رئيس مجلس الشيوخ يهنئ السيسي بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر    رئيس مجلس الشيوخ يحيل عددًا من القوانين للجان المختصة والبت فيها    3 أكتوبر 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    بيع 4 قطع أراضٍ بأنشطة مخابز جديدة بالعاشر من رمضان لزيادة الخدمات    مدبولي ورئيس ولاية بافاريا الألمانية يشهدان توقيع إعلان نوايا مشترك بين وزارة الكهرباء وحكومة بافاريا    أمين عام مساعد الجامعة العربية: سيناريوهات الاحتلال مكشوفة وعلينا جميعا إفشالها    بالفيديو.. استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل بلبنان    20 غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية و6 قتلى بقصف وسط بيروت    العثور على جثة متفحمة داخل شقة في أكتوبر    الحماية المدنية تسيطر على حريق شقة سكنية في مدينة 6 أكتوبر    ضبط 367 عبوة دواء بيطري منتهية الصلاحية ومجهولة المصدر بالشرقية    نائب وزير الإسكان يتابع موقف تقديم خدمات مياه الشرب والصرف الصحي بمحافظة دمياط..والمشروعات الجارية    باحث سياسي: حرب إسرائيل بلبنان تستعيد نموذج قطاع غزة.. فيديو    تسيير عدد محدود من الرحلات الجوية لإجلاء البريطانيين من لبنان    السعودية تدعو لوقف الانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني    «اتكلم عن فرقتك وبس».. شوبير يوجه رسالة نارية لمسؤول الزمالك    نائب رئيس الزمالك: زيزو طلب أكثر من 60 مليون للتجديد.. وهذا عيب النجم الأوحد    "من أجل البرونز".. موعد والقناة الناقلة لمباراة الأهلي وبرشلونة في كأس العالم لليد    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    مفاجآت اللحظات الأخيرة في صفقات الزمالك قبل نهاية الميركاتو الصيفي.. 4 قيادات تحسم ملف التدعيمات    التابعي: الزمالك سيهزم بيراميدز.. ومهمة الأهلي صعبة ضد سيراميكا    تشكيل فرانكفورت المتوقع لمواجهة بشكتاش.. عمر مرموش يقود الهجوم    بحث سبل التعاون بين وزارتي الصحة والإسكان في المشاريع القومية    كلية العلوم تعقد اليوم التعريفي لبرنامج الوراثة والمناعة التطبيقية    وزير العدل يشهد مراسم توقيع اتفاقية تسوية منازعة استثمار بين الري والزراعة    ضبط سائقين وعامل لقيامهم بسرقة أموال ونحاس من داخل شركة وورشة بالمعادي والجمالية    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 17 مليون جنيه خلال 24 ساعة    الداخلية تكشف قضية غسل أموال بقيمة ربع مليار جنيه    المتهم الخامس بواقعة سحر مؤمن زكريا يفجر مفاجأة فى التحقيقات    17 مليون جنيه إيرادات فيلم عاشق في دور العرض خلال 3 أسابيع    «وسائل إعلام إسرائيلية»: إطلاق 10 صواريخ على الأقل من جنوبي لبنان    هل رفضت منة شلبي حضور مهرجان الإسكندرية؟.. رئيس الدورة ال40 يحسم الجدل    «قنديل»: ورشة عمل لتحسين الأداء وجودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين    الصحة: تشغيل جراحات القلب في الزقازيق وتفعيل أقسام القسطرة ب3 محافظات    نقيب الأطباء: ملتزمون بتوفير فرص التعليم والتدريب لجميع الأطباء في مصر إلى جانب خلق بيئة عمل مناسبة    أول امتحانات العام الدراسي الجديد 2025.. التعليم تكشف الموعد    ألفاظ خارجة.. أستاذ جامعي يخرج عن النص ويسب طلابه في «حقوق المنوفية» (القصة كاملة - فيديو)    إعلان النتيجة النهائية لانتخابات مركز شباب برج البرلس في كفر الشيخ    ليل ضد ريال مدريد.. سقوط مفاجئ للملكى فى دوري أبطال أوروبا (فيديو)    وزير الثقافة يفتتح الدورة 24 لمهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية    زوج إيمان العاصي يمنعها من رؤية أولادها..