أبو المدن الجديدة.. هذا هو اللقب الذي اشتهر به, فهو صاحب فكرة إنشاء المدن الجديدة( العاشر من رمضان), و(السادات), و(السادس من أكتوبر). وهو أيضا وزير الإسكان ستة عشر عاما( من1977 حتي1993) عمل خلالها مع الرئيس الراحل أنور السادات, ثم مع الرئيس مبارك. هو المهندس حسب الله الكفراوي.. مصري حتي النخاع.. يذوب في هوي هذا البلد, ولا يكف عن التفكير في واقعه ومستقبله. قابلته في منزله البسيط والجميل بالمدينة التي كان له الفضل في تشييدها( مدينة6 أكتوبر), وكان هذا الحوار حول الواقع والمستقبل: كيف تري الموقف الاقتصادي الذي تعيشه مصر حاليا؟! رأيي أننا نستطيع في أيام قليلة أن نعيد الثقة للاقتصاد المصري بخطوتين: أولاهما: الأمن, لأنه لا يوجد استثمار بدون الأمن والاطمئنان والأمان, وثانيتهما: البدء في مشروع قومي, وقد حددت3 مشروعات جاهزة ومدروسة, الأول: تعمير سيناء.. الكنز الكبير المكون من ثروات طبيعية مثل الرمال البيضاء, وهي المكون الرئيسي لصناعة الإلكترونيات بشرط عدم تصديرها كرمال خام, ولكن كمنتجات وشيبس, أو رقائق إلكترونية للبرمجيات وأجهزتها المختلفة, والرخام بشرط عدم بيعه كبلوكات خام, ولكن بعد تصنيعه, وكذلك الجرانيت, والحجر الجيري, والطفلة التي تدخل في صناعة الأسمنت. كذلك زراعة سهل القاع, بجانب الطور, سواء بالمياه الجوفية, أو بالأمطار, وكذلك شرق العريش حيث توجد أجود الأراضي الزراعية التي يمكن زراعتها بمياه النيل المنقولة عبر ترعة الإسماعيلية بديلا لترعة السلام, وهي الترعة التي يمكن من خلالها زراعة400 ألف فدان تقام عليها400 قرية جديدة. وقد تمت الموافقة علي هذا المشروع بعد عرضه علي الرئيس السادات من خلال الدراسة التي قدمتها مع اللواء فؤاد عزيز غالي, والتي تضمنت بناء بيت لكل مزارع يمتلك مساحة من5 إلي10 أفدنة, هذا البيت يتم بناؤه بالحوش وفقا لمفهوم البيت الريفي, بحجرة الفرن, والكانون, وحجرتين للنوم, وحمام, وتحت هذا البيت يتم بناء المخبأ.. الضروري للدفاع عن القري عند اللزوم! وطبعا هذا المشروع قفلوا عليه بالضبة والمفتاح, ولجأنا لمشروعات أخري زادت من درجة ملوحة أراضيه5 مرات عن ملوحة مياه البحر الأبيض المتوسط, وربنا يديم علينا شرم الشيخ!! وماذا عن المشروع الثاني في ضوء المحاذير الأمنية القائمة حول التوسع العمراني في سيناء؟ قبل بداية مطلع سنوات الثمانينيات من القرن الماضي, كان معروفا أن هونج كونج ستعود للصين, وكانت أكبر وأضخم منطقة حرة للتجارة في العالم كله: صناعيا, وتجاريا, وسياحيا, وكانت تحت الاستعمار البريطاني حتي نهاية القرن الماضي. وموقع قناة السويس أفضل من هونج كونج بكثير جدا, وتساءلت: لماذا لا يحضر المستثمرون إلي مصر من كل مكان وأولها هونج كونج؟ وطلبت من وزارة الخارجية ومجلس الوزراء ترتيب زيارة خاصة لكي أقوم بلقاء المستثمرين في هونج كونج, وهناك وحدات معظم المستثمرين من اليابان!! وعندما رجعت لمصر طلب السفير الياباني مقابلتي, وسألته السؤال نفسه الذي دعاني لزيارة هونج كونج وهو: لماذا لا نحول منطقة قناة السويس كلها لمنطقة حرة لموقعها الفريد بين قارتين؟ ولوضوح التميز المصري قلت له: نحن علي مرمي البصر من أوروبا, وسألته أن يقوم بعمل أو إعداد دراسة وافية عن هذا الموضوع, فرد السفير بالموافقة, بل ووعد بتمويلها بقرض مقدم من هيئة المعونة الفنية باليابان, وانتهت الدراسة لهم ولي وقامت الحكومة اليابانية بدعوتي لزيارة طوكيو, وقوبلت هناك بحفاوة مبالغ فيها تماما, وقالوا إنهم علي استعداد لتمويل البنية الأساسية للمشروع بداية من منطقة الزعفرانة جنوبالسويس(50 كم) وحتي بورسعيد, وذلك بقرض من اليابان لمدة40 سنة مع10 سنوات سماحا, وبفائدة1.33%, أي أنه شبه زكاة!! وهي شروط زكاة فعلا لا شروط قرض اقتصادي بين دولتين! وكانت فرحة غامرة لي وللرئيس وللمحيطين بالموضوع. ومضت أشهر وطلبني السفير الياباني وأبلغني أنه يوجد400 من رجال الأعمال قد قاموا بزيارة موقع المشروع من الزعفرانة حتي بورسعيد, وأقاموا بأحد الفنادق الحديثة في القاهرة علي نفقتهم الخاصة, وأقامت لهم السفارة اليابانيةبالقاهرة حفل استقبال, وفي أثناء الحفل فوجئ بدخول3 رجال أولهم أخي وشقيق عمري الدكتور أسامة الباز, وأطلق عليه لقب الشهيد الحي الذي لم يخدم مصر أحد مثله, ومعه إبراهيم أحمد كامل أبو العيون, ومعه علاء مبارك, وفوجئت بالمشهد وقلت له: ضيعت شقي سنيني يا أسامة, فقال لي: اتلهي, فرددت: اتلهيت يا أسامة وبكرة حتتفرج. وعندما دعينا للعشاء في منزل السفير الياباني فوجئت بالدكتور أبو العيون يسألني: أنت مزعل أسامة ليه؟ فقلت له: ابعد عني ولا تكلمني؟؟ وضاع المشروع!! ورحل اليابانيون من قناة السويس, إلي جبل علي في دبي, وأصبحت منارة عالمية من علامات الاستثمار في العالم. وماذا عن المشروع الثالث؟ هو مشروع الساحل الشمالي الذي بدأته بإعادة إحياء الآبار الرومانية في المنطقة, التي بمياهها تمت زراعة القمح والشعير والتين والزيتون والأعناب, وقمت باستيراد مليوني شتلة زيتون من إسبانيا وبعتها للمزارع البدوي ب25 قرشا, وكل من يعمل معنا في المشروع هناك كان يحصل علي ما يريد من شتلات بالمجان عن طريق منظمة الأغذية والزراعة الفاو, ولم نلجأ في هذا المشروع لأسلوب الأمر المباشر, بل لجأنا إلي استشاري هولندي من مكتب أيلاكو لعمل الدراسات المتكاملة تحت الإشراف المصري, وأنشأنا ترعة الحمام, ومصنع أسمنت العامرية, ثم القري السياحية, ثم أغلقنا ترعة الحمام بسبب الألغام, برغم أن مشكلة الألغام يمكن حلها بسهولة متناهية, وكانت كل المشروعات تتوقف فجأة, وكان آخرها مشروع الدكتورة فايزة أبو النجا, وقفلنا عليه, وفضلنا الذهاب إلي توشكي, وحتي قابلت أخي أسامة الباز في عزاء بمسجد عمر مكرم ورجوته أن يبلغ الرئيس مبارك أن توشكي جريمة, والاستمرار فيها خيانة, ولك أن ترجع لشهادة الدكتور محمد عبدالهادي راضي وزير الري الأسبق, والدكتور ماهر أباظة وزير الكهرباء الأسبق, أمام الرئيس في أثناء وضعه حجر أساس المشروع حول صعوبة الموقع للمياه, وصعوبة توصيل الكهرباء لهذه المنطقة, وأنا أؤكد أن الدكتور عبدالعظيم أبو العطا أنشأ شيئين أساسيين: أولهما: دراسة إحصائية وحصرية للموارد المائية المصرية يتم خلالها حصر كل نقطة مياه تملكها مصر المعدودة بين دول الفقر المائي, والآخر: مفيض توشكي, والفقير لا يبعزف بل يلم, حتي وعندما توليت وزارة استصلاح الأراضي أضفت حصرا لموارد مصر الطبيعية الأرضية, وضمت اللجنة الدكتور حسن إسماعيل رئيس جامعة القاهرة الأسبق, والدكتور مصطفي الجبلي, وفلينا خريطة الجمهورية, وأعود للدكتور عبدالعظيم أبو العطا الذي طالب بوضع نظم لترشيد استخدامات المياه, ووصلنا لاختيار3.4 مليون فدان للاستصلاح حتي عام2017 في محافظات مصر كلها, سواء المطرية, أو النيلية, أو الجوفية, أو حتي التي تعتمد علي تحلية مياه البحر المالحة, وأيضا بمعالجة مياه الصرفين الزراعي أو الصحي. وتأكدنا من إمكان الوصول لمساحة8 ملايين فدان زراعية في مصر بدلا من6 ملايين فدان وقتها, إلي أن جاءوا بوزير باع متر الأرض ب400 جنيه, في حين كان الفدان4200 متر يباع ب70 ألف جنيه فقط! وبعدها راحت60 ألف فدان سنويا من الأراضي الزراعية. حقيقة أنا عملت مع الرئيس مبارك17 سنة, منها5 سنوات كنائب, و12 سنة كرئيس, وأشهد الله أنه كان كويس إلي أن تحكم فيه من ضيعوا مصر معاه!! وحتي خروجي من الوزارة في أكتوبر1993, فقلدني بعدها وشاح النيل عام1994 في احتفالية جمعت الهيئة البرلمانية, ومجلس الوزراء. وكيف تري الطريقة لخروج مصر من الموقف الحالي؟ عندي نصيحة أوجهها للدكتور محمد مرسي وتتلخص في ثلاثة إجراءات: 1 أن يخاطب الجميع بصفته أب للمصريين جميعا وراعيهم ومسئول عنهم جميعا, وبهذه الصفة يقول في خطابه: أنا لكم القبطي والمسيحي والإخواني وكل مصري, ويؤكد لهم أن البلد في حاجة لنا جميعا, وأمد يدي لكل قادر علي العطاء. 2 أن يتبني أي من المشروعات الثلاثة التي طرحتها, وذلك في ظل استتباب الأمن. 3 أن يؤكد عدم المساس بالسلطة القضائية, والأزهر, والكنيسة. هل تري في الصكوك الإسلامية مخرجا من الأزمة؟ في حالة وجود إرادة سياسية قوية, ومناخ آمن, لا حاجة للصكوك ولا لغيرها, وفكرة الصكوك هي تذكرني بمحمود محيي الدين, فهي( صكوك محيي الدين), ولكننا ألبسناها ثوبا إسلاميا.