مدير تعليم دمياط: العمل على سد العجز في المدرسين    «فرحات»: مخرجات الحوار الوطني بشأن «الإجراءات الجنائية» مصدر مهم للبرلمان    الأزهرى: مفهوم التصوف مشوش ويحتاج لكشف المعنى الصحيح    تراجع الذهب و19 بئر غاز جديدة و5 خدمات بنكية مجاناً | كبسولة اقتصادية    خطوات حجز شقق الإسكان الجديدة.. متاحة الآن (فيديو)    اقتصادي: طروحات حكومية جديدة خلال ال 3 أشهر القادمة    قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على حدث بعلبك    في غياب رونالدو| النصر يتخطى الحزم ويتأهل إلى ثمن نهائي كأس خادم الحرمين    إخلاء سبيل «فتاة فيصل» بعد إدعائها كذبًا تعرضها للاعتداء من 5 أشخاص    دفاع عباس أبوالحسن يكشف قيمة الدية لضحيتي الدهس: 35 كيلو فضة    انطلاق حفل ختام مهرجان الغردقة لسينما الشباب في دورته الثانية    إعلام إسرائيلي: بدء اجتماع المجلس الأمني والسياسي الإسرائيلي    تفاصيل الحلقة 7 من «برغم القانون».. إخلاء سبيل إيمان العاصي    «صحة مطروح»: قدمنا 93 ألف خدمة طبية منذ انطلاق مبادرة بداية جديدة    من حفل توزيع الجوائز.. البلشي: العلاقة بين النقابة ومؤسسة هيكل تعكس وجودًا قويًا في دعم الصحافة    "المصريين": مشاركة منتدى شباب العالم في قمة المستقبل تتويج لجهود الدولة    فتح باب التسجيل للنسخة الثالثة من منتدى مصر للإعلام    تروي ديني: دياز سيكون رجل ليفربول الأول بعد رحيل صلاح    رسالة خاصة من تريزيجيه ل أحمد فتحي بعد اعتزاله    محافظات ومدن جديدة.. تفاصيل منظومة إعادة تدوير مخلفات البناء والهدم    غارة إسرائيلية عنيفة تستهدف محيط مستشفى مرجعيون الحكومي جنوبي لبنان    خالد الجندي: بعض الأشخاص يحاولون التقرب إلى الله بالتقليل من مقام النبي    إسرائيل صنعت «البيجر» بنفسها ثم فخخته    أستاذ فقه يوضح الحكم الشرعي لقراءة القرآن على أنغام الموسيقى    انطلاق ورشة "مدرسة السينوغرافيا" ضمن فعاليات مهرجان الإسكندرية المسرحي.. صور    لأول مرة.. شراكة بين استادات الوطنية والمتحدة للرياضة واتحاد الكرة لتدشين دوري الأكاديميات    السجن 10 سنوات للمتهم بتهديد سيدة بصور خاصة بابنتها فى الشرقية    الإعلان عن التشكيل المثالي للجولة الخامسة من الدوري الإنجليزي.. موقف محمد صلاح    Natus Vincere بالصدارة.. ترتيب اليوم الرابع من الأسبوع الأول لبطولة PMSL للعبة ببجي موبايل    إعلام بنها ينظم ندوة "حياة كريمة وتحقيق التنمية الريفية المستدامة".. صور    عاجل - حماس تطالب الجنائية الدولية باعتقال قادة الاحتلال: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في لبنان وغزة    الإحصاء: 21.5 مليار دولار صادرات مصر لأكبر 5 دول بالنصف الأول من 2024    "أزهر مطروح" يطلق "فاتحة الهداية" بالمعاهد التعليمية ضمن مبادرة بداية    نتيجة تنسيق كلية شريعة وقانون أزهر 2024/2025    حصوات الكلى: المخاطر وطرق العلاج الممكنة تبعًا لحجم الحصوات    تعيين قائم بأعمال عميد "فنون تطبيقية بنها"    الجيش الإسرائيلي يطالب سكان منطقة البقاع الموجودين داخل أو قرب منزل يحوي أسلحة لحزب الله بالخروج خلال ساعتين    مهرجان مالمو للسينما العربية يعلن عن مواعيد الدورة الخامسة عشرة    قبل XEC.. ماذا نعرف عن متحورات كورونا التي حيرت العلماء وأثارت قلق العالم؟