سباق دائم مع الزمن يصر عليه جون كيري وزير خارجية أمريكا, وذلك أملا ان يكتب اسمه في التاريخ بوصفه الرجل الذي قهر لعنة الفشل التي طاردت كل من اقترب من القضية الفلسطينية ورغم جولاته المكوكية ما بين الرئيس محمود عباس وبنيامين نيتانياهو لبدء المفاوضات فإن جهوده لاتزال تصطدم برفض الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح واصرار إسرائيل علي يهودية الدولة فضلا عن تصاعد الاصوات داخل النخبة الإسرائيلية التي تصر علي عدم جدوي حل الدولتين وأكد عزام الاحمد القيادي بحركة فتح ان عباس مستمر في التعاطي مع كيري دون تحديد سقف زمني محدد لجهوده غير اننا لا نستطيع الانتظار إلي مالا نهاية. وقد استبق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو تلك الزيارة بتصريحاته عن شروط إسرائيل لاستئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين, أساسها إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بدولة اسرائيل كدولة للشعب اليهودي من أجل التوصل لتسوية تعتمد علي مبدأ الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح التي تعترف بالدولة اليهودية مع ترتيبات أمنية حازمة تعتمد علي قوات الجيش الإسرائيلي, وقال في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن حل النزاع يكمن في اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل واعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية, كما صرح بأن حكومته لا تريد دولة ثنائية القومية ومن أجل تحقيق هذا الهدف فإنه يتعين علي الحكومة الإسرائيلية العمل ككتلة واحدة والتركيز علي الخطوات المهمة دون الانشغال في أمور حزبية ضيقة, كما أكد الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز أن فكرة الدولة ثنائية القومية تتنافي ورؤية مؤسس الحركة الصهيونية بنيامين زئيف هرتسل, وتعرض للخطر الطابع اليهودي والديمقراطي لدولة إسرائيل. ولكن تصريحات نيتانياهو عن حل الدولتين لم تلق قبولا واسعا في الأوساط السياسية وداخل تشكيلته الحكومية, كما لم تلق ترحيبا علي مستوي القوي والفصائل الفلسطينية, فداخليا أعلن داني دانون نائب وزير الدفاع أن حكومته تعارض حل الدولتين للشعبين, ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن دانون قوله إن بلاده تعمل ما بوسعها لإحباط إقامة دولة فلسطينية, مضيفا أننا لا نحارب ضد إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين لكن إذا حدث تحرك باتجاه الدفع نحو حل الدولتين, فإنك ستري قوي داخل الحزب والحكومة تكبح ذلك, وأوضح نائب وزير الدفاع أنه لم يحدث قط نقاش داخل الحكومة أو قرار أو تصويت حول حل الدولتين, وأنه في حال طرح هذا الحل علي التصويت فإن غالبية وزراء الليكود سيكونون ضده ومثلهم البيت اليهودي المشارك في الحكومة, كما صرح نفتالي بنيت وزير الاقتصاد بأن حل الدولة الفلسطينية وصل الي طريق مسدودة ويجب الانتقال من الآن لإدارة الأمور بحيث تكون فكرة الدولة الفلسطينية من خلفنا, وتأتي تصريحات دانون وبنيت لتؤكد عدم جدية الحكومة الإسرائيلية في التوصل إلي اتفاق سلام مع الفلسطينيين يفضي إلي قيام دولة فلسطينية, وتمثل صفعة قوية للمساعي الأمريكية وجهود كيري, لكن نيتانياهو عاد ليؤكد من جديد أن سياسة إسرائيل الخارجية ترسم من قبل رئيس الحكومة, وكل موقف مغاير لها لا يعتبر ذا أهمية, وأن تصريحات دانون وبنيت لا تعكس موقف الحكومة, وأنه معني باستئناف المفاوضات. أما الجانب المؤيد لطرح نيتانياهو فيتمثل في موقف تسيبي ليفني وزيرة