سألني مراسل التليفزيون الألماني: أين تقف من موضوع البرادعي, هل أنت مع التغيير الذي يعد به كمرشح للرئاسة, أم مع استمرار الأوضاع علي ماهي عليه؟ قلت: ومن قال أن ترشيح البرادعي للرئاسة يعني التغيير, وأن مادونه فاستمرار للأوضاع الحالية؟ قال: ألا يطالب البرادعي بتغيير الأوضاع القائمة؟ قلت: البرادعي يطالب بما يطالب به الناس جميعا, فمثله مثل أي مصري آخر, لأن الانتخابات النزيهة والتساوي في الحقوق السياسية بما في ذلك حق الترشيح لمنصب الرئاسة هي من أوليات الممارسة السياسية السليمة في أي بلد من بلدان العالم, فهل بإمكانك أنت في بلدك أن تنتخب مرشحا لأي منصب سياسي لمجرد أنه ينادي بالممارسة الديمقراطية السليمة أم يجب أن تعرف ذلك المرشح المعرفة السياسية اللازمة؟ إننا في مصر لا نعرف شيئا عن الدكتور محمد البرادعي سياسيا, فهو شخصية نعتز بها بالطبع لأنها تبوأت أحد المناصب الدولية المرموقة, لكننا لم نختبره سياسيا ولا نعرف شيئا عن انتماءاته السياسية, فكيف ننتخبه لمجرد انه طالب بانتخابات نزيهة أو لأنه يري أن من حق أي مواطن أن يرشح نفسه للرئاسة؟ ثم قلت للصحفي الزائر: لا أخفي عليك أنني أجد في هذا النشوة التي تحيط بالبرادعي قدرا من الضحالة السياسية لاتتفق إطلاقا مع التغيير الحقيقي الذي تتطلع إليه الجماهير, كما أجد في حماس أجهزة الإعلام الدولية لهذا الموضوع قدرا من السطحية لاتتفق إطلاقا مع النضج السياسي الذي تتمتعون به في الدول الأوروبية, فهذا الحماس في الحالتين هو حماس للمجهول, فلا أنتم تعرفون البرادعي سياسيا ولا نحن نعرفه. قل الصحفي: وماهو بالتحديد الشيء الذي تري أن عليك أن تعرفه قبل أن تحدد موقفك من البرادعي؟ قلت: أريد أن أعرف ما تعرفونه أنتم عن أي مرشح لمنصب عام في بلادكم,. أي برنامجه السياسي. قال: ألم يقدم البرادعي حتي الآن برنامجا سياسيا؟ قلت: لقد طرح آراء كثيرة ومعظمها يلاقي قبول الناس, فالصحف تكتب فيها كل يوم, لكن الآراء السياسية التي يمكن أن يعبر عنها كاتب العمود اليومي في جريدة الصباح شيء والبرنامج السياسي المتكامل الذي يقوم علي فلسفة محددة يتم ترجمتها إلي سياسات تطبيقية في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية, شيء آخر مختلف تماما. ثم قلت: لو أنك سألتني مثلا, ماهو موقف البرادعي من قضية الدعم؟ هل يستمر أم يلغي أم يرشد, وإذا كان مع الترشيد فكيف؟ لما وجدت عندي اجابة. ونفس الشيء لو سألتني عن فلسفته في تحقيق العدالة الاجتماعية, أو عن موقفه من ثورة23 يوليو, أو من السلام مع إسرائيل, أو من التطبيع, أو لو سألتني ماهي رؤيته لعلاقات مصر العربية, هل تقوم علي حسن جوار, أم علي الانتماء القومي المشترك, أم علي التنافس والشجار؟ قال: ألم يتحدث في مثل هذه الأمور؟ قلت: اننا جميعا نتحدث في هذه الأمور, لكن الحديث شيء وتقديم رؤية شاملة للسياسة التي سينتهجها في هذه المجالات شيء آخر, ومع ذلك فهو لم يتحدث فيها. وقد كنت أتصور أن من يعد بإحداث تغيير في الحياة السياسية عليه أن يقيم هذا التغيير علي قواعد راسخة يحددها برنامجه السياسي والفلسفة التي يقوم عليها, إن مجرد المطالبة بتعديل الدستور بما يسمح بترشيحه للرئاسة لايمثل في رأيي أي تغيير حقيقي في الحياة السياسية, فقد خضنا من قبل انتخابات رئاسية شارك فيها أكثر من مرشح. قال المراسل الألماني: وهل لو قدم البرادعي برنامجا سياسيا متكاملا, مثل الذي يتقدم به المرشحون للرئاسة في الدول الديمقراطية تعطونه صوتكم؟ فأجبت: أتصور أن المجتمع يحتاج إلي أن يختبره سياسيا قبل أن يسلم له أمره. فلو أنه قدم برنامجا متكاملا يلقي قبول الأوساط السياسية لكان بذلك قد نجح في الاختبار النظري, لكنه في رأيي بحاجة إلي أن يجتاز الاختبار العملي أيضا, وهذا لا يأتي إلا بالممارسة. قاطعني محدثي معترضا: كيف تريد أن تختبره عمليا قبل أن يتولي المنصب؟ قلت: تماما كما تختبرون أنتم مرشحيكم, فالممارسة السياسية ليست حكرا علي منصب الرئاسة وحده, والساسة عندكم يمارسون العمل السياسي وسط الجماهير من خلال العمل الحزبي أو غيره سنوات طويلة, ولا ينزلون علي المناصب الكبري بالبراشوت. قال: لكن قد يحدث أحيانا أن يطلب من بعض الشخصيات الكبري تولي المناصب العليا لم يمثلونه من قيمة تعطي ثقلها لهذا المنصب, ولاشك أنكم تعلمون أن منصب الرئاسة في إسرائيل مثلا عرض علي العالم اليهودي العبقري ألبرت أينشتاين لما كان ذلك سيعطي دولة إسرائيل من مكانة كبيرة في بداية تأسيسها. قلت: هذا صحيح, لكن مع فارق بسيط, وهو أن منصب الرئاسة في إسرائيل كما هو عندكم في ألمانيا أوفي إيطاليا أو النمسا هو منصب يكاد يكون شرفيا, فهو لا يحكم ولا يطبق سياسات بعينها, أما الذي يحكم البلاد عندكم ويطبق السياسات فهو رئيس الوزراء, وهذا المنصب لايشغله إلا رجل سياسة تمرس وإختبر من قبل شعبه, ومع ذلك فإن اينشتاين رفض المنصب لأنه رجل علم وليس رجل سياسة, والوضع كان سيختلف لو أن النظام في إسرائيل كان مثله في فرنسا أو في الولاياتالمتحدة أو في مصر, حيث رئيس الجمهورية هو الحاكم الفعلي الذي يطبق برنامجه السياسي المعلن والذي بإمكانه أن يغير سياسة البلد تماما كما فعل جيسكار ديستان بعد بومبيدو, وكما فعل السادات بعد عبدالناصر وكما يفعل أوباما بعد بوش, فكيف ننتخب رئيسا لانعرف إلي أين سيأخذ البلد؟ سكت الرجل ولم يرد فقلت: أرجو ألا تأخذ كلامي علي انه تلك الهجمة الشرسة وغير الأخلاقية التي يتعرض لها البرادعي الآن والتي تقودها بعض التيارات الحكومية الانتفاعية, فأنا أعرف البرادعي معرفة شخصية وأكن له كثير امن التقدير, كما اختلف معه في بعض مواقفه والتي كتبت فيها وهو مازال مديرا لوكالة الطاقة الدولية وقبل أن يتحول إلي مرشح للرئاسة, لكني فقط أقول إن علينا أن نختبر مرشحينا سياسيا قبل أن نمنحهم سلطة الحكم لسنوات مقبله.