كانت هناك محاولات عديدة, لطمس صورة اتاتورك في الذهن الجمعي, ونظرا لحضور الرجل الطاغي, كان لابد من التروي والتدرج في الوقت نفسه. وكانت البداية مزاحمته علي وجهي العملة الورقية, الذي بقي في وجه واحد وسيقت تبريرات, في مقدمتها ضرورة تخليد رموز تركية حفرت لنفسها أثرا عظيما في ذاكرة أهل الاناضول, وتقبل الناس الأمر عن طيب خاطر, رغم أنهم لم يستشاروا, طالما بقي جوهر حياتهم كما هو متمثلا في مبادئ الجمهورية التي أسسها مصطفي كمال قبل تسعين عاما. لكن لوحظ أنه مع اشتداد الازمات, سرعان ما يلجا المواطنون إلي أتاتورك, وكأنهم يحتمون بل ويستنجدون به, سواء كان ذلك بزيارة قبره في آنك كبير بوسط العاصمة أنقرة, أو رفع صوره, وهذا ما حدث قبل ستة أعوام احتجاجا علي عزم رجب طيب اردوغان الترشح لمنصب رئيس الدولة. ومرت سنون قليلة, ولم ينتبه أهل الحكم مغزي الاصطفاف الهائل من قبل الآلاف مثلوا معظم أطياف المجتمع التركي, في العاشر من نوفمبر الماضي لاحياء ذكري وفاة مؤسسهم, فقد كان هناك شعور ما يخالجهم, وهو أن شيئا ما لا يريد خيرا لبلادهم, دون أن يحددوا كنهه. وسرعان ما جاء التفسير, إذ طفت علي السطح أزمة حديقة جيزي في ميدان تقسيم بإسطنبول, ومن الأخيرة انطلق المكبوت, لقد أدركوا أن هوية نظامهم السياسي في طريقها للتبدل, وهنا طغا الحنين من جديد نحو اتاتورك, وقاموا بوضع صورته علي البياراك العلم بلونه الأحمر, وهلاله ونجمته, وهكذا غمرت ملصقات وقد أخذت أشكالا واحجاما, الشوارع الفرعية قبل الرئيسية في انقرة واسطنبول واسكي شاهير وازمير وبقية مدن أخري. وكان لافتا قبل اسابيع, أن ظهرت وثائق وصور تري للمرة الاولي, وفيها مصطفي كمال الذي نعت تارة بالماسونية وتارة بالإلحاد والكفر, وهو خاشع بين يدي الله يؤدي الصلاة, ويالها من مفارقات أن تشاهد عشرات المحجبات يقفن جنبا إلي جنب مع أقرانهن السافرات في حالة الغضب التي تجتاح البلاد منذ اسبوعين. لمزيد من مقالات سيد عبد المجبد