لو استطاع د. الجنزوري أن يفي بالتزام عودة الأمن والانضباط إلي الشارع المصري, وهو الالتزام الذي قطعه علي نفسه في بداية توليه المسئولية, لكان قد حقق بذلك إنجازا عظيما تحتاجه مصر الآن كأولوية قصوي, بعد أن عاث البلطجية في بر مصر فسادا, وانتشرت ظواهر السطو المسلح, وتطور الأمر إلي خطف البشر واحتجازهم كرهائن في ظاهرة خطيرة غير مسبوقة علي مصر, التي كانت دائما وأبدا مثالا للأمن والأمان طوال ساعات الليل والنهار, يمشي فيها السائح في منتصف الليل دون خوف, ونترك بيوتنا في الريف مفتوحة علي مصراعيها ونغط في سبات عميق داخلها. أتذكر عندما كنت وزملائي نتأخر في العودة إلي منازلنا في قريتي لم نكن نخشي هجوما مسلحا, أو بلطجيا يقطع الطريق, وإنما كنا نخشي من القصص التي تحكي عن العفاريت والجن ونحن في سن صغيرة.. أما الآن, فقد تحولت الأشباح والعفاريت إلي حقيقة مروعة حينما يهاجمك بلطجي ويستولي علي سيارتك وممتلكاتك, وإن لم ترضخ فطلقة واحدة كفيلة بإنهاء حياتك, وهكذا بفضل الانفلات الأمني تحولت حوادث البلطجة والسطو المسلح والخطف إلي ظاهرة بعد أن كانت حالات فردية تواجه بعنف وصرامة, ولا يتم السكوت عنها إلا بعد كشف مرتكبيها ومعاقبتهم. أما الآن فقد أصبحت صفحات الحوادث اليومية تثير الاكتئاب من شدة ما فيها من أخبار سيئة من كل الأماكن, ولم تفرق تلك الحوادث البشعة بين الأحياء الراقية أو العشوائية, أو بين الأقاليم والقاهرة, أو بين القري والمدن. إنني أميل إلي تصديق حديث د.الجنزوري عن ذلك المواطن الذي أخبره أنه يريد الأمن مثلما يريد الخبز, لأنه لا فائدة للخبز بدون أمن, ولن يأتي الخبز أصلا إذا افتقدنا الأمن, بدليل إغلاق أكثر من0021 مصنع طبقا لإحصائيات وزارة الصناعة بسبب الانفلات الأمني وحوادث السطو التي باتت ظاهرة في المدن الصناعية المختلفة. مشكلة الفوضي الأمنية التي نعيشها الآن أكبر من إمكانات وزير الداخلية وحدها الآن إذا كانت الحكومة جادة في عودة الأمن, ولابد من تكاتف الحكومة كلها لتحقيق ذلك الهدف, ولن ينفع ظهور قوات الشرطة في الشوارع للتصوير أو لإثبات أنهم عادوا لتحقيق الأمن المفقود, فالموضوع أكبر من ذلك وأعمق ويحتاج إلي توفير الإمكانات المادية اللازمة, ووقوف الحكومة كلها خلف وزارة الداخلية في الحرب علي الفوضي والانفلات والبلطجة في الشارع المصري. الأمر المؤكد أن لدي قيادات الداخلية ما يكفي لو أرادوا من الخبرة لوضع روشتة العلاج الحاسم, لكن آن الأوان ألا يتوقف الأمر علي رغبة هذا أو ذاك, فالأمر يتعلق بمصلحة الوطن ومستقبله وأمن شعبه, ومن لا يريد أن يتعاون عليه أن يترك مكانه لغيره فورا. أظن أن هناك بعض المقترحات التي يتداولها رجل الشارع العادي لعودة الأمن إلي الشارع المصري يمكن إيجازها فيما يلي: أولا: عودة الدوريات الراكبة المسلحة وليس سيارات الأتاري, وإنما سيارات شرطة نصف نقل بصندوق, بها جنود وضباط مسلحون بعدد كاف, وذلك علي كل الطرق السريعة والبطيئة والفرعية في إطار خطة منظمة وتحت مراقبة مشددة من قيادات الداخلية. ثانيا: انتشار الأكمنة الثابتة والمتحركة المسلحة القادرة علي حماية نفسها, وليست تلك الأكمنة التي يقتحمها البلطجية ويقتلون من فيها من أفراد الشرطة, كما نسمع أحيانا وكما تنشر صفحات الحوادث. ثالثا: ضرورة وضع خطة لتجميع الأسلحة غير المرخصة التي انتشرت في كل بيت في مصر الآن, ولا مانع من إيجاد حوافز خاصة باستبدال غير المرخص بسلاح مرخص إذا كان لصاحبه مبررات لذلك. رابعا: ضرورة إمداد مديريات الأمن بطائرات هليكوبتر لمهاجمة أوكار البلطجية في المناطق الجبلية والزراعية. خامسا: التعاون بين الشرطة والجيش في المرحلة الأولي من عملية إعادة الانضباط حتي تستكمل الشرطة بناء قدراتها الذاتية, وهذا هو الأهم لأن الشرطة وحدها لن تستطيع. هذه هي بعض الأفكار المتداولة بين الناس الآن ونحن في انتظار وعد الجنزوري وحكومته خلال الأيام المقبلة. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة