حشود بالملايين تطالب الرئيس بالرحيل, وأخري تطالبه بالاستمرار, واشتباكات وأعمال عنف وحرق مقار, الرئيس يدعو للحوار والاحتكام للدستور, مؤكدا انه الرئيس الشرعي المنتخب, والمعارضة ترفض الحوار مؤكدة ان الحل الوحيد هو اجراء انتخابات رئاسية مبكرة. الأزمة تصل الي ذروتها بإعلان حركة تمرد منح الرئيس مهلة تنتهي في الخامسة من مساء اليوم لتقديم استقالته, وجبهة الانقاذ تفوض الدكتور البرادعي لإدارة المرحلة الانتقالية, والفريق شفيق يعلن أنه في الطريق الي مصر.. ووسط تهديدات بالعصيان المدني والزحف علي قصر القبة, واعلان الموالاة انها لن تقف مكتوفة الايدي, واستمرار الاتصالات والوساطات والمبادرات خلف الكواليس.. يظل السؤال مطروحا: ما هو المخرج لأعنف أزمة سياسية ودستورية تشهدها مصر منذ25 يناير2011 ؟ الخبراء يؤكدون ان جميع السيناريوهات مفتوحة, صحيح ان كل الاطراف لم تتزحزح حتي الآن عن مواقفها, لكن الاتصالات الجارية في الكواليس التي يمكن وصفها بمبادرات الساعات الاخيرة تحاول أن تصل الي التهدئة وتقديم تنازلات متبادلة, بينما يؤكد الواقع علي الارض أن الأحداث تجاوزت الجميع ولم يعد هناك مفر من اتخاذ قرارات مصيرية. في رأي الدكتور سليمان عبد الفتاح استاذ القانون الدستوري فإن الازمة الراهنة سياسية قبل ان تكون دستورية, فالملايين التي خرجت الي الشوارع تطالب الرئيس بالتنحي, لا يمكن تجاهل صوت زئيرها الهادر, صحيح ان الانقسام موجود بعمق في المجتمع المصري, وهناك ملايين المعارضين كما ان هناك ملايين المؤيدين, لكن لم يعد هناك مفر من اتخاذ القرارات الصعبة. في تقدير الدكتور سليمان فإن الوصول الي المخرج يلزمه اعتماد سياسة الحوار سواء بشكل مباشر أو غير مباشر فالقضية ليست فقط في تنحي الرئيس, وانما في الخطوات التالية والتي يجب ان تحظي بتوافق عام من الجميع, والبلاد مقدمة علي مرحلة صعبة, وهناك من يتطلع لنشر الفوضي لاعادة عقارب الساعة الي الوراء, وانصار الرئيس لن يدعوه يسقط دون عنف, والمعارضة سوف تلجأ الي العنف اذا لم يتم الاستماع الي مطالبها, ولا مفر من القبول بتنازلات متبادلة! علي الجانب الآخر يطالب الدكتور رمضان بطيخ أستاذ القانون الدستوري بضرورة الاحتكام الي الدستور في معالجة الازمة, فالدستور حدد الحالات التي بموجبها يتخلي رئيس الجمهورية عن منصبه: الاولي في حالة اتهامه بالخيانة العظمي أو جناية, وادانته امام محكمة خاصة نظمها الدستور وبناء علي طلب ثلث اعضاء مجلس النواب, وهذه الحالة غير متوفرة, لأنه لا يوجد مجلس نواب, والحالة الثانية أن يتم استفتاء الشعب علي حل مجلس النواب ويرفض الشعب فيقدم الرئيس استقالته, وهذه الحالة غير متوفرة حاليا, والحالة الثالثة أن يترك رئيس الجمهورية منصبه بإرادته عن طريق الاستقالة أو بدون إرادته بالوفاة أو العجز. هذا الطرح يرفضه تماما الدكتور علي الغتيت استاذ القانون والاقتصادي الدولي والذي يعتبر الشعب هو صاحب السيادة والحكم الوحيد في الازمة الراهنة, فكل من يتولي مسئولية إدارة المجتمع, وليس حكم المجتمع, من المفروض أن تصله تعليمات من صاحب السيادة, هذه التعليمات يكون قد أفصح عنها هو, من خلال اتفاق ووعد بتنفيذه, سواء في صورة برنامج أو التزام, ورضي عن ذلك الشعب بوصفه صاحب السيادة, فإذا رأي صاحب السيادة( الشعب) ان المستخدم لم يعمل جيدا, بعد فترة اختباره, إذا لم يكن له خبرات سابقة فله ان يقوم بإنذاره اولا ثم اقصائه.