الحياة لم تكن يوما عادلة, ورمال الشرق الأوسط المتحركة تداعب الكثيرين, إلا أن سراب الرغبات المحرومة كثيرا ما يكون في انتظارهم!. وهكذا الحال في كردستان والعراق لم يجمعهما يوما علاقة صحية, إلا أنهما مجبران علي العيش معا, وهذه المرة ربما أيضا. يقولون لك إن العراق بات في اليد الايرانية وأن كردستان العراق كان دوما ورقة دائما بين طهران. إلا أن شيئا لايدوم علي حاله في الشرق الأوسط, وباتت الورقة الكردية بين أنقرة. وتهمس النخبة الكردية لتقول إن واشنطن غير مرتاحة للاندفاع الكردي صوب تركيا. ويذهب البعض مثل الملا بختيار القيادي بالاتحاد الوطني الكردستاني إلي أن كردستان جزء من المعادلات السياسية بالمنطقة, وأن السؤال بات متي تصبح كردستان دولة مستقلة؟ ويقول بختيار إنه بدون مصر لن يمكن تحقيق هذا الهدف, وإنه يفضل تحالفا استراتيجيا مع الدول العربية. إلا أن مصر لم ولن تقبل تجزئة العراق كما أن الحديث عن دولة كردية يبدو متفائلا بعض الشيء حسبما يري السيد فريد أسسرد مدير مركز كردستان للدراسات الاستراتيجية بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه السيد جلال طالباني. ولعل أحد أبرز ما يستوقف المرء هو هذه الرؤي المختلفة التي تعكس حيوية, إلا أنها في النهاية محكومة بالحقائق علي الأرض. طهران تراقب! ويذهب د. فريد أسسرد إلي أن ايران منزعجة من تزايد النفوذ التركي, وأن باحثا ايرانيا جاء لدراسة اسباب تفوق تركيا في تقوية علاقاتها بالاقليم, وأشار إلي أن طهران بدأت حملة مكثفة لإصلاح العلاقة مع اقليم كردستان العراق, وتحسين العلاقة الكردية العراقية( أي ما بين بغداد وأربيل), وأن الرجل الايراني القوي سليمان قاسمي زار كردستان كما تمت دعوة أسرة جلال طالباني إلي طهران. ووفقا للدكتور فريد فإن الايرانيين حساسون جدا, ويعتقدون أنهم يتعرضون لمؤامرة( وذلك بالتقارب مع أنقرة), ويلخص الوضع بتأكيده أن العراق دولة هشة والوضع في اقليم كردستان هش, وأن الأكراد والشيعة يعرفون الايرانيين جيدا, باختصار هناك فيتو ايراني ليسقط علي الدولة الكردية بل علي التقارب المتزايد مع أنقرة. .. ولكن ماذا عن الموقف الأمريكي.. يلخص د. فريد بالقول واشنطن لا تؤيد قيام دولة كردية, ولقد فاتح السيد مسعود البرزاني واشنطن في ذلك. وكان الجواب أن الدولة الكردية سوف تسبب المزيد من المشكلات في منطقة تعاني بالفعل من المشكلات. ونصيحتهم عدم الاسراع في اعلان الدولة, وقالوا لنا تفاهموا مع الأتراك ونحن نؤيد ما سوف تتوصلون إليه. وتقدير د. فؤاد أن العلاقة الراهنة مع حزب التنمية والعدالة بقيادة هي علاقة مع حزب, وليست علاقة استراتيجية مع الدولة التركية. وعندما قلت له ما شرط قيام الدولة الكردية.. قال: الشرط هو حماية أمريكا لهذه الدولة, وأمريكا ليست في وارد حماية الدولة. يقول لك البعض هنا إن دولة كردية سوف تكون غير مرحب بها من قبل تركيا وايران, بل روسيا ودول أخري بها أكراد, ناهيك عن العراق, والدول العربية. كما أن حديث البعض