الجميع يدرك ويعيش مشكلات اقتصادية تتزايد دون مواجهة, فعلي المستوي القومي هناك تزايد عجز الميزانية وعجز ميزان المدفوعات وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي نتيجة تراجع الاستثمارات الأجنبية والسياحة, وعلي مستوي الأفراد الكل يشكو من ارتفاع الأسعار ونقص السلع خاصة السولار وزيادة البطالة واستمرار الاحتجاجات لزيادة الرواتب وقطع الطرق وغير ذلك من مظاهر انهيار النظام العام وفي مواجهة كل هذه المظاهر لانهيار الاقتصاد, من الغريب ألا نجد محاولات فعلية للإنقاذ وتنشغل الحكومة والمعارضة بمعارك تكسير العظام من عينة عزل النائب العام وضبط وإحضار بعض المعارضين والمظاهرات المستمرة للمطالبات التي تتنوع من تغيير الحكومة إلي تغيير الرئيس ومنع الأخونة وانشغل كل فريق بالبحث عن أفلام وصور تدين عدوه بالعنف وانه سبب كل البلاء الذي نعيشه, ويخرج رئيس مجلس الوزراء ليتهم الإعلام بأنه لا يوضح انجازات وزارته التي لا يراها أحد, وتعقد جلسات للحوار السري مع مراكز بحثية أغلب من فيها كان جزءا من النظام السابق لتخرج التوصيات بالموافقة علي برامج قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل للتقدم الاقتصادي ثم تختفي كل هذه المخططات ولا نري لها أثرا في الواقع, وبدلا من المواجهة الصريحة للمشكلات وإعلام الشعب بحقيقة الأوضاع الاقتصادية السيئة يخرج رئيس الجمهورية ليصف من يتحدثون عن الإفلاس بأنهم هم المفلسون وفي كل ذلك هروب من المواجهة للمشكلات بينما الواقع أكثر قسوة. ولقد وصل التخبط الاقتصادي إلي إصدار القرارات ثم تجميدها مثلما حدث لزيادة الضرائب علي مجموعة من السلع ثم جمدها الرئيس بعد عدة ساعات لتثير العديد من المشكلات حاليا خاصة عند تقديم الإقرارات الضريبية كما قام التجار بزيادة الأسعار وتضرر من ذلك المستهلك دون أن تحصل الحكومة علي ما كانت تريده, ولعدم قدرة الحكومة علي الحل المتكامل المشكلات واتباعها منهج المواجهة لجزء من المشكلة مما يزيد المشكلات فلقد أقدمت علي زيادة أسعار المازوت لبعض الصناعات مما أدي مباشرة إلي زيادات الأسعار لهذه المنتجات خاصة الأسمنت الذي رفع المنتجون سعره بما لا يتناسب مع زيادة سعر المازوت والحكومة عاجزة عن مواجهتهم, واختفت الأسمدة التي تزداد حاجة المزارعين لها دون قدرة من الحكومة علي مواجهة احتكار المنتجين. كما قامت وزارة التموين بتحرير سعر الدقيق لمنع بيعه في السوق السوداء ولكن لأن المعالجة الجزئية تضر أكثر مما تنفع فلم تتعد المخابز التي وافقت علي النظام الجديد نسبة20% من مجموع المخابز التي تعمل في الرغيف المدعم ويهدد أصحاب المخابز بالإضراب عن العمل مما يؤدي إلي أزمات لا تستطيع الوزارة مواجهتها, لذلك تلجأ للمساومات والتغاضي عن مواصفات الرغيف. ومن المشكلات التي تؤجل الحكومة مواجهتها مشكلة الوقود خاصة السولار, فبعد أن حددت الحكومة شهر ابريل لبدء نظام الكوبونات أعلن وزير البترول تأجيله إلي يوليو ثم أعلن التأجيل إلي يناير وبالطبع سيستمر مسلسل التأجيل لما بعد ذلك لأن الحكومة لا تملك القدرة علي مواجهة المشكلة ومع استمرار التأجيل لن تجد الحكومة مصدرا تحصل منه علي المليارات المطلوبة بالعملة الصعبة لاستمرار الأزمة علي حالها من حيث نقص العرض بنحو30% من الاحتياجات وليس القضاء علي المشكلة, بل سيزداد قطع الكهرباء مما يزيد من السخط الشعبي. ما سبق عينة من المشكلات التي تهرب الحكومة من مواجهتها بالحلول التي تعالج كل ظواهر المشكلة وليس العلاج الجزئي الذي يؤدي إلي المزيد من المشكلات, كما أن هذا التأجيل سيزيد من الأعباء علي الموازنة التي لا تجد ما تسد به الاحتياجات المتزايدة مما يوجد المزيد من نقص السلع, كما سيستمر الضغط علي الاحتياطيات الأجنبية ولن تحصل الحكومة علي قرض صندوق النقد الدولي مع استمرار تأجيل مواجهة مشكلة الدعم التي يطلب الصندوق ضرورة مواجهتها, كما أن محاولات الحكومة الحصول علي ودائع من العراق وليبيا أتوقع أنها لن تتم للعديد من الأسباب الواضحة مثل المشكلات التي تواجهها كل حكومة منهما وعدم الاطمئنان علي الأوضاع في مصر وكلتاهما ستتبع أمريكا والصندوق. وفي كل الأحوال ستزداد تكلفة الديون وعدم القدرة علي استيراد الاحتياجات مما يضع الحكومة في موقف ضعيف أمام من يملك أن يمنحها ما تسد به جزءا من الاحتياجات ويفرض عليها شروطه, كما سيؤدي ذلك إلي المزيد من الاضطرابات الاجتماعية, فهل تستيقظ الرئاسة والحكومة ومن قبلهما الجماعة لتعرف أن التأجيل لما بعد الانتخابات التي يخططون للفوز بها, وبالتالي لا يريدون إجراءات تقلل من شعبيتهم, سيجعلهم يفوزون بالحكم ولكن علي أشلاء اقتصاد لن يقدروا علي لملمته وعندها تكون نهاية فرصتهم في الحكم التي لن تعود. لمزيد من مقالات د. محمد صفوت قابل