‬    الجيش الأردني يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة محملة بواسطة طائرة مسيرة    تصالح فتاة مع سائق تعدى عليها فى حدائق القبة    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    العين الإماراتي: الأهلي صاحب تاريخ عريق لكن لا يوجد مستحيل    وزيرة التنمية المحلية تلتقي بنقيب أطباء أسنان القاهرة    جامعة الجلالة تحصل على الاعتماد الدولي IERS لبرنامج تكنولوجيا العلاج التنفسي    وزير الصحة: النزلات المعوية بأسوان سببها عدوى بكتيرية إشريكية قولونية    وزير المالية: فخورون بما حققناه جميعًا.. حتى أصبح البنك الآسيوي أسرع نموًا    استقالة موظفى حملة المرشح الجمهورى لمنصب حاكم نورث كارولينا    قطع أثرية مقلدة.. رحلة مباحث القاهرة للإيقاع بعصابة المشاغبين الستة    حبس سيدة بتهمة سرقة رواد البنوك بزعم مساعدتهم    محافظ المنوفية: مبنى التأمين الصحي الجديد أسهم في تخفيف الزحام والتكدس وصرف الأدوية    تشييع جنازة اللواء رؤوف السيد بمسجد الثورة بعد صلاة العصر    الأمم المتحدة تحيي اليوم الدولي للغات الإشارة    شوبير يكشف أسرار عدم انتقال سفيان رحيمي للأهلي.. موسيماني السبب    ضبط تشكيل عصابي نصب على المواطنين في القاهرة    علي جمعة: ترك الصلاة على النبي علامة على البخل والشح    تفاصيل عزاء نجل إسماعيل الليثي.. نجوم الفن الشعبي في مقدمة الحضور (صور)    حالة الطقس اليوم الاثنين 23-9-2024 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صباع الفنجري
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 12 - 2011

الأصبع السبابة يشكل في حياتنا فارقا ضخما‏,‏ فما أن يرتفع وحده من داخل الكف إلا ويندرج من جراء ارتفاعه إيجابيات وسلبيات‏..‏ تجمع وتفرق‏..‏ تدين وتشجب‏..‏ ترفع وتخفض‏..‏ تكبل وتحرر و‏..‏ليس أبلغ مثالا ولا تأثيرا من أصبع اللواء محسن الفنجري. عندما عزف عزفا جماعيا مع الخنصر والبنصر والأوسط والإبهام في سيمفونية الكف التي رفعها لا شعوريا تحية إلي شهداء الثورة أثناء خطابه الرسمي العسكري, فكانت بمثابة الحبل السري الذي ربط ما بين الثوار وقواتهم المسلحة, ليغدو الجيش والشعب إيد واحدة.. تلك كانت رسالة الأصابع مجتمعة, إلا أنها عندما انفرط عقدها واختزلها الفنجري في أصبع السبابة وحده محذرا به التظاهرات والمطالب الفئوية لم يعد في المشهد الثوري الشعبي العسكري سوي أصبع يوجه الاتهام ليمتلئ الفيسبوك باللوم والعتاب والخصام, وهكذا من بعد صورة عرسان الثورة بملابس الزفاف فوق دبابة الميدان أصبح الميدان يطالب برحيل الدبابة وحكم العسكر.. الآن ودلوقت.. بمنطق اللامعقول: الليلة يا عمدة!!