عن ابتلاع تركيا لكردستان تقف أمامه تحفظات أمريكية, فواشنطن وفقا لهؤلاء في السليمانية تدعم تركيا ولكن ليس إلي حد الهيمنة علي الشرق الأوسط. بل أن بعض الدوائر الأمريكية غير مرتاحة من طموحات العثمانية الجديدة في تركيا!. ومن جانبه ينتقد السياسي والمفكر المعروف أيوب بارزاني العلاقة بين اقليم كردستان وتركيا, ويقول لموقع شاربريس إن تلك العلاقة هي علاقة شخصية علي مستوي رئيس الاقليم مسعود برزاني وصهره في اشارة إلي نيجيرفان بارزاني. ويري أن تركيا تحاول السيطرة علي موارد الاقليم بالدبلوماسية الناعمة, ويشير إلي أن زمن ارسال الجنود لاحتلال أراضي الغير قد ولي, وبدلا من ذلك فإن القوي الاقتصادية والثقافية والتجارية والتكنولوجية تتكفل بالمهمة.. وفي الوقت الحالي ايران تتوسع في جنوب العراق وتركيا في اقليم كردستان العراق. ويذهب إلي أن الطاقة أحد أسباب الصراع الدائر بين أنقرةوطهران علي عراق ضعيف ومتفكك, ويكشف عن أن أنقرة تحتاج لتطوير صناعتها إلي طاقة, والتي تؤمن89% عن طريق الاستيراد فيما تنتج2% محليا. ويقول أيوب بارزاني: إن واشنطن وأوروبا واسرائيل متفقون علي أن تصبح تركيا قوة مسيطرة في كردستان الجنوبية وسوريا بعد بشار الأسد, بحيث تمنع التوسع الاقتصادي والسياسي والمذهبي لإيران. مشروع جديدة! ويطرح محمد أمين بينجويني عضو المؤتمر القومي الكردستاني رؤية أشمل, فهو يري أن الشرق الأوسط الكبير قد فشل, لكن الآن يفكرون في سايكس بيكو جديدة بالمنطقة, وفي الحالة الجديدة سوف يتم توزيع المناطق اقتصاديا وليس عسكريا أو جغرافيا, وعندما قلت له ما هي أطراف الاتفاق الجديد؟ أجاب بقوله: أمريكا والدول الفاعلة بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا وتركيا!. وأضاف إلي القائمة السعودية وقطر وبقية دول الخليج لأن التهديد لهما هو ايران, وقال: أعتقد أن التصور الجديد يتضمن ضربة عسكرية لايران. وأضاف بقوله: بالاضافة إلي مصر التي يقال أن حكومتها الجديدة ليست بعيدة عن هذا المشروع والتصور الجديد لأنها تريد اعادة هيبتها بالمنطقة, وهذا لن يحدث إلا بالتعاون مع هذا المخطط؟!. ويكمل محمد أمين الصديق لحزب العمال الكردستاني( الذي يتزعمه عبدالله أوجلان) إن إيجاد خريطة جديدة للمنطقة, وتوزيع النفوذ العسكري والسياسي علي غرار سايكس بيكو القديمة صعب في هذه المرحلة. أما إذا جري اعادة رسم الخريطة لمنطقة الشرق الأوسط فسوف تكون كردستان الكبري هي النقطة الرئيسية فيها. فإنه رغم أن القرن الحالي يشهد استيقاظ الشعب الكردي إلا أن أقصي ما سيحدث هو حصولهم علي حكم ذاتي أو الفيدرالية مثلما حدث في العراق. ويري أن مفاوضات أردوغان مع أوجلان سوف تنجح, ولكن مع تخوف مشروع من المؤسسة العسكرية التركية التي لم تعلن موقفا رسميا سواء بالتأييد أو الرفض لهذه المبادرة. ويبقي أن الرمال لاتزال متحركة في المنطقة, والاحتمالات مفتوحة, وعلي مصر أن تتفاعل وتحسب حساباتها لتري أين تقف, وإلي من تنحاز سعيا وراء مصالحها المشروعة.