أحداث الحلقة 15 من «برغم القانون»    الدفاع الروسية: إسقاط 113 مسيرة أوكرانية فوق عدة مقاطعات روسية    أسعار الفاكهة اليوم الخميس 3-10-2024 في قنا    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    نجاح عملية استئصال لوزتين لطفلة تعانى من حالة "قلب مفتوح" وضمور بالمخ بسوهاج    ‫ تعرف على جهود معهد وقاية النباتات لحماية المحاصيل الزراعية    «يا ليالي الطرب الجميل هللي علينا».. قناة الحياة تنقل فعاليات مهرجان الموسيقى العربية ال 32 من دار الأوبرا    الفنانة منى جبر تعلن اعتزالها التمثيل نهائياً    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    ما هي الصدقة الجارية والغير جارية.. مركز الأزهر يوضح    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    الانقلاب يدعم المقاومة الفلسطينية بتجديد حبس 153 شاباً بتظاهرات نصرة غزة ً وحبس مخفياً قسراً    محافظ الفيوم يُكرّم الحاصلين على كأس العالم لكرة اليد للكراسي المتحركة    حظك اليوم| برج العقرب الخميس 3 أكتوبر.. «يومًا مليئا بالتغييرات المهمة»    أستون فيلا يعطل ماكينة ميونخ.. بايرن يتذوق الهزيمة الأولى في دوري الأبطال بعد 147 يومًا    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    وزير الصحة الأسبق: هويتنا تعرضت للعبث.. ونحتاج لحفظ الذاكرة الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سكان المقابر.. يموتون أحياء!!
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 05 - 2013

سئموا من الحياة وسط الأحياء, الذين طالهم ضررهم, وأذاهم شرهم, فلجأوا إلي الموتي, لعل جوارهم يكون أكرم وأسلم,حيث لا تنافس علي شيء من عوارض الدنيا الفانية, لا حقد, لا غل, لا حسد....
هذه المقابر ربما تكون سكناهم الأخيرة, امتزجت حياتهم بنكهة الموت فيها, حين ضاقت بهم الحياة, حيث لا مكان, ولا خدمات, ولا جيران سوي سكان المقابر.
يعيشون في سكون مريع, وصمت مريب, لا يقطعه سوي صراخ النائحات, ونواح الأرامل, وأنين الثكلي, وآهات المعذبين بألم الفراق, والملتاعين بلوعة البعاد, وبكاء الأولاد والشباب الذين يتبعون ذويهم الموتي في أثناء تشييعهم لمثواهم الأخير. من يطبب جراحهم الغائرة ؟ من يشفي آلامهم المثخنة ؟ من يكفكف دمعهم ؟ من يمسح عنهم حزنهم ؟ من يتذكرهم إلا عند تشييع الموتي ؟ إلا أن المسئولين وأولي الأمر في هذا البلد يطبقون قول الله تبارك وتعالي... هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ويعملون به تجاه رعاياهم ؟.
يحلم هؤلاء بالخروج إلي عالم الأحياء, تتنازعهم أحلام غير مستحيلة, فقط الخروج مما هم فيه, ولا سيما أن الحسرة تسكن قلوبهم, يصحون علي منظر شواهد القبور الصماء, وينامون عليها, لا يسمعون سوي صمت الموتي, أو بكاء أقاربهم, وأصبح كل شيء في حياتهم يعبر عن الموت الذي يحاصرهم من كل جانب, وخاصة أن هناك العديد من الوعود التي تلقوها دون أن يتحقق شيء منها.
