رغم احتفال الجزائر اليوم بمرور51 عاما علي ذكري إعلان استقلالها عن فرنسا5 يوليو1962, إلا أن الكثير من المراقبين مازال يشير إلي استمرار اضطلاع باريس بدور كبير في رسم ملامح السياسة الجزائرية, لاسيما في ظل استمرارية النظر إليها كمقاطعة فرنسية, من ثم محاولات التدخل في سياستها سواء كانت الداخلية أو الخارجية, خاصة في ظل حكم الرئيس بوتفليقة(76 عاما), منذ27أبريل1999, والذي مازال غائبا عن المشهد السياسي منذ27 أبريل الماضي, بحجة العلاج من المرض, الأمر الذي بات يطرح العديد من علامات الاستفهام حول مرحلة ما بعد بوتفليقة, ذلك في ظل الكثير من المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية بفعل ثورات الربيع, التي مازالت الجزائر بمنأي عنها حتي اليوم, كذا في ظل الاستعدادات للانتخابات الرئاسية المقبلة إبريل2014, والسؤال الأبرز: هل يشكل انتهاء عهد بوتفليقة بداية مرحلة تغيير سياسي حقيقي في الجزائر؟.. أم عودة جديدة إلي عهدالعشرية السوداء؟!. رغم تشابه الكثير من تفاصيل الأحداث الجارية في الجزائر اليوم مع ما قد سبق وشهدته نهاية فترة الرئيس السابق'بو مدين' قبل وفاته في27 ديسمبر1978, إلا إنها تبدو أقرب اليوم إلي ما حدث في' فنزويلا' مطلع العام الجاري, حيث الإعلان عن معاودة المرض الرئيس'تشافيز', من ثم ذهابه إلي رحلة علاجية في كوبا, تلك الرحلة التي تضاربت الأنباء بعدها حول حالته الصحية وعدم قدرته علي العودة مجددا لإدارة أمور البلاد, ذلك في ظل دعوات المعارضة المستمرة للكشف عن حقيقة الحالة الصحية له, والمطالبة بتنحيته عن السلطة, حتي الإعلان عن وفاته5 مارس الماضي, وهو نفسه تسلسل الأحداث الجارية في الجزائر منذ منتصف أبريل الماضي وحتي اليوم, بل وربما بات خبر وفاة' بوتفليقة' أو إعلان عدم قدرته استكمال فترة ولايته الرئاسية الثالثة( أبريل2009- أبريل2014).. بات هو نفسه الخبر المنتظر الإفراج عنه قريبا في الجزائر, ذلك في ظل حالة الضبابية التامة, التي فرضتها حكومة' عبدالمالك سلال' علي التغطية الإعلامية لمرض الرئيس, ذلك للحد الذي وصل إلي مصادرة بعض الصحف ومقاضاة الصحفيين, في سابقة هي الأولي منذ العام1999, وهو ما حدث منتصف الشهر الماضي-19 مايو2013- مع هشام عبود مدير صحيفتي' جريدتي' و'مون جورنال', بعدما أمرت السلطات الجزائرية بفتح تحقيق قضائي معه ومنع طبع الصحيفتين, بتهمة المساس بأمن الدولة والوحدة الوطنية, ذلك بعد مقال تحدث فيه عن صحة الرئيس' بوتفليقة', إلي جانب تصريحاته في ذات الشأن لقناة' فرانس24', التي ذكر فيها أن: صحة الرئيس قد تدهورت إلي حد إصابته بالشلل!. إلا إنه وعلي الرغم من تشابه تسلسل الأحداث, حتي في نهج الحكومة الجزائرية في تعاطيها مع الأحداث, حيث نشرت صورة للرئيس من مشفاه الأربعاء12 يونيو الماضي, للتأكيد علي صحة أحاديثها حول بدء تعافي' بوتفليقة', من ثم اقتراب عودته بحسب زعمها, إلا أن الاختلاف يبدو هنا في استمرار غموض هوية الشخص البديل ل'بوتفليقة' في الجزائر, ذلك حال التأكيد علي عدم عودته مجددا لمزاولة مهام منصبه, فإذا كان