محمود عباس يجتمع مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية    أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 24-09-2024.. تحديث جديد    قنصل السعودية بالإسكندرية: تعاون وثيق مع مصر في 3 مجالات- صور    مسؤول كبير ب«الخارجية الأمريكية»: «أفكار ملموسة» تبحثها واشنطن مع الحلفاء    رسالة من المشتبه به في اغتيال ترامب: حاولت قتله لكنني خذلت العالم    الرئيس الإيراني يكشف أسباب تأخر الرد الفوري على اغتيال هنية    مفاجأة.. كولر يستبعد صفقتي الأهلي من قائمة الفريق لمباراة الزمالك في السوبر ويضم كهربا    برج الجدي.. حظك اليوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2024: تلتقي بشخص مثير للاهتمام    مؤسسة محمد حسنين هيكل تحتفل بميلاد «الأستاذ».. وتكرّم 18 صحفيا    إشادات بأداء إسعاد يونس في مسلسل «تيتا زوزو»: دمها خفيف وروحها حلوة    حار نهاراً و مائل للحرارة ليلاً.. حالة الطقس اليوم    أحمد سعد عن خطوبته من طليقته: كريستيانو رونالدو وجورجينا مش أحسن مني!    جيش الاحتلال الإسرائيلي: صفارات الإنذار تدوى جنوب وشرق حيفا    جسر جوي وبري لنقل المساعدات والوقود من العراق إلى لبنان    موعد صرف الدعم السكني لشهر سبتمبر    أسامة عرابي: مباريات القمة مليئة بالضغوط ونسبة فوز الأهلي 70%    وكيل ميكالي يكشف حقيقة مفاوضات الزمالك وسبب البيانات المتبادلة مع اتحاد الكرة    مروان حمدي يكشف كيف ساعده الراحل إيهاب جلال في دراسته    موتسيبي: زيادة مكافآت الأندية من المسابقات الإفريقية تغلق باب الفساد    "لم أقلل منه".. أحمد بلال يوضح حقيقة الإساءة للزمالك قبل مواجهة الأهلي في السوبر الأفريقي    «سجل الآن» فتح باب التقديم على وظائف بنك مصر 2024 (تفاصيل)    السيطرة على حريق باستراحة تمريض بسوهاج دون إصابات    بلاغ جديد ضد كروان مشاكل لقيامه ببث الرعب في نفوس المواطنين    الأمين العام الجديد لمجمع البحوث الإسلامية يوجه رسالة للإمام الطيب    ننشر أسعار اللحوم والدواجن اليوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2024    شركة مياه الشرب بقنا ترد على الشائعات: «جميع العينات سليمة»    الجزائر تدعو إلى إطلاق مسار جدي لإعادة التوازن المفقود في منظومة العلاقات الدولية    هند صبري: «السقا بيقولي الناس فاكرة حلقتنا في عايزة أتجوز أكتر من تيتو ومافيا»    مدين يكشف كواليس مكالمة عمرو مصطفى والصُلح بينهما    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    دولة آسيوية عظمى تؤكد أول إصابة بمرض «جدري القرود»    الصحة اللبنانية: ارتفاع شهداء الغارات الإسرائيلية إلى 492 والمصابين إلى 1645    أحمد سعد: اتسرق مني 30 قيراط ألماظ في إيطاليا (فيديو)    إصابة 5 أشخاص في تصادم سيارتين بطريق أبو غالب في الجيزة    هل منع فتوح من السفر مع الزمالك إلى السعودية؟ (الأولمبية تجيب)    مصر للطيران تعلن تعليق رحلاتها إلى لبنان    تأثير القراءة على تنمية الفرد والمجتمع    وزير الأوقاف يستقبل شيخ الطريقة الرضوانية بحضور مصطفى بكري (تفاصيل)    فرنسا تدعو لاجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي حول لبنان    مسؤول بمجلس الاحتياط الأمريكي يتوقع تخفيض الفائدة الأمريكية عدة مرات في العام المقبل    الفوائد الصحية لممارسة الرياضة بانتظام    تعرف على موعد ومكان عزاء رئيس حزب الحركة الوطنية    ارتفاع حصيلة مصابي حادث أسانسير