نشر لي بريد الأهرام منذ عامين رسالة بعنوان عبقرية المكان وعبقرية الانسان سألت فيها هل فقدت مصر أهم ميزة لها في عالمها. ألا وهي ميزة عبقرية المكان والموقع التي أفاض فيها العظيم الراحل جمال حمدان في موسوعته المهمة شخصية مصر, حيث بني فيها نظريته الشهيرة في تحديد قيمة مصر وشخصيتها علي أساس عبقرية المكان الذي منحها سحرا علي مر الزمان. واليوم أصبح الانسان المصري وعبقريته موضع الجدل, فعبقريته كما سجلها الراحل الكبير وعاشق مصر سليمان حزين معترضا علي كلمة هيرودوت الشهيرة: إن مصر هبة النيل, تقول إن مصر هبة الإنسان المصري للحضارة والتاريخ, حيث أرسي هذا المصري العظيم دعائم الحياة والحضارة فوق ترابه الطيب وضبط جريان النهر العظيم فوق واديه العتيد, وأقام أول مجتمع موحد وأعرق حكومة واحدة عرفتها الدنيا. إنه مبدع الحضارة ومرسي الحكم, وصانع التاريخ.. ففي زمن أعطي رمسيس الثاني وأحمس وكذلك حتشبسوت تمددا امبراطوريا لمصر, وفي زمن آخر عاشت مصر عصورا من الانحطاط والاضمحلال, مما يثبت أن المكان وحده لا يفسر الكثير عن المكانة, فالمكانة عامل زماني لا مكاني رغم انها مشتقة من المكان, ولكن المكان المتحرك هو الذي يفعل في الزمان فيضفي عليه مكانة, إن لمصر عبقرية خاصة يستعصي فهمها, وكذلك هؤلاء المصريون المدهشون المفعمون بالدفء الإنساني الحميم الضارب بعيدا عن جسد التاريخ ورقائق الحضارة البشرية. كيف يمكن إشعال الشرارة اللازمة لإعادة توهج العبقرية المصرية في جميع نواحي الحياة بمصر اليوم؟ إن الأمر يتطلب قيادة سياسية جديدة مأخوذة برؤية مستقبلية شاملة تثير خيال المجتمع وتحفز الشباب فيه علي اطلاق طاقاته نحو البناء الخلاق.. اللوم ليس علي الشباب المحبط ولا الجماهير المترنحة ولكن اللوم يخص القيادات السياسية والاجتماعية والنخب الثقافية في مصر, التي لم تستطع بلورة الرؤية والحلم المشترك ولا وضعت الخطط لتحقيقه ولا أطلقت طاقات المجتمع الذي مازال مكبلا بقوانين غير مبررة عفا عليها الزمن. د. حامد عبدالرحيم عيد أستاذ بعلوم القاهرة