أما خير سلف، فهو وليس غيره المرحوم العالم الجليل، فضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي الذي ودعنا منذ أيام قليلة للدار الآخرة، وليكون مثواه الأخير في البقيع، مهوي الأفئدة ومرقد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والصديقين تغمده الله بواسع رحمته بقدر سماحته وما أعطي للإسلام والمسلمين والأزهر الشريف. وعالمنا الراحل ليس بحاجة إلي الحديث عنه، فعطاؤه الفكري سيظل خير شاهد علي غزارة علمه، واتساع وعمق أفكاره وتمثله لقيم الإسلام، بكل سماحته، ونبل مقاصده، كما كان الراحل العظيم مضرب المثل في التسامح وسمو الخلق، ولقد تجلي هذا واضحا من خلال عشرات المواقف والمعارك التي خاضها في سبيل الدفاع عن سماحة الإسلام ووسطيته واعتداله. صحيح أثار بعض مواقفه وآرائه الكثير من الجدل، وهناك من كان يختلف معها ولكن بكل النبل والعمق كان يطرح أسانيده ومبرراته المدعمه لآرائه التي تصب في مجملها في الدفاع عن الحق وتنطلق من ثوابت راسخة الأركان ومستمدة من كتاب الله وسنة رسوله "عليه الصلاة والسلام" ومن خير ما طرحه السلف الصالح، ومن اجتهاد فضيلته المستمدة وفي الأساس من الكتاب والسنة. باختصار كانت مواقفه لا تستهدف إلا خدمة الإسلام والدفاع عنه، ولصالح البلاد والعباد، فنال بذلك تقدير واحترام مخالفيه، والاعتراف بصحة مواقفه وغيرته الشديدة علي الإسلام وأزهرنا الشريف. أما عن علاقاته ومواقفه من الفتن الطائفية وما يحدث لأبناء مصر من القبط، فكان في مقدمة المدافعين عنهم، وتأكيد أحقيتهم في الدفاع عن مقدساتهم، وما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، باعتبارهم وفي المقام الأول هم أبناء مصر لهم ما للمسلمين من أبناء مصر، وعليهم ما علي هؤلاء المسلمين. فكان بذلك نموذجا للتسامح وعاملا علي وأد الفتنة في مهدها ونال حب وتقدير قبط مصر، ولم لا؟ والبابا شنودة أعلن عن شدة حزنه علي وفاة هذا العالم الجليل، بل حرص علي كتابة بيانه بخط يده تعبيرا صادقاً عن عميق حزنه وفقدانه السند الصادق في الدفاع عن الوحدة الوطنية وتكريس المواطنة علي أرض مصر المحروسة. أما خير خلف، فهو العالم الجليل الأستاذ أحمد الطيب اسما وصفة والكلام عنه يطول، فهو النبت الطيب لبيت العلم والقيم والأرض الخصبة المعطاءة وفيها وعليها عاش الحياة بكل بساطتها ومعها تفاعل ومن خلال البسطاء تشكلت قيمة وأخلاقياته، فهو المتواضع مع عزة النفس والمتسامح مع الحرص الشديد علي إحقاق الحق الذي لا يخشي فيه لومة لائم. إنه البسيط وجدا والمتواضع جدا الذي تشعر معه وبه وكأنك تعرفه ويعرفك منذ زمن حديث، لدماثة خلقه ورفعة شأنه، فنال بذلك حب وتقدير البسطاء من الناس وحب زملائه وأصدقائه وتلاميذه. كما كان اللدكتور الطيب عشرات المواقف والمآثر الخالدة، التي تنم عن اتساع أفق، وخلق نبيل مع من هم خارج دائرة الأزهر، ومن هم داخل الدائرة من الأساتذة والطلاب، ولا يمكن أن ننسي مواقفه النبيلة والرائعة مع أبنائه الطلاب، والتي تكشف عن أبوة حانية وذلك خلال الأحداث التي وقعت منذ مدة ليست بالطويلة في جامعة الأزهر من قبل فئة من الطلاب، الذين وقعوا ضحية التضليل والخداع من قبل قوي التخلف والظلام، من داخل وخارج جامعة الأزهر، فلقد وقف هذا العالم الجليل موقفا كشف فيه أبعاد هذه المؤامرة الخبيثة التي كانت تستهدف الوطن، والمخطط الأسود الذي كان يستهدف اختراق الأزهر- هذه المؤسسة العريقة، فاستطاع بحكمته وسماحته وعقلانيته احتواء الموقف، حماية لأبنائه وطلابه وما كان يدبر لهم من داخل وخارج جامعة الأزهر، فماتت الفتنة في مهدها وعاد الوئام والحب، وتأكد للجميع أن ما حدث داخل الأزهر إنما كان نشازا وشاذا علي الأزهر ومسيرته وأن الأزهر سيظل دوما الاعتدال والوسطية والسماحة، وأنه عبر تاريخه الطويل لم يعرف التطرف ولم يثبت حتي الآن أن هناك إرهابيا واحداً كان من أبناء وطلاب الأزهر. وحسب الأزهر الشريف هذا الأمر في وقت بات الإرهاب يشكل ثقافة عالمية وفي البلدان المتقدمة قبل النامية والمتخلفة. وعلي طريق المواقف الحكيمة والنبيلة للدكتور الطيب خلال رئاسته لجامعة الأزهر، لا يمكن أن ننسي موقفه الحكيم من قضية "الطالبات المنتقبات" وتغلبه علي هذه القضية التي أثارت الجدل بأسلوب يحفظ للطالبات حريتهن وحرمتهن وللمؤسسة التعليمية وللأساتذة المكانة والهيبة والاحترام، ضاربا بذلك المثل والقدوة في كيفية التعامل مع أبنائنا وبناتنا من الطلاب والطالبات. في حين تعامل رؤساء جامعاتنا وولاة أمور تعليمنا العالي بأساليب باعدت بين أعضاء المؤسسة التعليمية أساتذة وقيادات وطلاباً، حيث وقعوا في "حيص بيص"، أي في شدة يعسر التخلص منها" أوصلتهم إلي أقسام ومراكز الشرطة والمحاكم. ولو استمر التعامل بهذا التخبط فإنه سيتكرر في امتحانات كل عام، وتظل القطيعة داخل المؤسسات التعليمية. علي أي حال: فإننا نتطلع خيرا علي يد خير خلف العالم الجليل أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، خاصة وأنه يدرك جيدا التحديات التي تواجه هذه القلعة الشامخة، وتواجه الإسلام والمسلمين: دينا وثقافة، شريعة وعقيدة، دعوة وخطابا دينيا، وما يرتكب الآن باسمه من خطايا من قبل بعض المحسوبين عليه زورا وبهتاناً، ومن عمليات نصب واحتيال وخداع وتزييف وتجارة وتوظيف، عشرات التحديات الآتية من الداخل والوافدة من الخارج، وهي بالتأكيد تلقي علي الأزهر الشريف عشرات المسئوليات والمهام والأدوار، ومن قبل ومن بعد العمل علي اعادة دور الأزهر، وإعادة هيبة علمائه ومكانتهم التي عاشوا بها ولها عبر القرون والعصور، وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي في رائعته "الأزهر" وهو يقول عن علمائه "كانوا أجّل من الملوك جلالة.. وأعز سلطانا وأفخم مظهرا". وفي الختام الدعاء بالرحمة الواسعة لخير سلف وكل التهنئة لخير خلف لتولي مشيخة الأزهر الشريف.