ويتساءل البعض فيما إذا كانت الأحزاب الإسلامية في مصر كلها بمثابة الأصابع في اليد الواحدة التي عانت طيلة العقود الماضية من حملات تنكيل وإقصاء واسعة, لكنها خرجت من محبسها منظمة ممنهجة وأكثر قوة مزمعة تعويض ما فاتها بقبضة الضربة القاضية ممثلة في ثلاثة أصابع تشير إلي قراءات مختلفة للإسلام السياسي تتصارع علي تجديد شرعية الانتماء أو المرجعية الإسلامية.. الأصبع الأول لحزب النور السلفي ويمثل قراءة سلفية جامدة تريد تطبيقا جامدا للحدود التي ما هي سوي جزء صغير في كتب الفقه الإسلامي لا يتعدي40 صفحة من10 آلاف صفحة والأصبع الثاني لحزب الحرية والعدالة التابع للإخوان ويقدم قراءة وسطية ينقصها التجديد والقدرة علي الإدارة السياسية.. والأصبع الثالث وسطي يعد القراءة الأكثر قربا للاعتدال والتجديد.. وتلك الأصابع الثلاث في الكف الإسلاموي الذي يضم إلي جانبها الأصبع الصوفية المسالمة, وأصبع شيعية خرجت سافرة للعلن بحجة مناخ الديمقراطية والرأي الآخر ليس في برامجها الاستعداد للحكم, كما أنه قد بدأ ظهور التقلصات علي سلامياتها نتيجة الاختلافات الفقهية والفكرية والسياسية العميقة التي قد تعرقل العزف الجماعي وقيام جبهة أو ائتلاف بينها لتشكيل حكومة في المستقبل.. وتشير بعض القراءات الخارجية إلي أن تلك الاختلافات قد تؤدي في النهاية إلي إصابة أصابع اليد الواحدة تلك بتيبس المفاصل ومن ثم إلي داء باركنسون الرعاش الذي تعاني منه الآن قبضة الملاكم العالمي محمد علي كلاي الذي حمل شعلة الأولمبياد بأصابع مرتعشة, وما عاد يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة بضربته القاضية!
وإذا ما كانت هناك لغة للعيون ولغة للسان فلا تقل أهمية عنهما لغة الأصابع التي لو أجدنا قراءتها والإنصات إليها لعرفنا المدخل الذي يفضي إلي حقيقة كل منا.. فنحن نعرف عازف البيانو من رشاقة أصابعه, والمدرس من ذرات الطباشير العالقة بها, والارستقراطي المنعم من لمعان أظافره, والفلاح الذي ينغرس التراب في مسامها, وعامل المطبعة الذي يصبح الحبر جزءا من بصمات أصابعه, والمتوتر الذي يدق بأصابعه فوق الأسطح المتاحة, والمستغني الذي يشيح بها بعيدا, والمداهن المصر علي سلام اليد في الداخلة والخارجة, والمدلل الذي يرفع برعونة أصبعا مخاصما, ومصاص الأصابع في طفولة متأخرة.. وأصبع التوحيد لا إله إلا الله, وأصبع لفوق علامة النصر ولأسفل كمدلول خيرها في غيرها.. والشاطر يرفع صباعه.. وصوابع تتلف بحرير.. وصوابعك العشرة تحطها في الشق.. وصباع تحطه في عين اللي ما يتسمي لأجل يعرف إن الله حق.. وصباع تطرقع به يجيب لك الجرسون, ويضبط النغمة, وينبه الغافل, ويسد الأذن والعين والفم كي لا تسمع ولا تري ولا تتكلم.. وأصابع المايسترو التي تقود اللحن.. وأصابع تترك أثر لطمتها ع الخد, وأصابع تقرأ علي طريقة برايل.. وأصابع تتحسس وأصابع تهرش وأصابع شبعانة وأصابع جوعانة وأصابع حانية ترتب علي الكتف, وأصابع تفتح الشباك وأصابع تقفل في وشك كل باب... وأصابع تنقي الأرز.. وأصابع ما أن تنقل الدبلة من اليمين للشمال حتي تقلعها وتضيعها وتركنها بحجة الحساسية أو توقعها بقصد أو بدون قصد في بالوعة الحمام.. وأصابع تشير للمجرم في طابور العرض.. وأصابع زينب.. وأصابع في يد شعار شباب6 ابريل كانت مسبقا في يد مظاهرات الصرب.. وأصابع الرسام رامبرانت التي ربطها بالضمادات ورسم بشفتيه.. وأصابع الجيوكندة التي تعرف النقاد من تورمها علي حملها.. وإبراهيم باشا أبو أصبع الراكب فرسه بميدان الأوبرا مشيرا بالأصبع السبابة إلي الأمام, فاتح عكا وبلاد الشام التي يقول أهلها حتي الآن أن فلان عنده مصاري كتير إشارة إلي النقود المصرية في عهد إبراهيم باشا.. وأصبع انتخابي بطربوش حبر أسود سري وفوسفوري من بعد طربوش أحمر سري أيضا فرحنا به وغنينا وما كنا من بعد وعينا ولا درينا مآثر اللا ولا مآخذ النعم, وكنت فين يا لأ لما قلت أنا الآه!.. وتمت إضافات للتعديلات الدستورية عملوها مشكورين بدون طربوش ولا زر!.... وأصابع تغزل فيها عبدالفتاح القصري بقوله المأثور: يا صوابع الزبدة السايحة!
