في هذا المكان بعدد الأهرام الصادر يوم الجمعة16 نوفمبر الماضي, كتبت تحت عنوان وبعد أن سقطت سيناء ما نصه: إذا كانت هناك كارثة يجب أن يحاكم عليها النظام السياسي السابق فهي إهمال سيناء, باختزالها في منتجع لاستقبال الضيوف, وإذا كانت هناك كارثة يمكن أن يحاسب عليها النظام السياسي الحالي فهي السماح بسقوط سيناء في أيدي متطرفين من هنا, أو عملاء من هناك, وإذا كانت هناك كارثة سوف يدفع الشعب كل الشعب ثمنها فهي ضياع واستئصال ذلك الجزء الأهم من جغرافية مصر, في إطار مخطط التقسيم الذي تم الإعداد له في عواصم خارجية, وإذا كانت هناك كارثة حقيقية في تاريخ مصر الحديث فهي ذلك الصمت الشعبي الغريب علي ذلك الذي يحدث, وذلك التعامل الرسمي المهين مع تلك الأزمة التي أصبحت واقعا يجب أن نعترف به جميعا, وهو سقوط سيناء. وقلت أيضا نصا: يجب أن تكون لدينا الشجاعة الأدبية التي تجعلنا نتوقف أمام ما يردده المراقبون الآن من أن النظام الحاكم يتهاون مع ما يجري في سيناء لاعتبارات أيديولوجية تجمعه بنسب ما مع المتمردين هناك, وبنسب أكبر مع حكام غزة, وهو اتهام كان من المهم التعامل معه بإجراءات واضحة وحاسمة علي أرض الواقع, وذلك لأن القضية الآن تتعلق بالأمن القومي لمصر, ولم يعد مقبولا ذلك التردد. وقد مرت الآن ثمانية أشهر علي كتابة هذا المقال, وجاء اليوم الذي أدركت فيه مصر الرسمية, ممثلة في القوات المسلحة, حجم الكارثة, فراحت تعمل الآن علي تحرير سيناء, وحينما أقول تحرير فأنا أعي ما أقول, لأنها بحكم الواقع كانت محتلة, فالإرهاب الذي كان يفرض نفوذه علي سيناء هو احتلال بكل معني الكلمة, وحجم السلاح بسيناء هو دعم لذلك الاحتلال, وحينما يتم قتل جنودنا هناك برفح في أثناء الإفطار خلال شهر رمضان الماضي فذلك لأننا أمام احتلال, وحينما يتم خطف جنود آخرين في العريش فذلك لأننا أمام احتلال, وحينما يتم تهريب السولار والبنزين والسلاح من وإلي سيناء, فذلك لأننا أمام احتلال, وحينما نكتشف أن مساومات خارجية قد جرت بشأن سيناء فهذه هي الكارثة, التي حذرنا منها. وللحق.. فقد وجد المقال المشار إليه في حينه ردود فعل شعبية واسعة, إلا أنه لم يجد استجابة رسمية, بل قوبل باستهجان علي المستوي الرسمي, لا مجال لسرده الآن, وكانت نتيجة التغاضي عما يحدث هناك مزيدا من الانفلات, ومزيدا من عمليات التهريب, ومزيدا من القتل والخطف, إلي أن وصلت الأمور إلي ترديد مصطلحات وعبارات مثل إمارة سيناء, ودولة سيناء, وانفصال سيناء وبيع سيناء, وتوطين الفلسطينيين في سيناء, وكأن هذه البقعة المباركة, الأكثر ثراء في بر مصر, بمثابة ملكية خاصة لشخص أو جماعة, أو أنها قد هانت علي شعب مصر إلي هذا الحد, علي الرغم مما أريق علي رمالها من دماء طاهرة, دفاعا عنها خلال حروب متتالية, استنزفت في الوقت نفسه ثروات البلاد ومقدراتها. ولذلك, فإن قرار القوات المسلحة تنظيف سيناء الآن, وتطهيرها من بؤر الإرهاب والبلطجة, إنما هو بمثابة رد اعتبار لشعب مصر ككل, وهو في الوقت نفسه رسالة إلي العالم, مؤداها أن هناك شعبا مازال مفعما بالحياة والعزة, وأن هناك جيشا سيظل رمزا للكرامة والوطنية, إلا أن الأمر يستدعي أن يكون هناك دعم شعبي قوي وخاصة من أبناء سيناء لتلك الجهود التي تبذل الآن علي الأرض, في مواجهة إرهابيين هان عليهم وطنهم, وهان عليهم أبناء جلدتهم, ضباطا كانوا أو جنودا, ممن لم يقترفوا ذنبا سوي أنهم يدافعون عن تراب وطنهم. ما أستطيع تأكيده هو أنها أيام قليلة ونستطيع أن نردد, بكل ثقة, أن سيناء عادت كاملة إلي الوطن الأم من براثن ذلك الاحتلال الإرهابي, الذي جثم علي صدور الشعب ككل, فتوقفت معه حركة البشر والاقتصاد والسياحة والاستثمار, وهو الأمر الذي يجعلنا نؤكد دائما وأبدا أهمية تعديل الملحق الأمني في معاهدة السلام مع إسرائيل, بما يكفل وجود قوات كافية بالمنطقتين ب و ج, ومن جهة أخري إيلاء التنمية في سيناء أهمية قصوي تتناسب وعطاء هذه الأرض, بدءا من إقليم شرق قناة السويس ومشروعات التنمية التي يجب ألا تتوقف هناك, وحتي رفح وشرم الشيخ, وما يمكن أن تمثله هذه وتلك من دعم غير محدود للاقتصاد الوطني. لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة