تحليل- رأفت أمين: الاقتراح الذي عرضه الدكتور جودة عبد الخالق وزير التموين والتجارة الداخلية علي أعضاء اتحادي الغرف التجارية والصناعات بالتحاور مع الأجهزة الحكومية للتوصل الي اسعار استرشادية لبعض السلع الاساسية. واعتقد ان الوزير كان يقصد الغذائية منها, تكون هوامش الربح فيها مقبولة من المستهلك والتاجر والصانع في الوقت نفسه, هذا الاقتراح وان كان يبدو للوهلة الاولي ان المخاطبين به بالدرجة الاولي هم محدودو الدخل, ويجد صدي لديهم بطبيعة الحال بعد ان اكتوي الجميع بنار الاسعار خاصة من الفقراء. الأمر في بدايته يبدو مقبولا, ولكن عمليا هل سيحقق الهدف المنشود منه وهو تحقيق العدالة, اتصور ان الوزير كان يمكن ان يتجه لمنحي آخر يحقق له توجهاته الاشتراكية, ان يطالب وبقوة وهو احد اعضاء حكومة للانقاذ الوطني بوضع نظام دقيق لتحصيل الضرائب من المنتجين والتجار ووفق الارباح الحقيقية التي يحققونها وليست الواردة باقراراتهم, فتحقيق ارباح هدف مشروع, وتحصيل الضرائب العادلة وبكل شفافية هدف مشروع ايضا, فالمفترض ان تتم المحاسبة الضريبية وبمنتهي الشفافية مع نهاية كل سنة ضريبية وعلي اساس الارباح الفعلية, وان يتم سد جميع الثغرات التي يتم من خلالها التهرب او التلاعب في حساب الارباح, فعندما نحصل الضرائب بعدالة, يمكن توجيه الحصيلة الي محدودي الدخل وان يكون ذلك ايضا بشفافية وموضوعية, اما اذا ما تدخلنا في التسعير بأي شكل من الاشكال وأيا ماكانت المسميات, فسنعاني كما عانينا في السابق من الألاعيب وما اكثرها سواء في اخفاء السلع وبيعها في الخفاء وبطرق ملتوية وبالتالي الذي سيتضرر هم الفقراء ومتوسطو الدخل, ولن تتحقق العدالة المنشودة وستختفي الارباح عن الانظار. ولماذا دائما نتحدث عن السلع الاساسية باعتبارها الغذائية فقط, ولا نتحدث عن السلع الاخري مثل الاسمنت والحديد التي تتميز اسعارها بالمبالغة بشهادة جميع الاطراف, حتي ان التجار مؤخرا طلبوا من جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية التدخل لوقف نزيف الاسعار, مثل هذه السلع وان كانت لاتمس بشكل مباشر محدودي الدخل انما سيكون مردود التعامل مع التلاعب في اسعارها وبكل حزم مردودا ايجابيا علي حال الاسواق. احد الاسباب الرئيسية وراء فوضي الاسعار بالاسواق هي التجارة العشوائية, وكان هناك خطة سابقة واضحة الملامح لعلاج هذا الخلل, ولكنها توقفت ليس لانها لاتصلح, ولكن لانها جاءت من نظام سابق متهم بالفساد, المشكلة ان منظومة التجارة كلها فاسدة, وبالتالي تحتاج الي تطهير للوصول الي اسعار تعبر بشكل صحيح عن التكلفة الحقيقية للانتاج وهوامش الربح حتي تعمل آليات السوق دورها الطبيعي في تحديد الاسعار, وان تقوم الدولة ممثلة في وزارة التموين وعلي وجه السرعة بالدخول كطرف ثالث في الاسواق بتكثيف المعروض من السلع الاساسية التي نريد لها اسعارا استرشادية من خلال منافذها التي اهملت لاسباب تخدم رأسمالية المحاسيب حسب وصف الدكتور جودة, وتجربة الدكتور احمد جويلي وزير التموين الاسبق شاهدة علي نجاحها في السيطرة علي اسعار الكثير من السلع الاساسية وقت توليه مهام منصبه من خلال استخدامه الصحيح لفروع المجمعات لتحقيق التوازن السعري واعتقد ان هذه التجربة كانت في حكومة الدكتور كمال الجنزوري, واتصور ان التجربة التي تحدث عنها الدكتور جودة بمواجهته عملية اضراب العاملين بشركة مضارب مصر العليا وحرمان قطاع كبير من الشعب من رغيف الخبز وقيامه من خلال دوره لتوفير الامن الغذائي للغلابة بتوفير الدقيق من مصادر مختلفة للمخابز حتي لاتتوقف عملية الانتاج, وكانت تجربة ناجحة تماما, فهل سيتبني رئيس حكومة الانقاذ الوطني ووزير تموينه ما كان يتبناه في وزارته الاولي ومن خلال وزارة التموين ايضا والتي يتولي مسئوليتها حاليا وزير يؤمن باقتصاد السوق الاجتماعية وليس اقتصاد سوق حرة لها عنفوان لايقوي علي مقاومته الغلابة من اجل عدالة اجتماعية حقيقية.