مذهل هو عالم الأصابع في عريه الفاضح لنا, ولا عجب أن يكون الرسامون والنحاتون قد قضوا كثيرا من وقتهم في التجسس علي الأصابع التي يدخلون منها إلي لوحاتهم وتماثيلهم, حتي أن النحات رودان الذي أخذت الأصابع كثيرا من وقته, وتركت كثيرا من طينها علي يديه, كان يلخص هوسه بها قائلا: يعرف الرسام والنحات الجيد من خلال قراءته المتعمقة للغة الأصابع المنعكسة علي عمله الفني.. فهناك ثمة أصابع تصلي, وأصابع تلعن, وأصابع تهدد, وأصابع تنثر العطر, وأصابع تبرد الغليل, وأصابع للحب.. أصابعنا تقول الكثير عن أشيائنا الحميمة.. تكشف كل ما مارسناه من مهن.. كل ما عانيناه من محن.. كل ما لمسناه في حياتنا من نعومة وخشونة.. كل سلام ضغطها بحنان أو خذلها في ملتقي الزحام.. ولذا ثمة أصابع كأصحابها ليست أهلا للحياة مادامت لم تفعل شيئا بحياتها سوي ترك كفها تحملها لتركنها خامدة فوق وسائد السبات..
وليس أبلغ من نزار قباني في حديثه عن حياوات الأيادي والأصابع:
محفورة أنت علي وجه يدي
كأسطر كوفية
علي جدار مسجدي..
محفورة في خشب الكرسي.. يا حبيبتي
وفي ذراع المقعد..
وكلما حاولت أن تبتعدي
دقيقة واحدة
أراك في جوف يدي
......
ويطلب نزار من حبيبته:
قليلا من الصمت..
يا جاهلة..
فأجمل من كل هذا الحديث
حديث يديك
علي الطاولة
....
ويظل نزار يؤوب إلي يديها:
عدي علي أصابع اليدين, ما يأتي:
فأولا: حبيبتي أنت
وثانيا: حبيبتي أنت
وثالثا: حبيبتي أنت
ورابعا وخامسا
وسادسا وسابعا
وثامنا وتاسعا
وعاشرا: حبيبتي أنت
وحقيقة صوابعك مش زي بعضها فهناك الأصبع الحبلي, والأصبع المرنة, والأصبع المتوثبة والأصبع المنهارة, والأصبع الغبية, والأصبع المعرقبة, والأصبع التي تمكث في نطاق التدريب سنوات طوالا كي تتقن مع أخواتها الرقص التعبيري الهندي, وقد سجل مكتب الFBI مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة175 مليون بصمة أصبع لم يكن بينها اثنتان متشابهتان كليا, فعملية فحص بصمات الأصابع للتمييز بين الأشخاص طريقة متبعة لدي الشرطة في كافة أنحاء العالم, وكان الصينيون قد مارسوها في القرن السابع بعد الميلاد, فلا جديد تحت الشمس.. وفي ذلك قال القرآن الكريم بلا قادرين علي أن نسوي بنانه.. وهناك بصمة الكف إلي جانب بصمات الأصابع حيث تختلف رسمتي الرقمين ال18 في الكف اليمني, وال81 في الكف اليسري ومجموعهما99 بعدد أسماء الله الحسني بين جميع الكفوف البشرية.. مع العلم بأن الأصبع الإبهام يعد طبيا أهم أصابع اليد فبدونه لا تكتمل القبضة, وإليه تعود دقة الحركة, ومن هنا يعد التعدي عليه قانونا بمثابة الجناية, بينما زملاء اليد الآخرين لا تخرج جريمة التعدي عليهم عن الجنحة.