شخص البديل ما بعد' تشافيز' واضح في فنزويلا, لاسيما بعد تسميته نائبه' نيكولاس مادورو' لخلافته في الحكم, من ثم دعوة الشعب لانتخابه بعد رحيله, فإن' بوتفليقة' لم يسمي أحدا حتي الأن, ذلك رغم ما ورد في صحيفة' الخبر'- العدد6496- الأربعاء5 أكتوبر2011- حول رسالة للنائب السابق بمجلس الأمة الجزائري عمر محداد, الذي قضي12 عاما في المجلس وواحد من المقربين من الرئيس بوتفليقة.. رسالة وجهها للأمين العام- السابق- لحزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم, التي طالبه فيها بالاستقالة من رئاسة الحزب, معللا الأمر بأن' رئيس الجمهورية المقبل لن يكون من جبهة التحرير الوطني', الأمر الذي عبر عنه عنوان الخبر' النظام فصل في رئيس الجزائر المقبل', مما فسر علي انه قد يكون المدير العام للأمن الوطني عبد الغني الهامل, الذي يشغل منصبه منذ26 ديسمبر2011, وهو نفسه الأمر الذي أكد عليه الإعلامي والمحلل السياسي الجزائري العربي زواق, ذلك في حديث خاص له مع شبكة' بي بي سي' الإخبارية-5 يونيو الماضي- بقوله إنه: لو كان الاختيار بيد الرئيس' بوتفليقة' وحده لاختار الجنرال عبد الغني الهامل لخلافته. عودة' جبهة الإنقاذ' ورغم كثرة الأسماء المطروحة علي الساحة الجزائرية لخلافة' بوتفليقة', سواء كان الهامل أو أحمد بن بيتور, رئيس الحكومة العام1999, الذي أعلن عن ترشحه الانتخابات القادمة منذ ديسمبر الماضي, كذلك عودة علي بن فليس منافس' بوتفليقة' في الانتخابات الرئاسية2004 إلي الواجهة, إلا أن الكثير من المراقبين يشير إلي ضرورة توخي الحذر الآن قبل طرح أي منهم نفسه في هذا التوقيت, أو التأكيد علي تسمية شخصية بعينها من جانب الحزب الحاكم, ذلك أن الوضع في الجزائر بات أعقد بكثير, مما يفرض صعوبة تحكم طرف بعينه سواء كان الرئيس- بحسب زواق- أو غيره من الأطرافا الأخري في اتخاذ القرار, لاسيما في ظل متغيرات ما بعد الربيع العربي, التي ساهمت بشكل كبير إلي عودة الزخم السياسي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية, لاسيما في ظل عودة صعود' الجبهة الإسلامية للإنقاذ' المحظورة' منذ حلها في1992 إلي الظهور علي السطح مجددا, ذلك بعد الحديث عن إمكانية ترشيح' علي بن حاج'- أحد مؤسسي الجبهة مطلع سنة1989- نفسه إلي الانتخابات الرئاسية المقبلة, وهي النية التي عبر عنها' بن حاج' نفسه من خلال كلمته الأسبوعية24 مايو الماضي, بعد صلاة الجمعة في مسجد الوفاء بالعهد بحي القبة بالجزائر العاصمة, التي حملت ما وصف علي إنه برنامج انتخابي, حيث قال إنه لو قبل ترشحه في2014 فإنه سوف يسمح بتأسيس الأحزاب بمجرد الإخطار, وكذا التجمعات والمظاهرات والمسيرات شريطة أن تكون سلمية, مؤكدا علي أن: الجبهة الإسلامية للإنقاذ حزب إسلامي فاز بالصندوق مرتين وتم اغتصاب الإرادة الشعبية بقوة الحديد والنار منه, مما دفع بشرائح إلي حمل السلاح دفاعا عن النفس وردا للعدوان وإرهاب الدولة, كل ذلك اضطرارا لا اختيارا, ولو احترمت الإرادة الشعبية لما حدث الذي حدث. أما فيما يخص مرض الرئيس فذكر' بن حاج' أنه لا يصدق