أصدر صندوق النقد الدولي تقريرا جديدا يطالب صناع السياسات في العالم بإصلاح منظومة دعم الطاقة ومنتجاتها, مؤكدا أن هذا يمكن أن يحقق مكاسب كبيرة, سواء في النمو الاقتصادي أو البيئة. وتشير التقديرات في هذا التقرير إلي أن دعم الطاقة وصل إلي مستوي غير مسبوق قدره1.9 تريليون دولار علي مستوي العالم, أي ما يعادل2.5% من إجمالي الناتج المحلي العالمي, أو8% من الإيرادات الحكومية. وأكد ديفيد ليبتون النائب الأول لمدير عام الصندوق, أن إصلاح الدعم يمكن أن يؤدي إلي مزيد من الكفاءة في توزيع الموارد, مما يساعد علي زيادة النمو علي المدي الطويل, مضيفا أن إلغاء الدعم يعمل علي تكثيف التطوير في مجال التكنولوجيا الموفرة للطاقة البديلة. من جانبه أكد مسعود أحمد المدير التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط بصندوق النقد الدولي أنه من بين كل مناطق العالم, تبرز منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باعتبارها المنطقة الأكثر اعتمادا علي دعم الطاقة. ففي البلدان الغنية, تقدم الحكومات هذا الدعم لمواطنيها كوسيلة لتوزيع ثروة الموارد الطبيعية في البلاد. وفي بلدان المنطقة المستوردة للطاقة, تلجأ الحكومات إلي الدعم لتخفيف أثر الارتفاعات في أسعار السلع الأولية, خاصة مع الضعف الذي تتسم به شبكات الأمان الاجتماعي في معظم الحالات ويضيف أن دعم الطاقة نظام باهظ التكلفة, سواء كان صريحا أو ضمنيا. فقد بلغت تكلفته في عام2011 نحو240 مليار دولار, أي ما يزيد علي8.5% من إجمالي الناتج المحلي للمنطقة. وبالإضافة إلي ذلك, ينطوي دعم الطاقة علي تكلفة عالية من حيث ضياع الفرص البديلة, إذ أن إنفاق الأموال علي الدعم يعني الحد من الاستثمارات عالية القيمة في مجالات أخري. وقد يصل الأمر ببساطة إلي إهمال مجالات كالرعاية الصحية والتعليم ومشروعات البنية التحتية, وكلها ضرورية لرفع معدلات النمو علي المدي الطويل. وقال إن دعم الطاقة يتسم بدرجة كبيرة من عدم المساواة, سواء في البلدان المصدرة للبترول أو المستوردة له. فالمستفيد الفعلي من هذا الدعم هم الفئات القادرة والأكثر استهلاكا للطاقة بما فيها أصحاب السيارات, والمنازل مكيفة الهواء, والأجهزة الكهربائية المختلفة. وتقع علي الاقتصاد آثار ضارة أخري بسبب دعم الطاقة. فالناس يميلون إلي شراء السلعة الرخيصة بكميات أكبر من احتياجهم, مما يترتب عليه فرط الاستهلاك وزيادة التلوث. وقد يؤدي الدعم أيضا إلي تخفيض أرباح شركات الطاقة أو تكبيدها خسائر الأمر الذي يقلل احتمالات استثمارها في قطاع الطاقة وربما يؤدي إلي نقص المعروض منها. كذلك نجد أن دعم الطاقة يشجع الاستثمارات كثيفة الاستخدام لرأس المال وليس الاستثمارات التي توفر فرص العمل. وبرغم كثرة الحجج المقنعة بإصلاح نظام دعم الطاقة, فهو ليس أمر سهل في الواقع العملي. ذلك أن محاولات الإصلاح تواجه مقاومة من أصحاب المصالح الخاصة والأسر المعيشية غير المتأكدة من كيفية استخدام الحكومات للموارد التي يوفرها الإصلاح. ويعرض مسعود أحمد الإجراءات المطلوبة لإصلاح نظم دعم الطاقة, حيث يؤكد أنه حتي تنجح الحكومات في إصلاح الدعم, ينبغي أن تخطط له بعناية وأن تتأكد من عدم تأثيره بشكل مفرط علي شرائح السكان الأضعف. وحدد6 محاور للإصلاح الناجح, منها وضع خطة شاملة لإصلاح قطاع الطاقة واعتماد استراتيجية سليمة للتواصل واتخاذ تدابير لتعويض الفقراء حيث يتعين من البداية تعويض الفئة الأشد تضررا من إلغاء الدعم. وهناك طرق كثيرة لتقديم الدعم للفقراء, إما بدعم السلع التي يستهلكونها, أو استهداف المناطق التي يعيشون فيها.ودعا الي إجراء زيادات تدريجية في الأسعار ومن المفيد إجراء زيادات سعرية تدريجية بالتسلسل الملائم لكل منتج من منتجات الطاقة. فالزيادة الحادة جدا يمكن أن تقابل بمعارضة شديدة, أما الاستراتيجيات المتدرجة فهي تتيح للأفراد ومنشآت الأعمال فرصة التكيف ورفع كفاءة المؤسسات المملوكة للدولة بغية تخفيض الدعم الذي يحصل عليه المنتجون, حيث أن الشركات المملوكة للدولة خاصة شركات توليد الكهرباء تحصل علي قدر كبير من موارد الموازنة لتعويضها عن عدم الكفاءة في مختلف جوانب الإنتاج والتوزيع وتحصيل الإيرادات. أخيرا إبعاد آليات التسعير عن الاعتبارات السياسية لضمان استمرار الإصلاحات مشيرا إلي أن آليات التسعير التلقائي قد تحد من احتمالات انتكاس الإصلاحات.