ويمجد عباس العقاد في مقدمة عبقرياته التي قدم فيها عبقرية محمد صلي الله عليه وسلم وعبقرية كل من الصحابة إلي جانب عبقرية غاندي التي كان أكثر قرائها من المسلمين أصبع السبابة المرتفع بالسؤال للحصول علي المعرفة بقوله: ليست النفس الإنسانية ملكا لأبناء دين واحد, وليس الكشف عن أسرارها وأغوارها فريضة شرع واحد أو عرف واحد, وما من شيء يجعل للدين نفسه معني إن لم تكن النفس الإنسانية ذات معني وذات قيمة وذات علاقة أصيلة بهذا الوجود أجمع, فلا يضل معتقد عن هدي عقيدته حين يؤمن بجانب من جوانب عظمتها أو جانب من جوانب النبل والأريحية فيها..
والسؤال الذي يسأله من يعرف المسألة كلها هو: هل تستحق الحياة أن نحياها؟!.. فإذا كانت حياة الإنسان أهلا للثقة والإيمان بقدرها, فالجواب نعم, وإن لم تكن كذلك فلا جواب للسؤال غير اليأس والضياع!!
هذا ولم ترفع مذيعة الأخبار الروسية الشهيرة تاتيانا ليمانوفا الحائزة هذاالعام علي أرفع جائزة في المجال الإعلامي أصبعها السبابة هذاالأسبوع مهددآ, ولكنها استبدلته برفع أصبعها الوسطي بحركته المعيبة, وذلك بعدما قرأت اسم الرئيس الأمريكي باراك أوباما إثر تعليقها السياسي حول تولي الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف رئاسة منتدي التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي, وتابعت أن الموقع قد تولاه باراك أوباما قبل أن ترفع يدها اليسري ومن ثم أصبعها الوسطي.. جاء في دفاع تاتانيا أنها كانت تعتقد أن صوتها وحده هو الذي يسجل مع الخبر دون صورتها التي ظهرت فيها علي شاشات العالم بحركة أصبعها المعيبة علي مستوي العالم!
وستظل الأيام تذكر أيادي بترت أصابعها مع سبق الإصرار والترصد مثل يدي الفنان علي فرازات رسام الكاريكاتير الذي حطمت المخابرات السورية أصابعه بعد رسم له يظهر فيه بشار الأسد وهو يحاول ركوب سيارة معمر القذافي ليفر معه.. وأصابع سيف الإسلام القذافي التي حطمها الثوار فور إلقاء القبض عليه ثأرا من أصبع السبابة الذي طالما هددهم به.. وأصابع نائلة بنت الفرافصة زوجة سيدنا عثمان بن عفان التي قطعها قتلته في دفاعها عنه وهو الشيخ الصامد في التسعين للكرب المحيق به, وهو ظمآن في داره بغير نصير, ولو شاء لكان له ألوف من النصراء يريقون البحار من الدماء حين عزت قطرة الماء.. وقد كان تقصيره في حق نفسه أكبر من تقصيره في حق رعيته, فقد أفرط في المسالمة, واغتفر ما لا يغتفر من العدوان عليه في حضرته.. وأصر علي الإمامة وأبي أن ينزل عنها وقال لمن أنذروه القتل إن هو لم يعتزل أنه لا يخلع قميصا ألبسه الله إياه.. وقد دخل قميص عثمان ذو النورين التاريخ من بعد مقتله ولم تدخله أصابع نائلة.. وقال ابن عباس: لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء.
وحول الأصابع وخواتمها التي كانت ترتديها نساء العرب في أصابعهن العشرة للزينة روي عن عائشة رضي الله عنها قولها: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يتختم في يمينه, وقبض عليه الصلاة والسلام والخاتم في يمينه, وقيل في مدحه:
كف الرسالة ليس يخفي حسنها..
