عندما حذرت كريسيتن لاجارد المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي من شبح كساد الثلاثينيات من القرن الماضي, والعودة إلي الحروب التجارية والممارسات الأحادية الذي يحوم حول الاقتصاد العالمي في2012. لم تقصد تحقق الكساد بالفعل, لكنها أرادت أن تنذر القادة من تداعيات الفشل السياسي والتناحر والتراشق بأسلحة الحرب التجارية الذي سبق كساد الثلاثينيات, وكان تكراره في العام الذي نودعه اليوم سببا في أزمات محتملة وركود في العام الجديد كان يمكن تجنبه لو أن كل طرف توقف عن ركل الدلو أسفل الطريق واتخذ القرارات الصائبة لعلاج مشكلات مزمنة. تكرار الفشل سيكون ثمنه باهظا ولن ينجو منه أحدا سواء الدول الغنية أو الفقيرة, الصاعدة أو الهابطة, الأسواق المالية والبورصات أو المضاربون علي أسعار السلع والمعادن وموارد الطاقة ولكنه فشل يبدو من الصعب تجنبه بسبب الاستحقاقات الانتخابية في الولاياتالمتحدة وفرنسا روسيا والحذر المقترن بالتغيير القيادي في الصين, والوهن الذي أصاب محركات النمو في الاقتصادات الصاعدة, وكل علامات الاستفهام التي تحيط بتوجهات الثورات في المنطقة العربية, واحتمالات انتقال شرارة الثورات إلي المناطق الحرجة للحقول البترولية في الخليج. حين يكتب التاريخ صفحة2011 سيتعجب المؤرخون كيف أفلت الاقتصاد العالمي بأعجوبة من كارثة الانهيار المالي في2008 ثم فشل في الحفاظ علي معدل نمو يحفظه من الويلات الاجتماعية للبطالة والفقر واضطراب النظام المالي. فكل المؤشرات تشير إلي أن معدل النمو في الدول الغنية سيكون أقل من معدله الطبيعي في بداية العام الجديد, وان اقتصادات مهمة مثل بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا ستسقط في مصيدة الركود, وأن براعم الانتعاش في الاقتصاد الأمريكي هشة وقابلة للتراجع في كل لحظة, وأن الاقتصاد الصيني سيدخل مرحلة الهبوط الاضطراري, وباقي الاقتصادات الصاعدة ستتأثر سلبا بانكماش الطلب الغربي علي صادراتها في وقت تتعرض فيه لضغوط تضخمية. أما منطقة اليورو فستظل تدفع ثمن تخبط السياسات وفقدان القدرة علي إقناع الأسواق بأنها تملك مفاتيح حل أزمة الديون السيادية التي تلاحق أطرافها الجنوبية وتهدد بقائها متماسكة. السبب ليس في عدم وجود حلول ولكن في عجز الرؤية والإرادة السياسية اللازمة لاتخاذ القرارات الصعبة والارتكان بدلا من ذلك إلي سياسة ركل الدلو أسفل الطريق. حالة الاستقطاب بين إدارة أوباما والكونجرس حالت دون التوصل إلي اتفاق علي خطة إنعاشية قصيرة الأجل وأخري تعالج العجز الهيكلي في الموازنة العامة والموازنات الخارجية في الأمد المتوسط, تجمع بين زيادة الضرائب علي الأغنياء وخفض التكلفة الباهظة لبرامج الرعاية الاجتماعية وتمكن الاقتصاد من إعادة شحن محركات النمو. استمرار حالة الاستقطاب في عام الحملة الانتخابية الرئاسية يبدد الأمل في أي تغيير جذري ويجعل تأجيل الاصلاح أمرا لا مفر منه, وهو ما سيجعل الاقتصاد الأمريكي تحت مقصلة مؤسسات التقييم الائتماني التي لم تتورع عن توجيه أول ضربة قوية له حين تصاعدت أزمة رفع سقف الدين العام وهي أزمة قابلة للتكرار بأشكال متعددة في العام الجديد. الصين أيضا أخطأت حين اكتفت بخطة إنعاشية تكلفت5,1 تريليون دولار في2009 ولم تستكملها بتغيير نمط للنمو يعتمد علي ابقاء سعر عملتها قسرا عند مستوي يحفظ القدرة التنافسية لصادراتها, وإعلاء قيمة الإدخار علي الاستهلاك, مسمهمة بذلك في تعميق حالة الاختلال في التوازنات العالمية. أما أموال الإنعاش فقد تم تمريرها عبر بنوك مولت مشروعات للبنية الأساسية والطرق فعاليتها مشكوك فيها, وتسببت في فقاعة عقارية وتصاعد مديونيات الإدارات المحلية إلي ما يقرب من10 تريليونات يوان أي25% من الناتج المحلي الاجمالي. الحذر