برغم فرحتنا بالعرس الديمقراطى للانتخابات البرلمانية التى لم نشهد فيها تزويرا ولا بلطجة ولا تصويتا للأموات، وبرغم مرورها بسلام على غير المتوقع فإن فرحتنا كانت تظهر على وجوهنا على استحياء؛ لأن الجرح الذى خلفه (محمد محمود) مازال ينزف، ودماء الشهداء المراقة فى هذا الشارع لم تمتصها الأرض، ومازال أهالى الشهداء يجففون دماء أبنائهم بأكفهم فى حصرة ولوعة ووجع، حتى جاء يوم الجمعة الماضى ليشهد الميدان جنازة رمزية شيع فيها الحاضرون عشرين نعشا ملفوفا بعلم مصر، وإن كانت النعوش فارغة من أجساد الشهداء لكنها فى المعنى والرمز والمنظر المهيب لا تقل ألما وحزنا عن كون الأجساد الطاهرة بداخلها.. لن أقول أفسدوا فرحتنا بهذا المشهد، بل أقول ذكرونا بأن لكل شىء ثمنا، فالحرية والحق والعدل والحياة الكريمة التى ننشدها كان ثمنها غاليا، ولن ننعم بها إلا برد الحق لأصحابه، وأن نعلم جميعا أن أبطال ثورة 25 الحقيقيين هم الشهداء ولهم حقوق علينا، أقلها أن نحفظ لهم حقهم فى محاسبة من قتلوهم، وأن نقسم جميعا بأن نحافظ على مصر وألا نسكت على ظلم أو فساد. أول حق للشهداء ومصابي الثورة هو التحقيق مع كل من تسبب فيما حدث لهم، سواء بقتل أو إصابة أو مشاركة بقرار أو فعل، وفى ظنى أن القبض على الملازم أول محمد صبحي الشناوي الشهير ب(قناص العيون) وحبسه رهن تحقيقات النيابة خطوة جادة نحو صدق النيات، خاصة بعد أن أشيع أنه هرب خارج مصر، والأهم من القبض عليه هو محاكمته ب(جد).. بمعنى عدم التحايل على القضية كما حدث فى قضية قسم الأربعين بالسويس وبقضية متظاهرى الإسكندرية؛ لأن الالتفاف والتحايل والسكوت عن الحق سيدخلنا فى دوامة لن تنتهى من الاعتصام والتظاهر، ما يقلق فى هذه القضية هو اختفاء مجند الأمن المركزي الذي قال جملته الشهيرة (جدع يا باشا.. جت في عينه)، ولم يتم استدعاؤه والتحقيق معه كشاهد رؤية للواقعة، وأيضا لم يتم استدعاء (أحمد سكر) الذي قام بتصوير الفيديو، وهو ضمن شهود الرؤية، هذه الأشياء تشكك فى سير التحقيقات والالتفاف على القضية، ولو تم ذلك فلن يسكت أهالى الشهداء والمصابين وهذا حقهم. وليس من الحكمة ولا من العقل أن نظل نحمى المخطئ، خاصة من رجال الشرطة، ونتلاعب بالقانون وثغراته مرة بحجة أنه يؤدى عمله، ومرة بحجة الدفاع عن النفس، أى دفاع هذا أو مقارنة بين أعزل وحامل سلاح يتحصن بملابسه الميرى؟! لن نصل إلى ما نرنو ونأمل إلا بالاعتراف بالخطأ والحساب أيا كانت النتيجة، فمصلحة الوطن تقتضي خضوع كل المواطنين للقانون والحساب بصرف النظر عن منصبه ونسبه أو مكانته، وتقتضى أن نكون منصفين للحق والعدل والحرية؛ لأن المرحلة القادمة لا يجوز فيها بأى شكل من الأشكال التستر على فاسد أو متجاوز؛ لأننا كلنا فى الهم واحد. المزيد من مقالات على جاد