هل لثورة25 يناير بعدها العربي النابع من انتماء مصر العربي وموقعها القيادي في المنطقة؟ أم أنها ثورة محلية تنحصر مطالبها في إقامة نظام ديمقراطي جديد بدلا من النظام السلطوي الفاسد الذي نجحت في إسقاطه؟ إن المتابع للشعارات التي رفعتها الثورة خلال الأيام ال18 الأولي يجدها قد انصبت كلها علي المطالب المتعلقة بإصلاح الحياة السياسية من فساد الحكم سواء في جانبه السياسي أو المالي, حيث وجدنا الثورة تطالب مثلا بالحرية وبالكرامة الإنسانية وبالعدالة الاجتماعية, وهي كلها خطوات تؤدي في النهاية إلي نظام ديمقراطي حديث يساير معطيات العصر ويليق بمكانة مصر الحضارية. لكن علينا ألا ننسي أن أهم المطالب التي عبرت عنها الثورة بشكل واضح وقاطع كانت إسقاط النظام القائم والذي عبر عنه الهتاف الذي كان أعلي وأجرأ هتافات الثورة وهو الشعب يريد إسقاط النظام, وحين طالبت الثورة بإسقاط النظام فهي لم تطالب فقط بإسقاط سياسته القمعية وفساده المالي, وإنما طالبت في الحقيقة بإسقاط ما كان يمثله ذلك النظام من منظومة سياسات متكاملة داخليا وخارجيا اعتمدت في الداخل علي الابتعاد عن المصلحة العامة وخدمة المصالح الشخصية لدوائر الحكم وأعوانهم, وفي الخارج علي الابتعاد عن الدور القيادي لمصر في الوطن العربي وأفريقيا والعالم الثالث وخدمة المصالح الغربية/ الإسرائيلية. وأذكر منذ بضع سنوات حين التقي الرئيس السابق حسني مبارك بالمثقفين في افتتاح معرض الكتاب أن كان من ضمن المتحدثين زميلنا العزيز المفكر الراحل محمد السيد سعيد والذي طرح علي الرئيس أن تقدم مصر علي خطوة ما تتعلق بالقضية الفلسطينية قائلا: الو أنك فعلت ذلك لدخلت التاريخ يا سيادة الرئيسب, لكن الرئيس رد عليه أمام الجميع قائلا: أنا لا عايز أدخل تاريخ ولا جغرافيا, فكان في ذلك أبلغ وصف لحكم كرس وقته علي ما يبدو لجمع المال, لكن المشكلة كانت أن الذي خرج بذلك من التاريخ والجغرافيا معا لم يكن الحكم وحده وإنما الدولة القيادية التي كان يحكمها, فتقلص دور مصر التاريخي في الوطن العربي وانحصر في الإنابة عن الجانب الإسرائيلي في المحادثات مع حركة حماس الفلسطينية وتضاءل موقعها الجغرافي الحاكم فوجدت من كادوا يمنعون عنها شريان الحياة ذاته من خلال أزمة مياه النيل. من هنا فإن الثورة علي نظام مبارك هي في واقع الأمر ثورة علي كل ما مثله هذا النظام من سياسات في الداخل والخارج, ولم يكن من قبيل المصادفة أنه في الوقت الذي غني الشعب لوزير الخارجية الأسبق عمرو موسي فإن خروج أحمد أبو الغيط من وزارة الخارجية كان من بين المطالب الملحة للثورة. ولقد زارني منذ أيام السيد كمال شاتيلا رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني الذي قال لي: لقد كتبت مقالا أثناء أيام الثورة بعنوان عروبة الثورة فكيف تبينت ذلك في وقت كانت كل الشعارات المرفوعة في ميدان التحرير تتحدث عن الشأن الداخلي؟, قلت: الذي نبهني للبعد العربي للثورة هو احتضان الجماهير العربية لها, وأنه ليس من الممكن أن ينصلح الشأن الداخلي إذا ظلت سياستنا الخارجية علي ما كانت عليه من انصراف عن الشأن العربي أدي إلي غزو العراق وتقسيم السودان وتفكيك لقضية الفلسطينية وتراجع عربي شامل أصبح يهدد مستقبل المنطقة بأسرها, بالإضافة لقطيعة غير مبررة مع إيران وغيرة عاجزة أمام تركيا وصداقة خفية مع إسرائيل. وقلت للقيادي اللبناني إن قراءتي للثورة وتوجهاتها تشير إلي أن إصلاح كل ذلك لم يكن من الممكن أن يتم إلا بإصلاح البيت من الداخل, لكن إصلاح الخارج كان آتيا بلا شك. ولقد قرأت أخيرا لوزير خارجية فرنسا الأسبق هوبير فدرين مقالا في جريدة الفاينانشال تايمز البريطانية يؤكد فيه أن ثورة25 يناير في مصر لن تؤدي إلي صعود الإسلام السياسي كما يخشي البعض وإنما ستؤدي علي حد قوله إلي قومية عربية جديدة غير شوفينية تتواءم مع معطيات العصر الحديث ونابعة من الشعور بالفخر الذي ولدته الثورة ليس في مصر وحدها وإنما في جميع أرجاء الوطن العربي الذي شعر أنه استرد كرامته في ميدان التحرير بالقاهرة فبدأ يشعر بقيمته كشعب أصيل صاحب حضارة عريقة. ولا شك أن فيدرين أدرك مثلنا جميعا أن مصر لا يمكن أن تنفصل عن محيطها العربي الذي هو مجالها الحيوي ولا يمكن للوطن العربي أيضا أن ينفصل عن مصر, وقد بدأ اهتمام الشعوب العربية بما يحدث في مصر واضحا منذ أيام الثورة الأولي حيث خرجت مظاهرات التأييد في جميع العواصم العربية بلا استثناء تهتف باسم مصر وينشد بعضها النشيد الوطني المصري. ولم تمض علي زيارة الصديق اللبناني العزيز أيام معدودات وكانت جموع الثورة التي تجمعت في ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي8 إبريل تتوجه إلي مقر السفارة الإسرائيلية بالجيزة لتعلن عن غضبها من الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة علي قطاع غزة مرددة هتافات لها دلالاتها مثل: ارفعي رأسك يا فلسطين.. يا غزة جايينلك جايين!ب, وفي قلب ميدان التحرير حرص الشباب علي تقديم الاعتذار عن الأحداث المؤسفة التي شهدها استاد القاهرة فيما عرف بموقعة الجلاليب, وأكدوا أن من فعلوا ذلك ليسوا الشعب المصري الحر وإنما بقايا النظام القديم الذين فعلوا نفس الشئ مع الجزائر بمشاركة قيادية من أبناء الرئيس السابق أنفسهم وبعض العاملين عندهم من الإعلاميين, ووجه الشباب رسالة إلي الشعب التونسي قالوا فيها لقد جمعتنا الثورة ولن تفرق بيننا مباراة كرة قدم. وقد كانت القضية الفلسطينية حاضرة في قلب ميدان التحرير حيث تم حرق العلم الإسرائيلي بينما رفرفت أعلام فلسطين وتونس وليبيا وسوريا واليمن جنبا لجنب مع العلم المصري وردد المتظاهرون: واحد واحد واحد.. الشعب العربي واحد! وارتفعت لافتات تقول: أنا مصري, ثورتي تونسية, وإصراري ليبي, ودمي سوري, وصمودي يمني, وحلمي فلسطيني. المزيد من مقالات محمد سلماوي