فيصل ل5 سودانيين    اخماد حريق نشب بمخلفات في العمرانية الشرقية| صور    إبراهيم عيسى: تهويل الحالات المرضية بأسوان "نفخ إخواني"    حتحوت يكشف رسائل محمود الخطيب للاعبي الأهلي قبل السوبر الإفريقي    وزير البترول يؤكد استدامة الاستقرار الذى تحقق في توفير إمدادات البوتاجاز للسوق المحلي    الآن رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والشهادات الفنية (استعلم مجانا)    محارب الصهاينة والإنجليز .. شيخ المجاهدين محمد مهدي عاكف في ذكرى رحيله    أحمد موسى يناشد النائب العام بالتحقيق مع مروجي شائعات مياه أسوان    طريقة عمل الأرز باللبن، لتحلية مسائية غير مكلفة    عمرو أديب: حتى وقت قريب لم يكن هناك صرف صحي في القرى المصرية    الاقتصاد ينتصر| تركيا تتودد لأفريقيا عبر مصر.. والاستثمار والتجارة كلمة السر    جامعة عين شمس تستهل العام الدراسي الجديد بمهرجان لاستقبال الطلاب الجدد والقدامى    في إطار مبادرة (خُلُقٌ عَظِيمٌ).. إقبال كثيف على واعظات الأوقاف بمسجد السيدة زينب (رضي الله عنها) بالقاهرة    خالد الجندي: بعض الناس يحاولون التقرب إلى الله بالتقليل من مقام النبى    أستاذ فقه يوضح الحكم الشرعي لقراءة القرآن على أنغام الموسيقى    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يرفض الثوار بيان عصام شرف؟!
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 11 - 07 - 2011

لا أعرف إلي متي ستظل الحكومة تتعامل بسياسة رد الفعل، وكأنها لا تتحرك ولا تتخذ القرارات إلا بناء علي مطالب المليونيات التي تنطلق بين الحين والآخر رافضة سياسات التسويف، والنكوص بالتعهدات.. إنني علي ثقة من نزاهة ومصداقية د.عصام شرف رئيس الوزراء، ولكن من حقي وحق كل مواطن مصري أن نتساءل: لماذا تبقي الحكومة مرتبكة، وعاجزة وغير قادرة علي الوفاء بتعهداتها في رفع الظلم ومكافحة الفساد وإعادة بناء الدولة في إطار مبادئ الحرية والعدالة والكرامة؟
لقد أعلن د.عصام شرف بعد مليونية 'الثورة أولا' عن مجموعة من الأهداف والقرارات، استجابة لمطالب الثورة والجماهير، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، ولماذا كل هذا التأخير، ومن يضمن الوفاء بتنفيذ هذه القرارات والتعهدات؟!
كيف يمكن الوثوق بمصداقية هذا الطرح وهناك العديد من الوزراء وكبار المسئولين المعنيين بتنفيذ هذه القرارات كانوا أعضاء بالحزب الوطني 'المنحل' وأمانة السياسات؟ أليس غريبا أن يقوم علي أمر تنفيذ هذه المطالب بعض ممن ساهموا ولسنوات طوال في ترسيخ سياسات النظام السابق المعادية لمصالح الجماهير.
لقد بدا الاكتئاب واضحاً علي رئيس الوزراء أثناء القائه بيانه، وقد علمت أنه سعي لتقديم استقالته للمجلس العسكري بعد زيادة حدة الانتقادات الموجهة إليه، إلا أن المجلس العسكري طلب منه مواصلة العمل والأداء واتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق أهداف الثورة، وهو أمر يلقي علي الدكتور شرف مسئولية مهمة في هذه الفترة التاريخية الصعبة.
وإذا كانت الثورة تسعي إلي ترشيد المسار ودفع الحكومة إلي تبني الخيارات الأساسية لها، فهذا لا يعني بالتأكيد تجاوز القانون، فالثورة قامت دفاعا عن العدالة وسيادة القانون.
لقد وعد د.عصام شرف بإنشاء آلية للحوار مع القوي الوطنية وشباب الثورة فيما يتعلق بالأوضاع الراهنة ومطالب المرحلة المقبلة، والمهم في الأمر هو فاعلية هذه الآلية، بحيث لا تصبح شأنها شأن الحكومة في أدائها.
