كان من المفترض مع بدء المرحلة الأولي للانتخابات النيابية المقررإجراؤها غدا أن تعم ربوع مصر حالة احتفالية,احتفاء بالانتقال لمرحلة تأسيس الدولة الحديثة الثانية في تاريخ مصر الحديث وبدء تحقيق الاستقرار السياسي وسيادة القانون وتنظيم العلاقات والمسئوليات بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية, و التقدم نحو تحقيق الحريات الأساسية للمواطن علي أساس المساواة بين جميع الأشخاص والفئات والطبقات و تأسيس نظام يستطيع فيه الشعب أن يستبدل الإدارة الحاكمة و يغير السياسات دون عنف, طبقا للأسس الدستورية. ولكن و مع استمرار الأحداث الدامية التي شهدتها مصر خلال الأسبوع الماضي والتي ألقت بظلالها الكئيبة علي كل المصريين, و أثارت حالة من الترقب و القلق حول مستقبل مصر و ما قد تحمله الأيام القادمة من تداعيات سلبية,تلاشت الأجواء الاحتفالية سواء التقليدي منها أو ما استجد نتيجة للتوقعات و المتغيرات التي كانت تشير في مجملها لمشاركة غير مسبوقة في الانتخابات سواء من جانب الأحزاب والقوي والتيارات السياسية المختلفة أو من حيث العدد المتوقع من الناخبين الذين سيدلون بأصواتهم في انتخابات تنافسية حرة, و ظهر علي السطح الكثير من السيناريوهات المحتملة و التساؤلات حول إمكانية إجراء الانتخابات و تأمينها أمنيا في ظل استمرار تصاعد الأحداث والمواجهات العنيفة التي لا تزال مستمرة حتي اللحظة,( صباح السبت). ومع ذلك,و سواء تمت الانتخابات في توقيتها المحدد أم تم تأجيلها لأيام, سيظل السؤال الملح خلال الأيام, بل و الشهور القادمة,و لحين الوصول للانتخابات الرئاسية, في ظل الأجواء التي عاشتها مصر مؤخرا وفي سياق وجود قوائم طويلة تكتظ بأسماء غير معروفة للناخبين, هو كيفية تأمين صوت الناخب ليمنحه لمن يستطيع بالفعل أن يعمل لصالح مستقبل مصر, و ليس للأعلي صوتا أو لمحترفي اللعبة الانتخابية. ولأن الديمقراطية ليست مجرد كلمة نرددها حال الرغبة في الوصول للسلطة ثم ما نلبث أن ننقلب عليها بمجرد انتهاء مراسم التنصيب, و لأن الديمقراطية لا تبدأ أو تنتهي أمام صناديق الانتخاب و إنما يسبقها و يتلوها طريق طويل تتشكل معالمه عبر ثقافة حقيقية تحول الديمقراطية لممارسة يومية في كل بيت وشارع و مؤسسة مصرية, ولأن الديمقراطية شكل من أشكال الحكم يقوم أساسا علي اشتراك الشعب في حكم نفسه و تداول السلطة و انتقالها سلميا, الأمر الذي يعني وجود معسكر فائز و آخر خاسر, فمن العبث أن نتصور أن الانتخابات الحرة النزيهة وحدها كفيلة بتحقيق الشرعية السياسية والتحول الديمقراطي السلمي في المجتمع. و بتعبير أوضح قبول الحزب الخاسر ومؤيديه بحكم الناخبين وسماحهم بالانتقال السلمي للسلطة, مع اعتراف الحزب الفائز بوجود الآخر و دوره الشرعي في ممارسة المعارضة و تشجيع المجتمع علي تبني قيم التسامح و المشاركة و الكياسة في إدارة النقاش و تغيير أساليب المؤسسات السياسية و الخدمات المدنية, وكلها أمور لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تحقيق نقلة ثقافية حقيقية تبدأ من مرحلة ما قبل عملية التصويت في الانتخابات للتخلص من السلبية وكل موبقات العملية الانتخابية التي رصدها الحكيم في يوميات نائب في الأرياف في ثلاثينيات القرن الماضي, و ظلت تلاحق الناخب المصري حتي انتخابات العام الماضي, و تكتمل بقبول وجود الآخر و دوره كمعارضة مشروعة يحتاجها المجتمع و تفرضها طبائع الأشياء و البشر. فالديمقراطية التي تتعدد أشكالها, طبقا للمرجعيات و الأدبيات السياسية, لا تقتصر علي مجرد استكمال العملية الانتخابية أو مرورها بسلام و اعتبار التصويت غاية في حد ذاته بقدر ما هي إدراك لحقيقة أن الصناديق و التصويت مجرد آلية لابد أن تمتد جذورها في التربة المصرية لتحقيق التغيير المطلوب وبناء ثقافة مجتمعية جديدة. وحول قضية التصويت وثقافة الشارع المصري و الطرق التي تضمن اختيار أفضل المرشحين في الانتخابات و تاريخ الانتخابات في العالم نطالع السطور التالية..