والسؤال الذي يطرح نفسه, ولا أحد يجيب عنه هو: من السبب في هذه الحياة التي تشبه الموت, والتي يحياها هؤلاء المنسيون ؟. هل كتب عليهم أن يعيشوا أمواتا وهم لايزالون بعد أحياء, تنبض فيهم العروق, وتدب فيهم الحياة ؟ هل فرضت عليهم هذه الحياة البائسة, بسبب حكومات أهملتهم, بل نسيتهم, ومسئولون لم يعيروهم أدني اهتمام, بل لم يعاملوهم حتي كالبشر ومواطنين مصريين ؟.
ماهر محمود تربي بمقابر سيدي عمر بن الفارض بمنطقة الأباجية, والذي يقيم هناك بادرني بالقول: لا أحد يشعر بنا نحن سكان المقابر, الحكومة أهملتنا, والمسئولون تجاهلونا, ولم يعيرونا أدني اهتمام, وكأننا لاجئون, ولسنا من هذا البلد, ولذلك ضاقت علينا الأرض بما رحبت, واسودت الدنيا في وجوهنا, وأغلقت أمامنا أبواب الرحمة, وسدت أمامنا سبل العدالة, ولم نجد منجي ولا ملجأ من الله إلا إليه, ولم يعد لنا من سبيل سوي رفقة الموتي, نقاسمهم السكني والمأوي. وأضاف ماهر بعينين زائغتين: لقد هربنا إلي هنا بعد ماضاق بنا الأحياء, فوسعنا الموتي, عسانا ننعم براحة البال معهم. وعندما سألته: كيف تعيشون هنا, حيث لا وجود لأدني مقومات لأبسط حياة ؟ تنهد كأنما أزاح عن صدره جبلا, وقال نحن اتخذنا هذه المقابر سكنا لنا جبرا وقسرا, رغما عنا, مجبرين غير مختارين, ونفتقد هنا أبسط ضروريات الحياة ويستطرد ماهر محمود: أطالب الدولة بتوفير مأوي ومساكن لنا, حتي نحس أننا أحياء, وأننا لا نزال من أهل هذا البلد الذي أهملنا ونسينا, بل أخرجنا من حساباته علي الإطلاق, وكأننا لسنا مصريين, وهبطنا علي البلد من كوكب آخر. ويطالب المسئولين بأن ينظروا لسكان المقابر بعين العطف مثل المواطنين في باقي الأحياء الأخري التي يتم توصيل المرافق لها.
وبعين يملؤها الانكسار, أشار ماهر محمود إلي أبنائه الذين يلعبون في حوش القبر الذي يسكنه, وقال: في أي شرع يلعب هؤلاء علي رفات الأجساد ؟ أليسوا مثل أقرانهم الذين يمرحون في الملاهي؟.
ويتنسمون عبير الهواء في المتنزهات بدلا من أن يشموا رائحة الأجساد النخرة, والعظام البالية؟ هل كتب علي أنا وأبنائي أن نحيا هذه الحياة التي تشبه الموت؟
عز أبو سبحة تربي بمقابر السيدة عائشة أشار إلي أننا نعيش هنا حياة بائسة تعيسة, في ظل حكومات الحزب الوطني التي أفقرت غالبية الشعب المصري, وفرضت علينا حياة لا نذوق فيها طعم الراحة. حتي عندما تغيرت الحكومات, وتبدل المسئولون, استبشرنا خيرا, وقلنا إن حالنا ستتغير إلي الأحسن, وسنعيش مع الأحياء, ولكن يستطرد مقطبا جبينه. متمتما بشفتيه بقيت حالنا كما هي لم تتغير, وبقي وضعنا كما هو لم يتبدل. ويتابع عز رافعا يديه إلي السماء كمن يدعو علي أحد: إذا كانت الحكومات قد نسيتنا, فإن الله لن ينسانا. وإذا كان المسئولون قد أهملونا, وأضربوا عنا صفحا, فإن الله سيتكفل بنا ويرعانا. ثم يذكر عز الحكومة الحالية, ناصحا لها: كم من وعود قطعتها كل الحكومات السابقة علي نفسها لتوفير مأوي لنا, ثم لا تلبث هذه الوعود أن تتبخر, وتذهب أدراج الرياح سدي, لنظل نتجرع المرارة والألم والعذاب, وتمر علينا الأعياد لا نعرف طعم الفرحة, ولا نحس السعادة, ولا نشعر بالسرور, كما أقراننا الذين هجرناهم.. ننتظر الاحسان من الآخرين, وأملنا الحصول علي لقمة عيش تملأ بطوننا الخاوية, وملابس رثة تستر أجسادنا العارية, ويد حانية تربت علي ظهورنا المحنية, وابتسامة تبدد الجزع الذي سكن عيوننا, والفزع الذي عشش في مآقينا.
ما إن شاهدنا أطفال المقابر, حتي جروا وراءنا, عسي أن يظفروا منا بشيء, ظنا منهم إننا أصحاب حالة وفاة قائلين: بالرحمة خبزا كان أو مالا إنها مأساة حقيقية تلك التي يعيشها أطفال المقابر, فأقرانهم من الأطفال عادة ما يذهبون إلي متنزهات يلهون فيها, وحدائق يلعبون حول أشجارها, يركضون هنا وهناك. إلا أنه عند سكان المقابر, تشابهت اللعبة, واختلف المكان, فهم يلعبون حول القبور, ويتخذونها مكانا للاختباء من أقرانهم, بدلا من أن يختبئوا في بيت الزواحف مثلا, أو بيت القرود, وهم يشمون رائحة العظام النخرة, والأجساد البالية, بدلا من أن يتنسموا عبير الأزهار, ورائحة الورد, وهم يمشون ويجرون علي رفات الموتي, بدلا من أن يمشوا علي الزرع والأرض الخضراء. إنهم قد ألفوا المكان, واعتادوه, وأصبح جزءا منهم, تربوا علي مشاهد الحفر, ودفن جثث الموتي, وباتت الزيارة اليومية للقبور والدعاء للأموات هواية بالنسبة للكثيرين منهم. وأضحي المشهد بالنسبة لهم عاديا, ترسخ في ذاكرتهم, إلا أن هذا كله لا يؤثر في لهوهم ولعبهم, كل شيء في حياتهم ارتبط بالموت, حتي ابتساماتهم اختفت لتحل محلها هموم عميقة أكبر من أعمارهم. وأنا أصور, شاهدتني سيدة عجوز, فسألتني وهي فرحة: هل سنحصل علي الشقة التي وعدنا بها زملاؤك في التليفزيون الذين كانوا هنا من قبلك, وصورورا كيف نعيش؟ وقبل أن أنطق دهمتني وباغتتني قائلة: منذ أكثر من عشر سنوات وأنتم تأتون إلي هنا تصورون, ولا تفعلون شيئا. كم وعدنا المسئولون بشقق, وادي وش الضيف. وقبل أن أنصرف, رفعت يديها إلي السماء, وقالت: حسبي الله ونعم الوكيل في الحكومة والمسئولين الذين يعيشون في واد, والشعب يعيش في واد آخر, هم يعيشون في الفيلات والقصور, ونحن نعيش مع الأموات في القبور, وأولادنا سيرثون مصيرنا نفسه, إن لم يستيقظ الضمير عند من ماتت ضمائرهم, وتحيا قلوب من قست قلوبهم, حتي أصبحت كالحجارة أو أشد قسوة. معاناة استمرت سنوات وسنوات, ولاتزال: ضيق, فقر, وحزن, وبطالة تخيم علي المكان, ومع ذلك تبقي أحلامهم بسيطة, علي الرغم من همومهم الكبيرة, ينتظرون بصبر حلا قد يلمسونه يوما, وينتشلهم من وسط القبور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.