إن من أولي مهام المرحلة المقبلة هي تحقيق الأمن، والحيلولة دون تراجع الأداء والإنتاج وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وتحقيق العدالة والديمقراطية والعمل علي تحقيق الحياة الكريمة للفقراء الذين قامت من أجلهم الثورة وكانوا هم وقودها.
وأمام د.عصام شرف فرصة تاريخية لتحقيق هذه الأهداف الذي أثق بأنها كانت حلمه منذ زمن طويل، ولكن قبل أن يسعي إلي تنفيذ القرارات وتحقيق الأهداف عليه أن يراجع الحقائب الوزارية، وأن ينقي حكومته من ذيول الحزب الوطني الذين لا يمكن أن يكونوا مخلصين لسياسات وأهداف ومبادئ الثورة.
من قتل المتظاهرين؟!
أثار الحديث الذي أدلي به اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية إلي برنامج الحياة اليوم العديد من التساؤلات المهمة حول هوية القتلة الذين أطلقوا الرصاص علي المتظاهرين في ميدان التحرير مساء 28 يناير الماضي من علي أسطح العمارات المجاورة.
لقد أكد الوزير بما لا يدع مجالاً للشك أن جنود وضباط وزارة الداخلية ليسوا مسئولين عن جرائم القتل التي ارتكبها قناصة من علي أسطح العمارات المطلة علي ميدان التحرير، ونفي امتلاك الداخلية لأسلحة بأشعة الليزر.
وأشار الوزير في حديثه الهام والخطير إلي أن الشرطة المصرية لم تكن موجودة علي الاطلاق منذ يوم الثامن والعشرين من يناير، وأن هناك جهة ما ارتكبت عمليات القتل.
لقد أثار هذا الكلام تساؤلات عديدة حول هوية القتلة الحقيقيين، خاصة أن تقرير لجنة تقصي الحقائق لم يقدم أية معلومات جازمة في هذه القضية.
إنني لا أريد أن أسبق الأحداث أو أوجه الاتهامات لأحد دون سند أو دليل، ولكن بعد الحديث الذي أدلي به وزير الداخلية، لابد أن تتحرك الجهات المعنية لتجيب عن السؤال الذي يحير الجميع.
لقد كان هناك قناصة منتشرون علي أسطح العمارات، يوجهون رصاصاتهم بكل دقة إلي أجساد الثوار بميدان التحرير فقتلوا وأصابوا منهم آلاف المواطنين.
نعم قتلوهم بلا رحمة بعد أن استطاعوا التسلل فوق أسطح العمارات والمباني المحيطة، كانت التعليمات الصادرة إليهم، كلما ازداد عدد القتلي ساعد ذلك علي انهاء التظاهرات والاعتصامات بالميدان ولم يدرك هؤلاء ومن يحركونهم، إنه كلما ازدادت بحور الدماء الزكية في الميادين، ازداد إصرار الثورة علي الاستمرار والصمود.
إن المطلوب هو عدم الصمت والبحث عن القتلة الحقيقيين الذين ارتكبوا جريمتهم وهربوا في الخفاء، فهؤلاء في أغلب الظن كانوا فرقة متخصصة عالية التدريب وهناك أياد شيطانية كانت تحركها من خلف ستار!
تصريحات وزير الخارجية وتهديدات 'إسرائيل'!!
الحملة التي تشنها 'إسرائيل' ضد وزير الخارجية محمد العرابي هي حملة مسمومة تستهدف ممارسة الضغط علي الوزير وابتزازه، فاطلقت إعلامها وبدأت في تنظيم حملة اتصالات دولية لممارسة الضغط علي مصر بهدف الزامها بسياسة الخنوع والتبعية تحت زعم ضرورة الالتزام بما نصت عليه اتفاقية 'السلام' المصرية - الإسرائيلية.
لقد تحدث الوزير في حديث لبرنامج منتهي الصراحة علي قناة الحياة عن رفضه ممارسة سياسة التجويع والحصار ضد الشعب الفلسطيني، وأكد إيمانه بحق المقاومة في مقاومة المحتل استناداً إلي القرارات والمواثيق الدولية وطالب نتانياهو بتبني سياسات بعيدة عن المراوغة فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني.
