تثير التطورات المصرية قلقا اوروبيا متزايدا ينعكس في بطء تقديم الدعم الذي تعهدت بروكسل بتقديمه لمصر, وهو ما تم التطرق إليه خلال محادثات الرئيس المصري محمد مرسي و كاثرين آشتون الممثل الأعلي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للإتحاد الأوروبي في القاهرة مؤخرا. فرغم تأكيد آشتون من القاهرة مجددا إلتزام الإتحاد الأوروبي بدعم مصر والوقوف بجانبها من خلال الإلتزام بما تم التعهد به من مساعدات أوروبية, عاد الإتحاد الأوروبي بعد يومين فقط من زيارتها ليعبر عن قلقه الحقيقي لما يجري في مصر علي خلفية احداث العنف الطائفية الأخيرة. وطالب الإتحاد الأوروبي الرئيس محمد مرسي بتحسين احوال حقوق الإنسان وتحقيق المساواة بين الجنسين وتنشيط عمل المجتمع المدني وسن قوانين تتماشي مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحرية التعبير, كما حثت بروكسل الرئيس مرسي علي انهاء الصراع السياسي مع المعارضة بل وعرضت تسهيل الحوار بين قوي المعارضة وبين الرئيس المصري والحزب الحاكم وهو ما اعتبره بعض المراقبين تدخلا في الشأن المصري الداخلي. وأول امس عبر مارتين شولتس رئيس البرلمان الأوروبي من جديد عن قلقه الشديد لما تشهده مصر من توترات تتعلق بالأقباط وطالب شولتس الرئيس محمد مرسي خلال إنعقاد الجمعية البرلمانية للاتحاد من اجل المتوسط في بروكسل بالإلتزام بما تعهد به من ان يكون المجتمع المصري مجتمعا مدنيا تعدديا تضمن فيه حرية الرأي والعقيدة والحريات الشخصية للمواطنين وقال ان هذا مطلب اوروبي رئيسي. في السياق نفسه صدرت تصريحات مماثلة من رودريش كيزيفيتر عضو الحزب المسيحي الحاكم في المانيا ورئيس الوفد البرلماني الألماني المشارك في اجتماعات اعضاء برلمانات الإتحاد من اجل المتوسط الذي طالب الوفد البرلماني المصري المشارك في الإجتماعات بالإضطلاع بدور اكثر ديموقراطية لجعل مصر دولة قانون تحترم فيها حقوق الإنسان ويتم فيها حماية الأقليات. وليست هذه المرة الأولي التي تصدر فيها انتقادات للأوضاع في مصر علي لسان المسؤلين والبرلمانيين الأوروبيين, ففي الشهر الماضي اثيرت ضجة كبيرة بسبب قرار البرلمان الأوروبي الذي دعا فيه الحكومات الأوروبية لوقف المساعدات لمصر إذا لم تحقق تقدما علي صعيد التحول الديموقراطي وملفات الحريات وحقوق الإنسان والمرأة والأقباط والمجتمع المدني, ولكن الجديد هذه المرة ان رئيس البرلمان الأوروبي والعديد من البرلمانيين الاوروبيين المشاركين في اجتماعات الجمعية البرلمانية لاتحاد من اجل المتوسط في بروكسل وجهوا سهام النقد ايضا للحكومات الأوروبية نفسها متهمين إياها بالتقصير في دعم دول جنوب المتوسط وخاصة دول الربيع العربي. وكان في مقدمة هؤلاء مارتين شولتس رئيس البرلمان الاوروبي بنفسه الذي اعرب عن اسفه لعدم قيام الحكومات الاوروبية بما يكفي من خطوات وجهود لتنمية وتطوير دول جنوب المتوسط التي تشهد تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية ضخمة. وقال ان مهمتنا كبرلمانيين هي إجبار الحكومات الاوروبية علي الوفاء بتعهداتها لدول جنوب المتوسط, وقال ان البرلمانات المنتخبة في دول الإتحاد من أجل المتوسط هي المصدر الجديد للشرعية في هذه الدول ولابد من توثيق التعاون معها وفقا لأسس شفافة من اجل شراكة حقيقية بين دول الإتحاد الأوروبي والدول العربية جنوب المتوسط. وطالب البرلمان الأوروبي المسؤلين والسياسيين الاوروبيين في الاجهزة التنفيذية إدراك الأهمية الإستراتيجية لتنمية دول مثل مصر وتونس وليبيا إقتصاديا ومساعدتها سريعا في تطوير البني التحتية لنظم التعليم والتأمين الصحي والمياه والطاقة الجديدة والمتجددة ودعم البحث العلمي, وتعهد شولتس ان يبدأ البرلمان الأوروبي في ممارسة ضغوط علي المفوضيةالأوروبية والدول الأعضاء في الإتحاد الأاوروبي لكي يتصدر إحياء الاتحاد من اجل المتوسط وتنمية ما يسمي بدول الربيع العربي الأجندة الأوروبية من جديد, مؤكدا ارتباط نجاح اي تحول ديموقراطي بالعدالة الإجتماعية والنمو الإقتصادي في هذه البلدان واوضح أن إقناع مواطني دول التحولات العربية مثل مصر وتونس بضرورة الدفاع عن مسيرة الديموقراطية يتطلب ان يشعر هؤلاء المواطنون بتحسن في احوالهم المعيشية. وكان شولتس قد دعا في مرسيليا في الإسبوع الماضي ايضا الي اعادة اطلاق الاتحاد من اجل المتوسط والي استثمار اكبر في التعاون مع دول الربيع العربي وذلك اثناء اجتماع رؤساء برلمانات الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط الذي يعد أول لقاء رفيع المستوي منذ قمة قادة ورؤساء حكومات دول الاتحاد من اجل المتوسط بباريس في2008 واول اجتماع سياسي اقليمي بعد ثورات الربيع العربي. وخلال هذا الاجتماع طالب الدكتور احمد فهمي رئيس مجلس الشوري الاتحاد الأوروبي بالوفاء بالتزاماته المالية والتنموية التي سبق وان اعلنها لمساندة دول جنوب المتوسط ومن بينها مصر علي تجاوز التحديات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالتحول الديمقراطي, فضلا عن التعاون الكامل مع دول الربيع العربي لضمان تجميد وإعادة الأموال والأصول الخاصة برموز النظام السابق والموجودة بالدول الأوروبية باعتبار إنها مملوكة للشعب المصري ولها دور هام في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة. وهو مطلب تجاوب معه الآن رئيس البرلمان الأوروبي بدعوته للحكومات الأوروبية بالإستثمار في دول الربيع العربي أما فيما يتعلق بإعادة الأموال والأرصدة المجمدة لمصر فقد طالب البرلمان الأوروبي الحكومات الأوروبية صراحة وبوضوح تام بالتجاوب مع مصر وتقديم الدعم القانوني والإستشاري اللازم لها لإستعادة هذه الأموال في اسرع وقت. كما يعتزم شولتس زيارة مصر قريبا للإطلاع علي الأوضاع السياسية والاقتصادية عن قرب بعد ان صرح أنه يدرك تماما مدي صعوبة عملية التحول الديمقراطي الحالية باعتبارها عملية طويلة وشاقة.