العدل والمسئولة عن ملف المفاوضات التي هاجمت تصريحات دانون قائلة إنها تمس بصورة إسرائيل لاسيما وأنها تحاول إقناع العالم بأنها تريد حقا استئناف عملية السلام, مضيفة أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل العناصر المتطرفة داخل الليكود هي من سيحدد مستقبل إسرائيل. وعلي الجانب الفلسطيني فقد جاءت تلك التصريحات لتؤكد الموقف الفلسطيني الرافض للعودة للمفاوضات إلا بإقرار إسرائيل بمبدأ حل الدولتين وتجميد الاستيطان وإطلاق سراح الأسري وغير ذلك مما يشير إلي عدم جدية إسرائيل في البدء في مفاوضات جديدة تقودها واشنطن, وأعلن ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أنه لا يوجد في الائتلاف الحاكم في إسرائيل من يرغب فعلا بحل يؤدي إلي قيام دولة فلسطين, وأن هناك في الائتلاف من يسعي لمنع قيام هذه الدولة بخلق حقائق علي الأرض. بينما اتفقت حركتا حماس والجهاد الإسلامي علي رفض تصريحات نيتانياهو حول دولة فلسطينية منزوعة السلاح, وأوضح سامي أبو زهري الناطق باسم حماس أن الفلسطينيين يريدون دولة مستقلة ذات سيادة, واستنكر خضر حبيب القيادي في حركة الجهاد الإسلامي قبول نيتانياهو بدولة منزوعة السلاح بينما تتمتع إسرائيل بسلاح نووي, وقال إن هذه التصريحات تأتي في سياق التضليل الإعلامي, فإسرائيل لن تقبل بدولة فلسطينية سواء مسلحة أو منزوعة السلاح, ونحن كفلسطينيين نريد دولة مستقلة ذات سيادة. أما جميل مزهر عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فيري أن عودة محمود عباس إلي طاولة المفاوضات تلحق ضررا فادحا بالقضية الفلسطينية, وذلك بسبب تصريحات إعلامية نسبت لعباس أعرب فيها عن استعداده لاستئناف المفاوضات المباشرة مع الجانب الإسرائيلي دون اعتبار حدود1967 مرجعية للمفاوضات, وهو ما كان يصر عليه الجانب الفلسطيني. وأوضح مزهر أن السلطة جربت المفاوضات علي مدي20 عاما دون تحقيق إنجازات تذكر, وأن المفاوضات أعطت للاحتلال الإسرائيلي ضوءا أخضر بمواصلة ارتكاب جرائمه بحق الشعب الفلسطيني, وطالب عباس بعدم الانجرار وراء سراب المفاوضات, داعيا إياه للتمسك بالثوابت الوطنية, وأبرزها المقاومة والمضي قدما لإنجاز المصالحة الفلسطينية. ويري المحلل السياسي عبد الستار قاسم أن مبدأ حل الدولتين وهم قديم وخدعة وكذبة كبيرة عاشتها السلطة الفلسطينية, وهو غير موجود في أي اتفاق بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي, والأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل وفي نظريتها الأمنية يقول إنه لا يوجد غربي نهر الأردن إلا دولة واحدة هي دولة إسرائيل. أما الباحث الفرنسي ومؤلف كتاب إسرائيل.. العنصرية الجديدة ميشل بول ريشار فيري أن اسرائيل هي من ترفض حل الدولتين علي عكس ما تدعي, وليس هناك في الواقع أي إرادة سياسية من قبل اسرائيل لإنشاء دولة فلسطينية, لأنه إذا كانت إسرائيل فعلا تريد إنشاء دولة فلسطين لكانت فعلت, وأوضح ريشار أنه تم مؤخرا تشكيل مجموعة ضغط تضم40 نائبا في الكنيست للدفاع عن أرض اسرائيل, وهذا اللوبي مكون في الأساس ضد إنشاء دولة فلسطين ولتنشيط بناء المستعمرات,وأن من بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية وزير التجارة والصناعة نفتالي بنيت الذي كانت حملته الانتخابية تقوم علي ضم غالبية الضفة الغربية القطاعجالذي يشكل62% من أرض الضفة إلي الأراضي الإسرائيلية, فكيف تنوي إسرائيل إقامة دولة فلسطينية وكل يوم تبني مستعمرات؟! وكيف يمكن إنشاء دولة مثل هذه, ويظل الجيش الإسرائيلي يتحكم فيها؟!