ولكن يبدو أن هذا الكلام لم يعجب الحكومة الإسرائيلية التي رأت فيه خروجاً علي الاتفاقات والتعهدات فأطلقت إعلامها لشن حملة عدائية قوية ضد الوزير محمد العرابي، وبدأت الحملة بالقناة العاشرة الإسرائيلية التي راحت توجه انتقادات حادة للوزير وللحكومة.
وتركز بالتحليل علي مقولته إن السياسة الخارجية المصرية تعبر عن أهداف ومبادئ ثورة الخامس والعشرين من يناير.
إننا ندرك أن العدو الإسرائيلي يتربص بمصر ويسعي إلي تصعيد حدة التوتر وتحريض الولايات المتحدة وقوي الغرب لمجرد إعلان مصر رفضها لسياسة العهد البائد خاصة فيما يتعلق بحصار الشعب الفلسطيني والمراوغة في حقوقه الوطنية المشروعة.. ونعرف أن حكومة 'إسرائيل' ازداد غضبها بعد سقوط نظام 'المخزون الاستراتيجي' 'مبارك وأعوانه' ونجاح المخابرات العامة المصرية في تحقيق المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية والتوقيع علي الاتفاق الأولي بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، ومنذ هذا الوقت وهي تتربص لكل تصريح يصدر وكل كلمة تقال.
إن تهديدات إسرائيل لا يجب أن تخيفنا، ولا أن تدفعنا إلي التراجع، ذلك أن عهد الخوف والخنوع لأعداء الوطن والأمة قد مضي، ولو فكرت إسرائيل في أية خطوة غير محسوبة فحتما ستجد جيشاً قويا يردع وشعبا مستعدا أن يموت دفاعا عن أرضه وحريته وكرامته.
أسامة هيكل ووزارة الإعلام
عرفته منذ سنوات طوال، كاتباً صحفياً مرموقاً، صاحب موقف، تختلف أو تتفق معه، لكنه ليس من هؤلاء الصحفيين الذين ينقلبون علي مواقفهم تبعاً للأحوال والمصالح.
إنه أسامة هيكل رئيس تحرير صحيفة الوفد الذي تم اختياره مؤخراً وزيراً للإعلام.. لقد سعدت أيما سعادة بهذ الاختيار، فالرجل لديه من الجرأة والموضوعية والطهارة والشفافية ما يجعله قادراً علي إدارة الأمور بشكل فاعل وجدي داخل وزارة الإعلام.
لقد حادثته بعد الاختيار مباشرة، وقلت له أنا مشفق عليك وأحسدك علي جرأتك في القبول لهذا المنصب في تلك الظروف الصعبة، خاصة بعد أن اعتذر الكثيرون قبلك، فقال 'لو أن كل شخص فينا رفض، فمن سيدير الأمور في تلك الفترة الصعبة والعسيرة؟'.
لقد كان أول قرارات وزير الإعلام الجديد، إلغاء المبلغ الشهري المحدد لمكتب الوزير ومقداره 170 ألف جنيه كنثريات ثم بدأ بمجرد وصوله إلي مكتبه بعد أداء القسم في مراجعة كشوف الرواتب والمكافآت بهدف القضاء علي هذا التفاوت الكبير داخل هذا المبني العتيق.
لقد قال الوزير: فوجئت بأن هناك من يتقاضي 400 ألف جنيه شهريا، وهناك من يتقاضي 400 جنيه، فكيف تكون العدالة؟، ولماذا هذا التفاوت؟، إن هذا أمر غير مقبول، ويجب وضع حد أقصي لهذه الرواتب ورفع الحد الأدني الذي يضمن مستوي عيشة كريمة للعاملين بالمبني.
إنني ومن خلال معرفتي بالأستاذ والصديق أسامة هيكل، استطيع القول إنه سيكون صادقا وحاسما في كل مواقفه، لن يكون أداة في يد أحد، لن يسعي إلي اقصاء أحد، ولن تكون له شلة علي حساب الآخرين.