سيكون سيد الموقف في نظام سيشهد في أكتوبر المقبل أكبر عملية تغيير للقيادات الحزبية والرسمية ومن ثم فليس من المتوقع أن نشهد خطوات جريئة تعيد التوازن إلي الاقتصاد الصيني, أو مبادرات قوية علي صعيد فتح أسواقها أو تحرير تجارتها أو فتح باب المنافسة أمام العقود العامة. الإخفاق الأكبر الإخفاق السياسي الأكبر كان من نصيب منطقة اليورو التي فشل قادتها في الخروج من حالة إنكار أن أطرافها الجنوبية المتعثرة بسبب تراكم ديونها السيادية قد اقتربت من حالة الإفلاس ولم تعد قادرة علي النمو وهي ترتدي القميص الحديدي من اجراءات التقشف, وأن ما بدأ بأزمة تغلف الأطراف قد تحول بسبب التخبط السياسي إلي تهديد القلب بفقد مصداقيته الائتمانية. التحالف الألماني الفرنسي الذي أفرز اتفاقا مبتورا يكفي فقط للحيلولة دون وقوع كارثة وليس تقديم علاج جذري يقنع الأسواق بأن منطقة اليورو مسيطرة علي أزماتها قد لا يستمر طويلا, وسيتعرض لضغوط صعبة مع تقلص قدرة الرئيس ساركوزي علي المناورة وهو يخوض معركة الانتخابات الرئاسية الفرنسية في مايو من مقعد الضعيف. كما أن تردي شعبية الكثير من الحكومات الأوروبية يعني أن مقولة بقاء منطقة اليورو متماسكة علي حالتها, أو تفككها أو استمرارها علي مسارات متعددة ستكون محل اختبار صعب في.2012 في ظل هذه الأجواء السياسية المعقدة تميل كل الأطراف إلي اللعبة الصفرية أي تعظيم المكاسب علي حساب خسارة الطرف الآخر, والدليل أن كل الأطراف تتجه إلي انتهاج سياسات مالية تقشفية ونقدية متشددة في الفترة قصيرة الأجل, وستعتمد علي تخفيض سعر عملتها والاعتماد علي الطلب التصديري كمحرك للنمو مما سيصعد من حرب العملات والتراشق بأسلحة الحرب التجارية ويعمق الانزلاق نحو الركود. فالدول الغنية تتجه نحو تنفيذ تخفيضات في عجز موازناتها يماثل نحو1% من الناتج المحلي الاجمالي في2012 أي ضعف ما تحقق في2011 فيما يعتبر واحدا من أكبر عمليات التقشف الجماعية تاريخيا. بعض الدول, خاصة تلك علي الطرف الجنوبي من منطقة اليورو لا خيار لها حتي تستعيد ثقة الأسواق وتستجيب لضغوط تفرض عليها مقابل برامج الإنقاذ, ولكن هناك دولا مثل بريطانيا تتمسك بالتقشف خوفا من فقد مصداقيتها في الأسواق وليس لأن قادتها يعتقدون أنه الحل المناسب لتحفيز نموها. والسياسيون في اقتصادات قوية مثل ألمانيا وهولندا يتشبثون بالتقشف باعتبارها عقيدة من الخطر التنازل عنها. أما الولاياتالمتحدة فالاستقطاعات في الإنفاق ستأتي تلقائيا لأن حالة الاستقطاب السياسي والاستحقاقات الانتخابية الرئاسية ستحول دون التوصل إلي وسط. حالة التقشف الجماعي ستفرض ضغوطا كبيرة علي البنوك المركزية لاستخدام أسعار الفائدة وعمليات التيسير النقدي في محاولة لتجنب ركود مؤلم, وهو ثمن ستدفعه الشعوب ليس لأنه سيعالج مشكلاتها جذريا في الأمد المتوسط, بل لأن قادتها السياسيين غير قادرين علي الاتفاق علي خطوات منسقة ومتسقة للاصلاح والنمو في الوقت ذاته. فلا توجد في خطط السياسيين الأمريكيين حلول لتراكم الدين العام, ولا لدي القادة الأوروبيين أفكار تخرج منطقة اليورو من الحلقة المفرغة التي تدور فيها منذ سنوات, ولا لدي قادة الصين الرغبة في تغيير نمط للنمو ينجح أحيانا في إثراء النخبة لكن استمراره يلقي علي كاهل الفقراء تحمل تبعات ضغوط تضخمية لا طاقة لهم علي احتماله دون انفجار التوتر الاجتماعي. أزمات2012 إذن ستخرج من رحم الفشل السياسي وليس عدم توافر الحلول الاقتصادية الممكنة في.2011 تحد خطير آخر فرضته أحداث العام هو أن العولمة فجرت طاقات للنمو عبر تحرير التجارة حركة رؤوس الأموال وانتقال التكنولوجيا بسرعة أكبر ولكنها خلقت فجوة عميقة بين الرابحين والخاسرين منها يتطلب ردمها تدخلا سياسيا حكوميا حكيما وهو تحد لا يحتمل فشل سياسي آخر.