تقف في ردائها الأحمر الصيفي الخفيف والقلادة التي تكشف عن ذوق رفيع والحقيبة البيضاء المعلقة علي كتفيها التي تشير إلي أنها فتاة بسيطة وليست تلك البنت الثورية. وأخري تقف بصلابة غير معهودة أمام مدرعة هرب من أمامها أقوي الرجال, تفتح لها صدرها برباطة جأش ليس لها مثيل لتأخذ جرعة كبيرة من المياه, تلك أمثلة باتت كالأيقونات التي تجعل الانتفاضة في تركيا مستعرة, مهما حاولت حكومة أردوغان تهدئة نارها سواء بالكلمات المعسولة أو التهديدات النارية أو العصا الأمنية. مجموعة من اللقطات صورها مصور رويترز عثمان أورسال في ساحة تقسيم بالقرب من جيزي بارك في إسطنبول, أشارت إليها صحيفة واشنطن بوست التي قالت إنها كانت سببا في إشعال نار انتفاضة عارمة وصلت إلي اعتصام سلمي والتي أظهرت كيف أنه في الوقت الذي فر فيه الرجال والنساء أيضا من أمام قوات الأمن التي أطلقت عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل, ظلت الفتاة ذات الرداء الأحمر صامدة لم تتحرك ولم تنحن حتي, بل تسمرت أمامهم حتي بعدما استهدفوها شخصيا, مما شجع باقي الشباب علي كسر حاجز الخوف وعدم الهروب من أمام قمع قوات الأمن. غير أن صحيفة الديلي ميل البريطانة ذهبت الي أبعد من ذلك وقالت إن الرداء الأحمر القاني فجر الثورة مؤكدة أنه إذا كان بوعزيزي في تونس وخالد سعيد في مصر يعدان رمزي الاحتجاجات, فإن تلك الفتاة أضحت أيقونة الثورة التركية علي أردوغان. ويبدو أن صمود فتاة الرداء الأحمر أمام القوة المفرطة للشرطة طرح تساؤلا هاما وهو هل تلوح بوادر ثورة نسائية قادمة في تركيا من أجل نيل حقوقهن؟ مع العلم أن تركيا تأتي في المرتبة124 من بين135 دولة في تقرير المساواة بين الجنسين الذي أعده منتدي الاقتصاد العالمي2013, الإجابة تكمن في جوانب اختلال المساواة بين الرجل والمرأة التي باتت تعيشها تركيا الآن, فالعديد من النساء والفتيات في القري النائية يعانين من التمييز بين الجنسين, فالتعليم بالنسبة للأسر الفقيرة يكاد يقتصر علي الذكور دون الإناث اللائي يجبرن علي المكوث في البيوت للمساعدة في الأشغال اليومية ثم الزواج مبكرا. بشكل أشمل فإن حال المرأة التركية في ظل حكومة أردوغان ليس علي مايرام, فقد انخفضت نسبة النساء العاملات10% خلال عشرة أعوام, فبعد أن كانت النساء تشكل40% من نسبة العاملين في تركيا عام2000 غدت هذه النسبة اليوم29% فقط. لذا, صنف مؤشر الأممالمتحدة لعدم المساواة بين الجنسين(GII) تركيا في المركز ال77 من أصل146 دولة, وعليه فربما هذه فرصة مهمة لنساء تركيا لإثبات أحقيتهن بالمساواة التامة. إذن يبدو أن المرأة التركية لديها من الأسباب ما يجعلها تقف في وجه رئيس الوزراء ذي التوجه الإسلامي, بدءا من محاولة حكومته الإسلامية الحثيثة فرض الحجاب علي المرأة, وإقراره قوانين تمنع الإجهاض, وفرضه غرامات علي المرأة التي تنجب أكثر من ثلاثة أطفال, وهو ما وصفه أردوغان بمحاولة لاسترجاع حقوق المرأة ودفعها لدورها التقليدي نحو التقوي وحماية أسرتها ورعايتها, وأخيرا المضايقات التي تعرضت لها المضيفات والموظفات التركيات بسبب محاولة الحكومة فرض قرار يقضي بعدم وضع أحمر شفاه أو طلاء أظافر باللون الأحمر الفاقع من قبل العاملات علي الطائرات التركية, غير أن الإضراب الذي تبنته المضيفات كان كفيلا بإحباط ذلك القرار ومقاومة الأجندة المحافظة التي يحاول أردوغان وحزبه الإسلامي فرضها علي تركيا العلمانية. إذن يبدو أن الصراع اليوم في تركيا ليس معركة علي اقتلاع أشجار أو هدم حديقة لبناء مبني تجاري بدلا منها, بل هو صراع العلمانيين والإسلاميين علي الهوية التركية, بين البقاء دولة علمانية كما أرادها أتاتورك أوالعودة بها إلي دولة إسلامية كما يسعي أردوغان, ولأن النساء هن أولي ضحايا مشاريع رئيس الوزراء فقد إخترن أن يحجزن لهن أماكن في الصفوف الأمامية علي الجبهة.