إن كل ما هو مطلوب أن نعطي الرجل فسحة من الوقت شهورا قليلة، لحين إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة، ففي هذه الفترة، أعتقد أن المبني في حاجة إلي من يعيد ترتيب الأوضاع فيه بشكل يحقق العدالة وحسن الأداء، أما أن يعلن البعض الحرب عليه حتي قبل أن يبدأ فهذا يعني أننا سنظل نمضي في حلقة مفرغة وبلا نهاية!
جرس إنذار
نشرت 'الأسبوع' هذا المقال للزميل مصطفي بكري رئيس التحرير يوم 24 يناير 2011 أي قبل اندلاع الثورة المباركة بيوم واحد وفيه يستقرئ بكري واقع الأحوال في مصر ويقول كلمته للتاريخ في عز سطوة النظام وهيمنته: إنها كلمات عبرت عما يجيش في نفوس الناس وحذرت من خطورة الطوفان القادم وشددت علي أهمية تغيير جذري وحماية الوطن من الفوضي التي سيدفع الجميع ثمنها.
بدأ البركان يزحف، إنه بركان المظلومين والمحرومين، الباحثين عن طريق للخلاص، أصوات الجماهير الهادرة لا تريد أن تتوقف، لقد صبرت طويلاً، وقهرت طويلاً، لم يسمع أحد أنينها، استُعبدوا وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، تحول الحكام إلي جلادين، لا يسمعون إلا صوت أنفسهم وأصوات المقربين.
عندما انطلقت الثورة التونسية الظافرة في 17 ديسمبر الماضي، لم يكن أحد يعتقد أن نيران الثورة سوف تقضي علي الظلم وتدحر القهر بكل هذه السهولة وبكل هذه السرعة، لكن ذلك هو ماحدث، حتي الرئيس المخلوع لم يصدق نفسه، وهو يحاول إرضاء الناس بقوله 'فهمتكم.. فهمتكم'!!
لقد أراد بن علي أن يوهم الشعب أنه كان ضحية الخديعة من رجاله المقربين، فراح يضحي ببعضهم بزعم أنهم لم يكونوا أمناء معه، ولم ينقلوا له صوت الشارع التونسي، وهي حجة كما نري لا تنطلي علي أحد، ولذلك رد عليه التونسيون 'فات الميعاد' وأصبح سقف مطالبهم عزل بن علي وعصابته ومحاكمتهم.
لكن بن علي هرب بشكل مهين، أما الثورة فلاتزال مشتعلة تسعي لتحقيق أهدافها كاملة بإصرار وعناد وصمود أبهر الآخرين.
وانطلقت الشرارة إلي البلدان العربية الأخري، وبدأ مسلسل الحرائق، رجالا ونساء، الكل يشعر بالظلم، والكل كاد يموت كمداً، معزولاً، راح البعض يقدم جسده فداء، عله يشعل الثورة في القلوب، ويعيد حقه المسلوب، فبدأ لهيب النار يحرق الأجساد في الجزائر وموريتانيا ومصر واليمن والسودان والعديد من البلدان الأخري.
انطلقت المظاهرات الحاشدة، وتأزمت الأوضاع في العديد من البلدان، وبدأ سقف المطالب يتعدي حدود الغلاء والأسعار والبطالة، إلي الحرية والتغيير.
قد يقول البعض إن الحالة التونسية لايجب تطبيقها علي دول أخري، فالأمر هنا مختلف، وهذا قول مغلوط، لأن من كان يتابع المشهد التونسي قبيل الانتقاضة، ماكان له أن يظن أن الأمر سيحسم بهذه القوة وبهذه السرعة، ذلك أن آلة القمع أشد فتكا، وحصاراً، ومتابعة ورقابة لأنفاس المواطنين.. لكن إرادة الشعب انتصرت.
لقد عايش المواطن العربي، تفاصيل هذه الثورة، وبدأ يشهد في أيام معدودة كيف انقلب الوضع من حال إلي حال، وكيف استطاع التونسيون فرض إرادتهم، فدبت الغيرة في النفوس، خاصة نفوس هؤلاء الذين اكتووا بنار الظلم، وباتوا أكثر شوقاً للتغيير.