وتمام حسن الكف لبس الخاتم
وقد جاء الخلفاء الراشدون من بعد الرسول كل يتختم مثله في يمينه, حتي جاء معاوية فنقل خاتمه إلي اليسار وقلده في ذلك الأمويون, ثم نقله السفاح الحجاج إلي اليمين ليبقي حتي أيام الرشيد الذي نقله إلي اليسار وقلده الجميع, وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم: تختموا بخواتيم العقيق فإنه لا يصيب أحدكم غم مادام عليه ذلك, وبلغ عمر بن عبدالعزيز أن ابنه اشتري فص خاتم بألف دينار فكتب إليه: عزمت عليك إلا ما بعت خاتمك بألف دينار وجعلتها في بطن جائع واستعمل خاتما من ورق( فضة) وانقش عليه رحم الله امرأ عرف قدر نفسه, وكان خاتم علي رضي الله عنه من فضة ونقشه نعم القادر, وكان لأبي نواس خاتمان أحدهما عقيق مربع مكتوب عليه:
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
والآخر من الحديد الصيني وعليه أشهد أن لا إله إلا الله مخلصا وقد أوصي عند موته أن يغسل فص العقيق ويوضع في فمه.
وإذا ما كان المرحوم زوجي قد زعق يوما بأنه سوف يقوم بقطع أصبعي السبابة من اللغلوغ إذا ما رفعته ثانية في وجهه, ولأنني بالقطع لم أكن أقصد بسبابتي إنذارا أو لامؤاخذة تهوينا من شأنه فقد آثرت من بعدها ضم قبضة يدي ودسها في مخبئهاالآمن داخل جيبي تحسبا من انفلاته لا إرادية للمتهم قد تأتي بعواقب غير آمنة.. وقد تعود مثل ثورة الراحل الغالي التي تصنع من الحبة قبة, ومن إشارة أصبع متوحد إلي مجزرة.. تعود إلي تراث من قهر في زمن الطفولة والمراهقة والشباب كان فيه أصبع السبابة المسنون مصاحبا علي الدوام لتقريع الأمومة في البداية وبعدها الزوجة في النهاية:
اقعد مؤدب. حاضر.. ما اسمعشي صوت. حاضر.. اشرب اللبن.. حاضر.. اربط جزمتك. حاضر.. انكفي ذاكر. حاضر.. قول آسف. حاضر.. إطفي النور. حاضر.. اتخمد نام. حاضر.. فز قوم. حاضر.. إخرس خالص. حاضر. إفرد ضهرك. حاضر. بوس إيد بابا. حاضر.. بوس إيد تيتة. حاضر.. امش خش جوه. حاضر.. الأولاد الكويسين مايتلهوش في الكورة. حاضر.. أدبي لأ. حاضر.. ماتتأخرش. حاضر.. اقفل التليفزيون. حاضر.. اقفل الشباك. حاضر.. اقفل بقك. حاضر.. تطلع دكتور. حاضر.. لقيت لك عروسة. حاضر.. المطبخ عمولة. حاضر.. الفرح فوق السطوح. حاضر.. الغداء عندي اتنين وخميس. حاضر.. سلف جوز أختك. حاضر.. حفيدتي اسمها علي اسمي. حاضر.. سيبني أربيها. حاضر.. كفني خمس أدوار. حاضر.. جنازة يقف لها الشارع من أوله لآخره. حاضر.. نعيي بطول الصفحة. حاضر.. ماتنساش وظيفة جوز بنت خالتك ونسبنا للأباظية والخشاب والطهطاوي. حاضر.. مصاغي لبنتك مش لمراتك. حاضر.. توسع المدفن وتفرشه سيراميك وتزرع لي لبلابة وشجرة مسك الليل. حاضر.. تقرأ لي الفاتحة قبل النوم وفي صلاة الفجر وتطلع لي عرفات بفلوسي. حاضر.. تعمل لي كشف من طلعة النهار بكل مليم تركه لي المرحوم.. يعني ماقلتش حاضر. حاضر... و..تموت الأم ويفني أصبعها ليشرع من جديد في يد الزوجة المفترية: ماتتأخرش. حاضر.. تيجي معايا للدكتور. حاضر.. هات لنا معاك عيش وخيار. حاضر.. اعطي اجازة مفتوحة للسكرتيرة. حاضر.. صاحبك مايلزمناش. حاضر.. خللي أختك تحط لسانها في بقها. حاضر.. ناولني حتتين الغسيل من ع الحبل. حاضر.. اغسل لك طبق. حاضر.. قوم اعملنا الشاي. حاضر.. كفاية جرنال واحد. حاضر.. الشغل عندك هناك في المكتب. حاضر.. لابد نطلع عمرة. حاضر.. لابد ندخل قرعة الحج. حاضر.. اسمع كلامي. حاضر.. اكتب الشقة باسمي. حاضر.. الميدان للشباب وانت يا حول الله ماشي تجر رجليك... يعني ماقلتش حاضر.... حاضر...