ا والحاكم من وجهة نظر الدكتور الغتيت مستخدم بأجر وبعقد, وإذا ما أخل بهذا العقد فإنه يحق لرب العمل, وهو الشعب صاحب السيادة, أن يمنحه فرصة لتعديل مساره, أو يختار بديلا له, وهذا أمر ليس بجديد في المجتمع الإنساني, ولا يمكن اعتباره عصيانا مدنيا او جريمة تستوجب العقاب. ومع استمرار الخلاف حول كيفية الخروج من الازمة يؤكد الدكتور سمير كامل عبد اللطيف الخبير غير المتفرغ بمعهد كارينجي للسلام: ان المصريين مازالوا في بداية عهدهم بالديمقراطية, والدليل ان المعارضة التي تطالب بالديمقراطية لا تريد احترام الشرعية والديمقراطية التي أتي بها الرئيس الي الحكم عبر صناديق الانتخابات, وذلك بمطالبتها له بالتنحي بعد عام واحد من انتخابه. وهكذا فالمتوقع ان تدير الميادين والحشود والمليونيات مصر خلال المرحلة المقبلة, والرئيس الجديد ايا كانت هويته واتجاهاته معرض لحشود مليونية في الشوارع تجبره علي التنحي والاستقالة, والخطر الا يعيش لمصر رئيس خلال السنوات العشر المقبلة, والأخطر ان تتسع دائرة الفوضي وعدم الاستقرار والعنف, فمع أي شعور عام بخيبة الامل تجاه أي رئيس سوف تخرج الجماهير بالملايين لمطالبته بالتنحي قبل اكمال فترته الدستورية. والسؤال المطروح من يحكم مصر في حالة خلو منصب الرئيس؟ المعارضة تطرح فكرة تشكيل مجلس رئاسي أو تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا منصب الرئيس لحين اجراء انتخابات رئاسية, لكن الدستور الحالي وكما يقول الدكتور جمال جبريل أستاذ القانون الدستوري فإنه ينظم حالة خلو منصب الرئيس في حالة وجود مانع مؤقت يحول دون قيامه بمنصبه فإنه يحل محله رئيس مجلس الوزراء, فإذا خلا منصب الرئيس بالاستقالة أو الوفاة او العجز الدائم عن العمل يباشر رئيس مجلس النواب مؤقتا سلطات رئيس الجمهورية, وفي حالة حل مجلس النواب وهي الحالة الموجودة حاليا يحل مجلس الشوري ويباشر رئيسه سلطات رئيس الجمهورية, علي ان يتم انتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تتجاوز تسعين يوما. وفي ظل هذه المتاهة الدستورية تتواصل الاتصالات في الكواليس لحل الازمة, فهناك مبادرات عديدة تطرحها قوي سياسية وفعاليات وطنية, أهم المبادرات المطروحة يدعو إلي تشكيل حكومة جديدة برئاسة الفريق أول عبد الفتاح السيسي, مع احتفاظه بوزارة الدفاع علي ان تتولي هذه الحكومة حفظ الامن والنظام واجراء انتخابات برلمانية قبل نهاية العام الحالي واتخاذ اجراءات عاجلة لوقف التدهور الاقتصادي, وعقب الانتخابات تشكل حكومة من الاغلبية البرلمانية ويدعو الرئيس لانتخابات رئاسية مبكرة, مع البدء فورا في تشكيل لجنة لتعديل الدستور برئاسة شخصية قانونية مستقلة, لكن القوات المسلحة نفت في بيان لها امس أي رغبة في دخول المعترك السياسي واعطت كل الاطراف مهلة زمنية مدتها84 ساعة لاحتواء الأزمة وإلا ستتقدم بخارطة طريق لحلها. المبادرات كثيرة والاتصالات لا تتوقف والازمة تتصاعد بشكل سريع, ويبقي السؤال مطروحا: هل يكمن الحل في الاحتكام الي الشعب أم إلي الدستور أم بالاحتكام الي العقل والحوار والحرص علي مصلحة هذا البلد؟!