إن الانظمة التي تظن أنها قادرة علي كبح جماح المتظاهرين، بإخافتهم أو القبض علي البعض منهم، أو حتي إطلاق الرصاص علي صدورهم، هؤلاء يشعلون فتيل النار الخامدة تحت الرماد، لأنهم بذلك يستفزون مشاعر الجميع، وبدلاً من الانصياع لمطالب الناس، يركبهم العناد، ويظنون أنفسهم قادرين برجالهم وأسلحتهم.
غير أن ذلك الوهم سرعان ما يتبدد، فهؤلاء الجند، وهؤلاء العسكر هم من الشعب وليسوا غرباء عنه، وحتما إذا قتلوا عشرة أو عشرين أو مائة أو ألفا، فحتما ستتوقف البندقية عن اطلاق الرصاص، وربما تتجه إلي مكان آخر، لاشيء مضمون، ولا ولاء للظلم، هكذا علمتنا التجربة التونسية، وغيرها من التجارب النضالية الأخري.
إن أحداً لايريد الفوضي، ولا التخريب، فتلك جريمة ترتكب في حق الأوطان، غير أن ذلك يوجب علي أنظمة الحكم في المقابل، أن تتنازل عن جبروتها وأن تتوقف عن عنادها، وأن تكف عن ادعاءاتها، وتستجيب لمطالب الناس في لقمة العيش الكريمة، والحرية والحق في تداول السلطة واحترام حقوق الانسان.
وفي مصر شهدت البلاد خلال الأيام الماضية العديد من حوادث حرق المصريين لأجسادهم، تعد الخمس عشرة حالة، بعضها توفي، وآخرون يعالجون، لكن محاضر الشرطة باتت تسجل كل يوم أسماء المزيد.
والغريب أن الحكومة تقول إن غالبيتهم من المرضي النفسيين، ويبدو أن كل شعبنا هم من المرضي النفسيين غير أن الصمت علي مايجري، والبحث عن أسباب واهية ومحاولة الإساءة إلي المكلومين وتحويل الأمر إلي مجرد نكتة، فهذا هو الخطر الحقيقي، الذي قد يدفع إلي فلتان الأوضاع في البلاد بطريقة غير محسوبة.
لقد أعلنت الحكومة أنه لازيادة في الأسعار ولا زيادة في الضرائب، وكأنها بذلك قد لجمت أفواه كل المظلومين والمطالبين بالتغيير السلمي، وهنا يبقي السؤال أي زيادة تلك التي تتحدثون عنها؟ وهل مطالب الشعب المصري انحصرت فقط في التوقف عن زيادة الأسعار والضرائب؟!
إن معاناة المصريين مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كبيرة، فالفساد قد انتشر في البلاد والدولة توقفت عن تعيين الخريجين، فتكدس الشباب علي نواصي الطرقات بعد أن أعياهم البحث عن وظيفة لدي الحكومة ولدي القطاع الخاص، تراجعت الآمال وساءت أحوال الناس والبلاد، واحتكر الحزب الحاكم السلطة والثروة، وتحولت المعارضة إلي خيال مآتة، وأصبح الحديث عن تداول السلطة رجساً من فعل الشيطان، فماذا تنتظرون؟!
إن البلاد في حاجة إلي تغيير سلمي، ضمانا للاستقرار، وإنهاء لحالة الاحتقان، التي تسود الشارع وتطال الجميع بلا استثناء، فالكل يعاني، والكل يبحث عن الحلول الناجعة التي تهدئ النفوس وتوقف مسلسل الانهيار!!
لاتستهينوا بالشعب المصري، لاتظنوا أن صمته ضعفاً وسكوته جبناً، فهذا الشعب يختزن بداخله ثورة وغليانا واحتقانا بلا حدود، إحساسه بالظلم عظيم، وشعوره بالقهر أكبر من أن تطوي صفحته، وإذا أردنا حماية البلاد من خطر، حتما سيحدث إن لم يكن اليوم فغدا، فليس أمامكم سوي التغيير.
يجب ألا نسمح بأن يأتي اليوم الذي يوضع فيه رجال الأمن في مواجهة أهلهم وشعبهم، التغيير المنظم أفضل من الفوضي الهدامة، لأن خروج الناس في مصر لا أحد يتوقع نتائجه، ولا أحد يعرف مسار طريقه، ولذلك يبقي الأمل في التغيير السلمي والاستماع لصوت الناس، ومنح القوي السياسية حريتها، وتوفير لقمة العيش الكريمة وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين الجميع.
