مازالت آثار هزيمة يونيو1967 باقية في نفوسنا ومسيطرة علي عقلنا وموجهة لتفكيرنا ومتحكمة في سياستنا الخارجية تجاه إسرائيل والولايات المتحدة بصفة خاصة. وهذه حالة نادرة في التاريخ الحديث, لأنها عكس النمط العام السائد في الآثار المترتبة علي الحروب الكبيرة. فالمعتاد أن تتحكم الهزيمة في المهزوم طالما أنه لم يتمكن من تعويضها في حرب أخري ورد اعتباره واستعادة ثقته في نفسه وقدرته علي حماية وطنه. وليس معتادا أن تظل هزيمة ما موجهة للسلوك السياسي للدولة حتي بعد أن تتجاوزها وتحقق نصرا في حرب أخري. فالمفروض أن ينهي هذا النصر آثار الهزيمة ويعيد الأوضاع إلي نصابها. ولذلك يبدو غريبا أن تبقي آثار هزيمة 1967 بعد تحقيق انتصار 1973, بل أن تصبح أقوي مما كانت قبله. فقد وضعت هزيمة 1967 المصريين أمام تحد تاريخي استجابوا له عبر عمل جاد في إطار منظومة متكاملة عسكريا وسياسيا و اقتصاديا واجتماعيا في ظروف بالغة الصعوبة. لم تستسلم مصر لهزيمة 1967, ولم يخف المصريون من خوض مواجهة ثانية في أسرع وقت, بل ألحوا عليها. وكانت الحركة الطلابية الرائعة عامي72 و1973 هي الدليل الأكثر وضوحا علي ذلك. لم يخش المصريون وقتها إسرائيل, ولم يفزعوا من أمريكا, لأن إرادتهم كانت حرة. ولذلك وقفوا وراء جيشهم إلي أن عبر الهزيمة في أكتوبر .1973 ولكن بدلا من أن يؤدي عبور الهزيمة إلي إزالة أثارها, وتبني سياسة قوية مقدامة ولكنها ليست مغامرة حيال كل من يطمع في إخضاع إرادتنا, صارت هذه السياسة أكثر ضعفا علي نحو أنتج صلحا من النوع الذي حذر منه الراحل الكبير أمل دنقل عندما صرخ لا تصالح0 ولكن السلطة, التي حولت مسار مصر بعيد حرب أكتوبر من الاستقلال الي التبعية, ركضت وراء أي تصالح حتي اذا تعارض مع سيادتنا الوطنية لحماية مصالح الطبقة التي حققت ثروات طائلة علي حساب دماء الشهداء. ولم تكن القيود علي هذه السيادة في معاهدة 1979 وملحقها الأول إلا تعبيرا عن حالة مؤداها أن آثار هزيمة 1967 ظلت مستمرة رغم نصر 1973 الذي صنعه الشعب والجيش وأساءت السلطة التعامل معه, بل تصرفت كأنه لم يحدث. فإلي متي نبقي أسري السياسة التي أبقت آثار هزيمة 5 يونيو مستمرة؟ لمزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد