عندما شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي غارتين علي هدفين أحدهما شرق غزة والآخر ببلدة بيت لاهيا شمال القطاع. كان ذلك للمرة الأولي منذ التهدئة التي وقعتها المقاومة الفلسطينية بوساطة مصرية في نوفمبر الماضي عقب عدوان استمر لمدة8 أيام علي القطاع في عملية أطلق عليها العسكريون الإسرائيليون اسم عامود السحاب. وبررت إذاعة الجيش الإسرائيلي الغارات الجوية بسبب قذيفتين صاروخيتين سقطتا قرب مستوطنة سديروت, وقذيفة هاون وصاروخ بالنقب الغربي جنوب إسرائيل دون وقوع إصابات. وقبل ان تتزايد المخاوف ويرتفع معدل الهواجس سواء في الخارج او في قطاع غزه أو في اسرائيل من اندلاع مواجهة جديده, توالت البيانات الإسرائيلية التي تنفي اي هواجس حيث قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بني جانتس إن إسرائيل لن تسمح بعودة الأوضاع في المنطقة الجنوبية إلي ما كانت عليه قبل عملية عامود السحاب, وإن منطقة الجنوب قوية ومستقرة, والأوضاع فيها تحت السيطرة التامة وقال رئيس الدائرة السياسية الأمنية في الجيش الإسرائيلي الجنرال الاحتياط عاموس جلعاد لإذاعة الجيش إن تفاهمات وقف اطلاق النار مع قطاع غزة مازالت قائمة والهدوء قائم ومحافظ عليه. وظهر موقف حماس جليا وأكثر وضوحا عندما طمأن تلفزيون اسرائيل جمهوره بأن حركة حماس ملتزمة بالتهدئة وانها لن تطلق الصواريخ ولم تطلق باتجاه سديروت وانما تقوم بحملة اعتقالات ضد مطلقي الصواريخ بهدف مواصلة التهدئة والتمسك بها. وكشف تلفزيون اسرائيل ان أتصالات مصرية جرت مع حركة حماس اثمرت عن قيام الأخيرة بحملة اعتقالات ضد مطلقي الصواريخ لا سيما من اعضاء مجلس الشوري السلفي الذي اسسه عبد الله الاشقر والذي اغتالته اسرائيل قبل اشهر.. وكشف مصدر اسرائيلي للتلفزيون ان حركة حماس بعثت برسائل الي تل ابيب عن طريق مصر قالت خلالها انها ملتزمة بالتهدئة وغير معنية بخرقها وانها ستعمل اللازم لمنع تكرار اطلاق الصواريخ باتجاه اسرائيل. وتزامنت هذة الأحداث مع إعادة انتخاب خالد مشعل مجددا لرئاسة المكتب السياسي لحركة حماس بما يعطي صورة جديده لحماس الفصيل المقاوم كما عرف عنه والذي طالما اتهم المفاوض السياسي بالعمالة وتمزيق وبيع القضيه والأن يقدم أكثر الوجوه اعتدالا ويمنح القيادة لمن توافق مع ابومازن داخليا وفوضه بأدارة مرحلة انتقالية في اتفاق الدوحه, والذي تحدث بأفراط عن المقاومة الشعبية, بما يعني ان حماس تواصل بسرعة أكبر اعتدالها حتي تقبل كلاعب رئيسي فلسطيني أو حتي كقيادة جديدة للفلسطينيين, وهذا يعني قبول شروط اللجنة الرباعية وما تتضمنه من اعتراف بإسرائيل ونبذ المقاومة ومحاربتها والالتزام بالاتفاقيات الفلسطينية الإسرائيلية, وهذا إن صح يعني أن حماس خرجت من جلدها, وتخلت عن المقاومة المسلحة, مقابل الاعتراف بها وبدورها, لأن المعروض علي حماس الشراكة في المنظمة والسلطة ويمكن أن تقبل في المستقبل