إنها مطالب مشروعة، ليس فيها مغالاة، ولا تزيد، لكنها تعكس رغبة جماهيرية عارمة، وأشواقا حقيقية للتغيير السلمي المنظم، وحماية للبلاد من خطر الفوضي وزعزعة الاستقرار.
أعرف أن أحدا لن يعير هذا الكلام اهتماماً، وأدرك أن هناك من سيقول دعوهم يكتبون، إنهم لا يقرأون الواقع بشكل صحيح، غير أن كل ذلك لن يحل أزمة ولن ينهي مشكلة، ولن يضع حدا للأزمة السائدة في البلاد.
إن المجتمع بأسره سوف يدفع ثمن الفوضي، وليس الحكم وحده، فعندما تشتعل النار، لن تفرق بين هذه السيارة أو تلك، أو بين محلات الخمس نجوم ومحلات الفول والطعمية، الكل سوف يجري استهدافهم، وتكون النتيجة مفجعة للجميع.
لاتصدقواالكذابين، ولاتستمعوا إلي أصوات المنافقين، فهؤلاء هم الذين قضوا علي نظام الحكم في تونس، وقبلها في ايران والفلبين ورومانيا وغيرها من البلدان، هؤلاء لاتهمهم سوي مصالحهم الآنية، إنهم الجناة الحقيقيون، إن ماجري في تونس يجب أن يكون درساً للجميع يتوجب استيعابه وفهم أبعاده ومراميه ولن يضير النظام أن يراجع ويتراجع، ولن ينال منه سماع صوت الناس، ولن يضعف من صورته إجراء التغييرات الواجبة، فهذا هو الخيار الوحيد، ولا خيار غيره.
إن هناك بعض القوي لاتريد التغيير، وتسعي إلي عرقلته بكل ما تملك، وبعض هؤلاء عهد إليهم بإدارة الانتخابات البرلمانية، فكان أداؤهم عقيما، واستطاعوا اسقاط المعارضين والمستقلين في انتخابات مجلسي الشوري والشعب، فأثارواالاحباط في النفوس، ودفعوا بالجميع إلي مرحلة اليأس، ورغم شعور العديد من رموز النظام بالمأزق ومخاطره، ورغم صدورأكثر من 98حكما يقضي بالبطلان، إلا أن هناك إصراراً غريباً علي المضي في ذات الطريق دون احترام لإرادة الشعب وحقه في انتخابات ديمقراطية حرة.
إن هؤلاء الذين اكتنزوا الثروات ونهبوا اقتصاد البلاد وحصلوا علي مئات الآلاف من الافدنة بطرق تثير علامات الاستفهام هم أول من سيغادر في طريقهم للهروب فأموال الكثيرين منهم وجدت طريقها إلي خارج البلاد، لأنهم يتعاملون مع الوطن علي أنه مشروع استثماري، بقاؤهم فيه مؤقت وهدفهم فيه واضح ومعروف.
إن الناس يتساءلون: لماذا يتحمل النظام وزر هؤلاء، ويطلق يدهم في البلاد بطولها وعرضها؟ ولماذا يقرب إلي سدة الحكم هؤلاء المنبوذين شعبياً، والذين يعبرون دوماً عن عدائهم للشعب، بتصريحاتهم الاستفزازية وإجراءاتهم وقراراتهم التي يدفع الناس ثمنها من قوتهم وكرامتهم علي أرض هذا البلد.
إن كل الحريصين علي أمن هذا البلد يجب أن يقولوا كلمة الحق بلا رياء وبلا نفاق، فمصلحة مصر هي الأبقي، وأمن مصر وشعبها هو الأهم، أما التعامل بمنطق ليس في الامكان أبدع مماكان، فهذا يعني أننا نجور علي الحقائق ونزين الاكاذيب.
إن النظام مطالب بالتغيير الفوري والعاجل والسريع، فالطوفان قادم وإذا لم تغيروا فحتما سيحدث التغيير، ولكن الثمن سوف يكون كبيراً ومؤلما للجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.