر بين الإسلام والكفر, لنتذكر أن قيم ومقاصد ومباديء الاسلام ليست محلا للخلاف; وإنما هي حديث إفك من جانب المتاجرين بالدين. وكيف تكون محلا للخلاف قيم حرية العقيدة وشوري الحكم وإقامة العدل وإعمار الأرض وإحترام الكرامة الانسانية وغيرها من القيم الدينية, التي ترتكز اليها دولة المواطنة, ويعليها البشر, الأعلم بشئون دنياهم, حسب متغيرات الزمان والمكان. وقد جاء الخطاب الأخير للرئيس المعزول إشعالا لفتنة لعن الله من يوقظها, ونطقا بلسان جماعة تجردت من الوطنية وتزدري الوطن, وكانت رسالته: الجماعة أو إرهاب الأمة, التمكين أو حرق الوطن!! فجاء خطاب تحريض علي العنف وتهديدا باراقة دماء ودعوة لحرب أهلية!! من رئيس أطلق النفير العام لنزعات الترويع والإرهاب!! ولغوا عن شرعية رئيس منفصل عن واقع أن الأمة- مصدر الشرعية والسيادة والسلطات- قد ثارت عليه!! وعن شرعية دستور مختطف بليل; أسقطته الشرعية الثورية!! وفي دحض فرية الانقلاب العسكري وهدر الإرادة الشعبية لنتذكر أن القوات المسلحة قد إستجابت لإرادة الشعب المصري الثائر علي حكم الإخوان, ونهضت بمهمتها في إنقاذ الوطن والأمة, وقد أعلن بيانها أنه لم يكن في مقدورها أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب, التي استدعت دورها الوطني, وقد استشعرت أن الشعب, لا يدعوها لسلطة أو حكم, وإنما لحماية مطالب ثورته, واستوعبت هذه الدعوة وفهمت مقصدها وقدرت ضرورتها. وأن رئيس الجمهورية المؤقت قد أعلن أنه قد تلقي أمر تكليفه ممن يملك إصداره, وهو شعب مصر, مصدر السلطات; بعد أن قام في30 يونيو بتصحيح مسار ثورته في25 يناير, ورجا أن تتجدد روح الميدان في نفوس المصريين جميعا, متوثبة يقظة تحمي الثورة وتحرسها. وفي دحض فرية انفلات نزعات كراهية جماعة الإخوان, فان رد فعلها وما حفل به من عنف دموي هو ما جسد هذه النزعات وبتحريض من مرشدها. وبجانب تطبيق العدالة الانتقالية علي مرتكبي الجرائم ضد الأمة, وحل جماعة الإخوان; باعتبارها تنظيما غير شرعي لأنها تنظيم دولي وشبه سري وشبه مسلح, يتاجر بالدين, ونص الدستور علي حظر تأسيس أحزاب دينية في تكوينها وبرامجها ونشاطها. وقد سقط حكم الإخوان ولن يقوم, كما سقط حكم مبارك ولن يعود, ولنتذكر أن بوصلة المستقبل هي بناء دولة المواطنة الديمقراطية, التي لن تعرف الإقصاء, ولكن سيكون علي جميع الأحزاب أن تلتزم بدستور دولة المواطنة, الذي ينطلق من أن مصر للمصريين, ولكل المصريين دون إقصاء, ومن إحترام جميع حقوق المواطنة والإنسان, للمصريين, دون تمييز أو تهميش. لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم