بعد انتهاء احتفالات الشباب بمرور العام الثاني علي ثورتهم العظيمة التي تراوحت بين البشروالسرور من قبل تيارات الإسلام السياسي الحاكمة والمتحكمة الآن, وبين الضيق والإحباط من قبل معظم طوائف الشعب المصري الأخري. منذ هذه الاحتفالات أري الكآبة والقلق علي وجوه الشباب; ذلك القلق وتلك الكآبة التي ذكرتني بما قبل الثورة مما دفعني لأن أسألهم: مابكم أيها الشباب ؟ ماهذا اليأس الذي أراه في عيونكم, وما هذا الصمت المريب الذي أصبح من سماتكم بعد أن كانت أصواتكم عالية وحماستكم لاحدود لها ؟! فإذا بأحدهم يصيح قائلا: ماذا نفعل وقد انطفأت أنوار مصر بعد أن تسلمها الإخوان المسلمون, ومن تحالف معهم من التيارات الإسلامية الأخري, ماذا نفعل وقد سدوا شرايين الحياة في أنحاء المحروسة ؟! وها نحن نعاني الأزمات تلو الأزمات; نعاني تقييدا في الحريات ووأدا للإبداع الفني والأدبي, ونقصا في الخدمات التي طالت أبسط مقومات الحياة ؟! ماذا نفعل وقد أصبحنا نعاني من نظرات الريبة والعتاب من كل من يرانا متصورين أننا السبب في كل ماحدث ؟ ماذا نفعل ونحن في كل يوم نعبر عن غضبنا مما يحدث بالتظاهر السلمي, فنواجه بعنف لم نشاهده في عهد الرئيس المخلوع ؟! ماذا نفعل وصوتنا لم يعد يسمعه أحد رغم مرور الأيام والشهور ونحن قابعون في ميدان التحرير نرفع مطالبنا ومطالب الشعب العادلة ولايستجيب لنا أحد ؟! الكل مشغول; الرئاسة والحزب الحاكم بأمور الانتخابات حتي تتم السيطرة علي ماتبقي من سلطات الدولة, والمعارضة مشغولة بتوصيل رسائلها المعارضة رسالة تلو الأخري لمؤسسة الرئاسة التي لم تعد تسمع إلا لصوت الجماعة والحزب. إن مصر أصبحت علي شفا الإفلاس الاقتصادي, وعجلة الإنتاج شبه معطلة, والشوارع تكاد تكون مغلقة, ومعظم المصالح متوقفة عن العمل وكأننا في عصيان مدني حقيقي رغم أننا لم ندع إليه بعد ؟! ماذا نفعل وقد انسد أفق الحرية الذي كنا نتمناه, وانطفأت طاقة النور التي علقنا عليها آمالنا في المستقبل المشرق ؟! ماذا نفعل وقد ازدادت وطأة الظلم وغابت العدالة التي كم نادينا بها وحلمنا بتحقيقها بعد الثورة ؟! وهنا أوقفت هذا الشاب عن الاسترسال في الحديث قائلا: يابني إن أضواء مصر لم ولن تنطفئ ولايستطيع أن يطفئها أحد; لأنها لو تعلم ليست في الأشخاص ولا في الحكام أو النظام الحاكم أيا كان, وإنما هي في مؤسسات الدولة المصرية العريقة التي لامثيل لها في المنطقة, إنها في الأزهر الشريف وفي جامعة القاهرة وفي المجمع العلمي المصري وفي مجمع اللغة العربية وفي المركز القومي للبحوث, إنها في جريدة الأهرام والهيئة المصرية العامة للكتاب, وفي المجلس الأعلي للثقافة وفي أكاديمية الفنون وفي الثقافة الجماهيرية ودار الأوبرا المصرية والمسرح القومي المصري, إنها في اتحاد كتاب مصر وفي النقابات المهنية المصرية, إنها في شركات مصر الكبري في المحلة وكفر الدوار والإسكنرية وكل محافظات مصر, إنها في السد العالي والقناطر الخيرية وقناة السويس, إن أنوار مصر تلمحها في عيني الفلاح المصري الذي لاتفت في عضده الأزمات والسنون, تراها في إصرار العامل المصري الخلاق البناء الفتي, إن أنوار مصر يحرسها جيشها الوطني العظيم الذي ظل وسيظل حامي حماها إلي الأبد. إن أنوار مصر في كل مؤسساتها الوطنية التي تحمل علي عاتقها تقدم مصر وصنع نهضتها. إن هذه المؤسسات وان خبا نورها بعض الوقت بفعل الضغوط والاستبداد, فإن نورها سيعود بلا شك بأقوي مما كان. إن أنوار مصر لايمكن أن تنطفئ مادام فيها كتاب وعلماء ومفكرون ومبدعون عظام. ولاتيأس يابني فإن غدا لناظره قريب قريب.. ولتعلم أن كل ثورات الدنيا وقفت أمام تحقيق أهدافها الكثير من العراقيل التي قام بها أعداؤها سواء الظاهرون للعيان أو الذين تخفوا تحت عباءتها, لكنها سرعان ما تنهض من كبوتها وتتحدي كل العقبات وتحطم كل التحديات عبر النقاء الثوري الهادر لإرادة الشعب الواعية التي لاتهدأ إلابعد أن تجد الأماني تتحقق والأهداف تتحول إلي واقع يعيشه الناس. وليست الثورة المصرية استثناء من هذه القاعدة, فالقاعدة أن لكل ثورة أعداءها وان كان أشد هؤلاء الأعداء هم الذين يتمسحون بها ويلبسون ثوبها زورا وبهتانا, وحينما يفطن الشعب إلي هؤلاء الأعداء ويكشف مخططاتهم لسرقة ثورته والاستيلاء علي إرادته سرعان ما يهب من جديد طلبا للحق ودرءا للباطل وإعادة مسار ثورته إلي الطريق الصحيح!! وإني لأري هذا في فجر جديد قادم للثورة المصرية لن يطول انتظاره. ولاشك أن صانعي هذا الفجر الجديد هم أنتم ياشباب الثورة الواعي, هم أنتم ياأصحاب المصلحة الحقيقية في هذا الوطن ويا صناع مستقبله الواعد. لمزيد من مقالات د. مصطفي النشار