الأخبار الواردة من القائمين علي السلطة, الذين عهدوا الكذب علي الشعب لسنوات طويلة, طارحا السؤال: بما أنه خرج من المستشفي العسكري.. فلماذا لا يفضل الراحة في الجزائر؟!. أم أن هناك احتمال أن الرئيس نفسه لا يرغب في العودة إلي الجزائر مرة ثانية؟!.. ما هو سر النشاط غير العادي للسفارة الأمريكية في الشئون الجزائرية؟!. وأشار' بن حاج' إلي ضرورة تنظيم مرحلة انتقالية برئيس انتقالي من أجل الخروج من الأزمة الخانقة ووضع البلاد علي الطريق الصحيح, لاسيما وهناك تصريحات بالغة الخطورة تصدر من شخصيات عسكرية مطلعة وكذا شخصيات سياسية وحقوقية, محذرا من تفويت الفرصة علي الشعب بعد50 سنة من الاستقلال المنقوص,' فلابد أن تعود الكلمة للشعب بعيدا عن العلبة السوداء'!. وقال أن الشعب لن يقبل أن تختار العلبة السوداء- النظام الجزائري- مرشحا, ثم تعرضه علي الشعب لاختياره, متمنيا أن تكون المرحلة الانتقالية القادمة' منفذا إلي فتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد'. الطرف الخارجي وفي ظل هذا التحرك اللافت للتيارات ذات المرجعية الإسلامية في الجزائر الفترة الأخيرة, ذكر بعض المراقبين إنه يخفي وراءه عدة أسرار, أولها البحث عن موقع قوة في الساحة السياسية, مما يجعل منه رقما صعبا في معادلة انتخابات الرئاسة المقبلة, لاسيما بعد ما وضح تماما من أن حركة مجتمع السلم, بقيادة رئيسها الجديد عبد الرزاق مقري, باتت تستغل الصراع الخفي الدائر بين جناحي السلطة لتحقيق امتيازات مستقبلية, خاصة بعد لجوء التيار إلي الدوائر الأجنبية لحشد الدعم والتأييد. فكافة المؤشرات توحي بأن مصير بوتفليقة قد حسم, وأن حقبته باتت وشيكة من النهاية; ليس فقط بسبب مرضه, إنما كذلك في ظل ما بدأ ينكشف من ملفات فساد مرتبطة بالعديد من المقربين له, لاسيما بعد ورود إسم وزيره السابق للطاقة والمقرب منه شكيب خليل في فضيحة شركة النفط الجزائرية' سوناطراك' في سياق إعلان القضاء عزمه الاستماع إليه كشاهد, لكنه غادر البلاد مباشرة بعد تسريب الخبر, مما وصف بأن سعي القضاء للاستماع إليه, وعدم إصدار مذكرة توقيف بحقه تحول دون سفره, ما هي إلا دلالة علي صراع بين أجنحة النظام. ذلك فيما أشار البعض إلي إنه يمكن فهم تحريك ملفات فساد تورط فيها مقربون من الرئيس في سياق رسالة سياسية موجهة إليه ولأنصاره للتراجع عن فكرة الترشح لمدة رابعة. ثمة مؤشر آخر, وهو تسريب الصحافة خبر إقالة بوتفليقة لشقيقه السعيد من منصب مستشار رئيس الجمهورية في توقيت يكاد يتزامن مع الإعلان الرسمي عن تدهور حالته الصحية ونقله إلي فرنسا للعلاج, وقد تكون هذه الإقالة نتيجة ضغط من جهات داخل دوائر صنع القرار في الجزائر. من ثم بات السؤال المطروح: إذا كانت المؤشرات جميعها تشير إلي ذات النهاية, وهي انتهاء حقبة' بوتفليقة' في السلطة.. فهل سيشكل هذا بداية مرحلة تحول سياسي ديمقراطي حقيقي في الجزائر؟!, وهو ما رد عليه لويس مارتينيز, من خلال صحيفة' لوموند' الفرنسية,30 مايو الماضي, بالقول إن: كثيرين يأملون في ذلك, لكن القلائل يعتقدون بأن هذا قد يحدث.