وتكتشف مصر صوتها الحقيقي, وتستعيد ثورتها من خاطفيها, وسارقي أحلامها من المتاجرين بالدين, والانتهازيين, ونهابي الفرص, ويستعاد التلاحم الوطني بين الجموع الهادرة, والجيش المصري بوصفه بيتا أصيلا للوطنية المصرية. تبدو الموجة الثانية في الثورة المصرية03 يونيو3201 بنتا للخيال الجديد الذي صنعته حركت تمرد بشبابها البواسل, وجذريتها المدركة تعقيدات المشهد السياسي المصري الراهن وتنويعاته, والأهم قدرة تمرد بطليعتها الثورية الشابة علي أن تطرح خطابا وطنيا جامعا يقف في خندق المصالح العليا للأمة المصرية, ويرفض بإباء شديد الهيمنة الأمريكية والتبعية للغرب الاستعماري, وكأن مصر تولد حقا من جديد, مفعمة بالأمل, والحرية, والكرامة الوطنية, وإنسانية الإنسان, وعين للمستقبل لكل وطننا العربي. مصر تكتشف صوتها الحقيقي بوصفها روحا تتجدد من قيم التنوير, والتقدم, والتسامح, والحداثة, والإبداع. إنه الفرح ولا شيء سواه, فبدماء شهدائنا, وآلام مصابينا, والرهان علي شعبنا وناسنا في المدن والقري المصرية, وتلاحمنا الوطني, وجيشنا الذي انحاز إلي ناسه في لحظة فارقة من عمر الأمة المصرية نستعيد ثورتنا التي سرقها المتطرفون, وتستعاد الدولة المصرية بصيغتها الوطنية, وإطارها المدني الجامع ابن قيم المواطنة, وقبول الآخر, والتنوع الخلاق. نحن وباختصار أمام ثورة وطنية ديمقراطية بامتياز, ثورة سعت لاستقلالية القرار الوطني المصري عبر رفض الإملاءات الأمريكية, والضغوط الخارجية التي حاولت جماعة الإخوان أن تلجأ إليها في انتهازية فادحة, وخيانة للأمة المصرية جميعها, كما أننا أمام ثورة شعبية عارمة شارك فيها المجموع من أجل غد أكثر جمالا وعدلا وتقدما وإنسانية. وبدت الهوية المصرية الجامعة محركة للجماهير في سعيهم للخلاص من نظام فاشي رجعي ومستبد, كانت نقطة النهاية له حين حرض علي قتل شعبه وجعل المصريين أمام حالة احتراب أهلي, ولولا عناية الله, وقدرة المصريين علي الاستمساك بالجذر الحضاري المصري الموصول بحضارة متمترسة في التاريخ, وشعور الجماهير أنه لا مكان لجاهل, أو إرهابي, أو متطرف في إدارة البلاد, من هنا ملأنا الميادين المصرية لأننا كنا ندافع عن كرامتنا الوطنية, وعن هويتنا المصرية الجامعة. وعلي الرغم أيضا من الهوس الذي انتاب بعض الإرهابيين من تحريض علني علي القتل لإخافة المصريين وترهيبهم, إلا أن الشعب كان صلبا كعادته حين تشتد الصعاب, وامتلأت الميادين تنادي برحيل الفاشلين, وكان لسان حال المصريين: لن ترهبنا حناجركم التعيسة ولا بلطجتكم الكلامية والفعلية, فنحن نؤمن أن قوتنا في سلميتنا وفي الوفاء لدماء شهدائنا وفي التعبير عن ناسنا وأهلينا في القري المصرية التي يخطها النيل الذي فشل محمد مرسي في الحفاظ عليه. وعلي الرغم من دراما الخروج للنظام الإخواني, ولعبة الأعصاب التي صاحبت الخطاب البليد للرئيس المعزول من شعبه, إلا إنني كنت أوقن دوما أن ثمة شعبا رائعا في الميعاد, قادرا علي أن يحمي ثورته, وأن يدافع عن حقه في مجتمع تعددي, لا هيمنة فيه لفصيل, ولا استيلاء علي مقدرات وطن. ولذا كانت الثورة ستنتصر ولا محالة, فالإخوان ومن والاهم من الانتهازيين كانوا يسيرون عكس حركة التاريخ, بينما كانت أعيننا ترنو صوب مستقبل أكثر حرية, وجمالا, وعدلا. وعلي الدولة المصرية الآن أن تزيل آثار العدوان البغيض علي الهوية المصرية والذي مارسته جماعات التطرف والإرهاب, لنقاوم وبحق وعبر آليات من التنوير الفعلي لا التنوير المزعوم الذي تغني به أنصاف مثقفي المخلوع مبارك, فعبر الوعي باللحظة ومتطلباتها ومحدداتها يجب أن يعاد الاعتبار لقيم الثقافة الوطنية المصرية القادرة وحدها علي مقاومة مناخ الكراهية الذي خلفته الجماعات الدينية المتطرفة التي دعمت سياسيا من نظام فاشستي مجرم ورجعي في آن, والتي كان من تجلياتها الخطيرة وقائع القتل علي الهوية التي شهدناها في أيام المعزول مرسي وإخوانه, فلا شيء يفيد ولا شيء يبقي سوي تنوير حقيقي تصاحبه عدالة اجتماعية تجسر الفجوة بين الطبقات, ولم يعد من سبيل سوي أن يؤسس المصريون دولة المواطنة الحقيقية بنت الحرية والحداثة والتقدم والعدالة الاجتماعية. وبعد.. لاستعادة الدولة المصرية بريق خاص تلمحه في أعين الناس, لكن المهم الآن البدء الفوري في تنفيذ خارطة الطريق التي أعدتها القوات المسلحة الباسلة بالتوافق مع المجموع المصري, كما أنه علينا أن ندرك أن يقظة الشعوب وقدرتها علي المساءلة آليتان أساسيتان لنجاح ثورتنا وتحقيقها أشواقنا نحو الحرية, أملا في دولة مدنية وطنية حديثة تحتفي بالمواطنة وتدرك معناها, مثلما تقدر الوطن حق قدره, ولا تتعامل معه بوصفه ولاية في خلافة مزعومة ما أنزل الله بها من سلطان. لقد نجونا من فخ الاستبداد باسم الدين وكسرنا أسطورة القداسة المزعومة للبعض, وبدا المصريون يملكون وعيا مركبا قادرا علي الفرز, يكشف النهابين والمنافقين, ويعلم أن نجاته في تلاحمه, بوصفه نسيجا واحدا لا يعرف الطائفية ولا التمييز, ولذا سنكمل ثورتنا محاولين تحرير الوعي المصري, ومتطلعين إلي حياة أكثر نبلا وإنسانية تؤمن بالصيغة التعددية وتحتفي بإنسانية الإنسان, وتعي الدور التاريخي للدولة المصرية في محيطيها الإقليمي والدولي, بوصفها مركز ثقل يجب أن يعاد الاعتبار إليه, لتصبح مصر البهية في مكان يليق بها, وبنا, وبثورتنا نحن المصريين جميعا. لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله