عاشت مصر خلال الأيام القليلة الماضية حالة غريبة عليها من التطاول والتداخل والعنف شعرنا معها أن أشياء قد تغيرت, وحالات من التربص والريبة تسيطر علي مشاهد مختلفة في مصر التي ظلت علي مر تاريخها آمنة مطمئنة هانئة رغم كل الشدائد والصعاب التي واجهتها. ولعلي أتأمل إن لم يبق لمصر أزهرها النابض القابض علي وسطيتها واعتدالها فماذا يبقي لها ؟ وإن لم يبق لمصر وحدتها الوطنية التي ميزتها عبر التاريخ فماذا يبقي لها؟ إن ما حدث الأسبوع قبل الماضي في الأزهر الشريف من احتجاجات ومحاولات للاقتحام بشكل غير مسبوق لربما يعكس أن شيئا من ثوابتنا قد تأثر ويحتاج الي مراجعة, وربما ما كان من مظاهرات تأييد لاستقلال الأزهر الشريف من مختلف القوي السياسية علي تعدد أيديولوجياتها وخلفياتها السياسية والفكرية لأكبر دليل علي أن كل المصريين يدركون حجم ومقام الأزهر الشريف, وقدر ومنزلة شيخه الفاضل العالم الدكتور أحمد الطيب, الذي يثبت مع كل موقف صلابته في الحق, وايمانه العميق بمهمة الأزهر التي تقع علي عاتقه في مرحلة شديدة الخطورة والحساسية من تاريخ مصر والأمة الاسلامية. وإننا لنؤمن أن الله سبحانه وتعالي ليقيض دائما لأمتنا أمر رشد في كل مفترقات الطرق التي مرت بها ووضعت فيها, ولذا ندرك أن الدور المهم للأزهر الشريف في هذه المرحلة, هو أن يبقي علي ثغر الوسطية والاعتدال في الاسلام الذي لا يميل عن الحق ولا يفرط فيه ولا يتشدد في غير موضع الشدة, ولا يلين في غير موضع اللين, ويقدم للعالم أجمع الكلمة الفصل في كل أمر جلل, ويبقي لجوار كل من يجتهد في شريعتنا الغراء سندا في الحق, ومقوما لمن يشدو خارج السرب, وداعيا الي سبيل الرشاد. فيا أهل مصر, ويا أبناء الحركات الاسلامية بكل أطيافها وألوانها هلموا الي رحابة شريعتنا الغراء, وابسطوا للحق رداء, وقفوا جميعا مع الحق لترفع له راية, ولا تتحزبوا, ولا تتفرقوا, وأدركوا أن المسلم الحق هو الذي يدور مع الحق أينما دار, وهو من ينصر أخاه ظالما أو مظلوما إعمالا لوصية نبينا الكريم, صلي الله عليه وسلم, والذي حين سئل عن كيفية نصرة الأخ ظالما, أجاب, صلي الله عليه وسلم, بأن ترده عن ظلمه. ولعلي أؤمن كما يؤمن كثيرون من أبناء مصر والأمة الاسلامية أن الوسطية والاعتدال هما الباب الأمثل لتقديم الاسلام بلا إفراط ولا تفريط, وأظنكم تتفقون معي أن الأزهر لا يزال يمثل تلك الوسطية التي تتوافق والفطرة السليمة, ولعله الأقدر بقدر الله علي أن يجمع شتاتنا ويوحد صفنا ويلملم جراحنا فمن لمصر والاسلام إن أسقطنا بأيدينا الأزهر وعلماءه. وإن كنت قد توقفت بعمق أمام مشهد الأزهر وما حدث فإني لأؤمن أشد الإيمان بأن مصر التي قامت عبر التاريخ حاضرة بمسلميها ومسيحييها, ومقدمة أعظم المثل في الوحدة الوطنية والتلاحم في النضال التاريخي من أجل الحريات السياسية والدينية لن يخذلها الله أبدا, ولن يجعل الله لدعاة الفتنة في مصر موطئ قدم, والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها, وبالعقلاء والمخلصين لهذا البلد والمدركين لحرمة الدماء في جميع الأديان السماوية وللعارفين بأن حرمة الدم عند الله كبيرة لحد أن الله جعلها أشد حرمة من حرمة الكعبة ذاتها, وأن الله لم يجعل لعبد من عباده جزاء ولا عقابا بقدر ما جعل لمن قتل النفس بغير حق. ويا أهل مصر يجب أن نكون جميعا علي هذا القدر من المسئولية الربانية وتحمل رسالة نبينا الكريم, صلي الله عليه وسلم, الذي ما بعثه الله للمسلمين فحسب بل جعله رحمة للعالمين. أناشدكم ان يستقر في قلوبنا جميعا حب هذا الوطن مجردا من أي هوي أومصلحة شخصية أو حزبية ضيقة, وأن ننظر جميعا الي المستقبل وكلنا أمل في أجيالنا القادمة ورجاءا في الله أن يحفظ بلدنا من الفتن ماظهر منها وما بطن. وياشباب مصر الأوفياء الشرفاء راعوا الله في مصركم وأزهركم ولا تنساقوا خلف من يدبرون لبلدنا سوءا ويعيثون في الأرض فسادا ويثيرون نيران الفتنة التي ستحرقهم. وهنا يجب علي قيادات العمل الدعوي والسياسي أن ينزلوا الي الشارع ويروا المواطنين البسطاء الذين لا هم لهم سوي كسب الرزق, والسعي علي احتياجات أبنائهم وذويهم, ولا شغل لهم الا ما يسد رمقهم ويعيشون مع كل أزمة عامة أزمات وأزمات تنعكس عليهم بالمزيد من الألم والحسرة, ولا أمل لهم سوي ان تستقر بلادنا حتي يطمئنوا علي مستقبل أبنائهم. كفانا انتقاما وتصفية للحسابات وتصيدا للأخطاء, وبحثا عما يفرقنا لا ما يجمعنا, ولنفتح جميعاصفحة بيضاء لا هم ولا شغل لها سوي بناء بلدنا ليكون كما تعودنا بلدا للأمن والأمان. وأخيرا أذكركم إن لم تحافظوا علي أزهركم الذي هو بيت الوسطية والاعتدال, وإن لم تدركوا قيمة وحدتكم الوطنية التي جعلها الله لكم نعمة وقيمة و تراعوا ذلك حق رعايته فرح فيكم المتربصون وهم كثر لكننا نؤمن تمام الايمان أن الله سيحفظ بلدنا من كل سوء لا لأجلنا فحسب بل لأجل الأمة الاسلامية التي تبقي الي الأبد تتعلق أعينها بمصر ومجريات الأمور فيها بمكانتها وقيمتها وقامتها التي لن تهتز ولن تتأثر مهما دبر لها المدبرون ومهما كاد لها الكائدون. لمزيد من مقالات السيد محمود الشريف