وأنا قلت حاضر وحاضرة وحضرلكم الخير عندما أصبح الدكتور كمال الجنزوري رئيسا لحكومة الإنقاذ بصلاحيات رئيس الجمهورية فهو الذي قال: لن نقبل بالعنف ضد أي مواطن ولو بالكلمة..
هذا الرجل قال: كنت إذا ما استطعت يوما وأنا داخل الوزارة تحجيم قوي الطغيان من حولي أعود إلي مكتبي أصلي شاكرا مولاي واضعا جبهتي في الأرض بين يديه كي لا تصيبني شعرة من غرور.
هذا الرجل ذو الذاكرة الرقمية الفولاذية قال: تثبيت500 ألف عامل بالوظائف المؤقتة, وإعفاء المسكن الخاص من الضريبة العقارية, وتعديل قانون التأمينات والمعاشات لتحقيق العدالة, وإعادة فتح1600 مصنع أغلقت بعد الثورة واستكمال المشروعات المفتوحة بالمحافظات.
هذا الرجل قال: مساعدين للوزراء من الشباب لإعداد الصف الثاني لتحمل المسئولية.
هذا الرجل يعود له الفضل في إنشاء صرح نقابة الصحفيين الحالي بعدما وقع سقف المبني القديم فوق رؤوسنا..
هذا الرجل طيلة عمله وزيرا ونائبا ورئيسا للوزراء و..و..و.. لم يغير أثاث مكتبه ولا طاقم سكرتاريته ولا شقته ولا عربيته ولا أصدقاءه..
هذا الرجل من منطلق حرصه علي حساسية قطاع السياحة والعاملين به قال: اعتبروني وزيرا للسياحة أيضا.
هذا الرجل أعرفه محبا للأدب والشعر والفن وللثقافة عامة.. وأعرفه كالساعة المنضبطة يعطي مواعيده في السابعة صباحا لتجده في الانتظار من السادسة, ومن هنا لست خائفة ألا يتسع يومه ولا عمله ولا سعة أفقه كي يغدو الكتاب والقصيدة واللوحة والمسرحية علي نفس مستوي اهتماماته لدعم رغيف الخبز وأنبوبة البوتاجاز ومطالب أهالي الشهداء والمصابين.
هذا الرجل وراء تقطيبة جبينه اللاإرادية.. سريع البديهة متذوق للنكات متقبل للدعابة متنازل عن ثأره.. صديق حميم للكاتب الساخر الراحل محمود السعدني..
هذا الرجل يسأل عن تواضعه ووفائه عم محمد جنايني معهد التخطيط المخضرم وماري سكرتيرته وعم محمد سائقه الذين يعملون معه منذ أكثر من ثلاثين عاما.
هذا الرجل كان سؤاله الدائم لأي من زواره طيلة فترة تهميشه: احنا رايحين فين؟ فيدلي له كل برأيه المتعمق والمتقعر والسطحي والساخر, ليصغي إليه بإمعان واهتمام.. وأتاري الجنزوري هو الوحيد اللي كان عارف احنا رايحين فين!
و.. أتوقع أن الرجل القدير لن يرفع أصبع سبابته يوما لا تهديدا ولا وعيدا رغم سلطاته الرئاسية النافذة بل سيشار في التاريخ إلي وزارته المنقذة للثورة بالبنان..
هذا الرجل قد أدي اليمين.. وهو قد اليمين..
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.