كقيادة للفلسطينيين إذا أثبتت جدارة أكبر من جدارة فتح في الالتزام بتطبيق الاتفاقيات وقد يمهد الطريق لأن تنطلق الحوارات الغربية مع حماس بصورة أكثر وضوحا. أما الأهداف الوطنية الفلسطينية فستكون مرهونة في هذه الحالة بالكامل بنجاح أو عدم نجاح المحاولات المبذولة لإحياء ما يسمي عملية السلام, التي إذا عادت إلي الحياة لن تحمل معها سوي استمرار الوضع الراهن أو إحدي صيغ الحلول الإسرائيلية وأبرزها الدولة ذات الحدود المؤقته والذي رفضته كافة الأطراف الفلسطينية بالأجماع. إن مسألة انتخاب خالد مشعل أكبر من مجرد التنافس بينه وبين أبو مرزوق وهنية وغيرهما, وإنما صراع وبحث عن موقع جديد لحماس في المرحلة الجديدة ثم إن علاقة حماس بإسرائيل وخاصة ملف التهدئة, لن تختلف كثيرا لأنها ترتبط بسياسة حماس التي أصبحت تراعي أكثر فأكثر, السعي لقبولها في المجتمع الدولي ثم السعي لحماية سلطتها في غزة, ارتباطا بإجراءات التهدئة التي سبق وأعلنت عنها. كما إن انتخاب خالد مشعل سيعطي استمرارية لذات السياسة التي اعتمدتها حماس في الفترة الأخيرة, والتي وجدت صدي ايجابي عند أطراف دولية وعند أطراف عربية واقليمية كان لها رغبة ودور في أن يستمر السيد خالد مشعل رئيسيا لحركة حماس. واستطاع مشعل في السنوات الماضية بما له من علاقات متعدده ومنطق ينبذ العنف ويتبرأ منه من تطوير علاقات حماس مع الغرب باعتبار أن حماس لم تعد حركة فلسطينية داخلية فقط, وإنما يتطلع مشعل لأن تكون قائدة للمشروع الوطني الفلسطيني في المرحلة القادمة, كما أن هناك تطلع أوربي وأمريكي للدخول في حوار مع حركة حماس وان كان خجولا بعض الشيء, ولكن مشعل سيركز بشدة مع الأتحاد الأوربي علي ازالة الجناح السياسي لحماس من قائمة المنظمات الارهابية بعد ان اصبح هناك أصوات لم تعد خافية في داخل الاتحاد الأوربي وأمريكا بضرورة الدخول مع حماس في حوار, وهذا سيتعزز مع قيادة مشعل. والتخوفات التي تبديها إسرائيل من خطورة سيطرة حركة حماس علي الضفة بما يؤسس لمحور جديد معادي للسلام في المنطقة والحكايات الأعلامية الأسرائيلية عن الأرهاب والمخربين والقتلة وأعداء الحياة, وتهديد الأمن الإسرائيلي والأقليمي كلها مفردات تتساقط كأوراق الخريف أمام التزام حماس بالتهدئة والمحافظة عليها والقبض علي مطلقي الصواريخ من الجماعات السلفية والأصولية, وقيام الجناح العسكري لحماس بالدفاع عن حدود إسرائيل الجنوبية امام الرأي العام الإسرائيلي من جهه والرأي الأمريكي والأوربي من جهة أخري, بما يفتح الطريق امام حماس كحركة وايديولوجيا بالصعود علي مسرح الأحداث بدور أكثر ضلوعا في مفاوضات سياسية قد تبعد سلطة الضفه الي الخلف وتجلسها في صفوف المعارضة. والسؤال الأهم والأخطر بعد ان تقدم حماس أكبر تنازل في تاريخها السياسي بالأعتراف بشروط اللجنة الرباعية هل ستصل بالقضية الفلسطينية الي حل الدولتين, خصوصا مع تنامي اليمين الإسرائيلي المتطرف.