ليست مصادفة مذهلة تلك المشاهد المأساوية التي يشهدها الشارع الأكثر سخونة في قلب القاهرة, بل إنه تاريخ أسود من العنف والقتل والجبروت يعيد كتابة فصوله من جديد وفي مفارقة كبري تربط بين صاحب الشارع محمد محمود وزير الداخلية ذي القبضة الحديدية وبين تلك المشاهد المذهلة في قلب الشارع الذي سمي علي اسم الرجل الذي ارتبط اسمه بثورة1919, واعتقله الإنجليز مع سعد زغلول واسماعيل صدقي وحمد الباسل ونفي في مالطا فقامت الثورة. العلاقة الشائكة بين المكان والزمان وصاحب الشارع تبدو جلية هنا في صورة ذلك الطوفان الهادر الذي يعصف في قسوة- غير محتملة- بتلك السجالات السلمية لأبناء ثورة25 يناير في زحفهم المقدس نحو بوابات الحرية, لكن حربا ضروسا دارت رحاها في قلب الشارع الذي يربط بين الميدان ووزارة الداخلية, واستطاعت جحافل الشرطة في معركة انتقامية أن تفتك- للأسف- بأرواح العشرات من الشهداء, وأصابت الآلاف بالكسور وفقأت عيونا مازالت تتطلع لنهار جديد, حتي حاصرتها سيول من القنابل المسيلة للدموع لتغرق ميدان التحرير والشوارع المحيطة في سحب من الدخان لأيام متتالية دون توقف في محاولة لإجهاض ثورة سلمية لم تهدف في جوهرها سوي الوصول إلي أمل في غد أكثر إشراقا يليق بملايين المصريين. يذكر التاريخ لمحمد محمود باشا بأنه أول من نادي بضرورة تشكيل وفد في سبتمبر1918 للمطالبة بحق مصر في تقرير مصيرها. كما يذكر له أيضا أنه تولي منصب وزير الداخلية في عام1928 وحين كلف برئاسة الوزارة إحتفظ لنفسه بمنصب وزير الداخلية وبدأ أعمال الوزارة بحل البرلمان الوفدي وإقالة الموظفين الوفديين وسيطر علي الإنتخابات واستمر في فرض سياسة القوة علي مدار4 وزارات شكلها محمود. يبقي لرجل القبضة الحديدية أنه استطاع أن يورث عنفه المفرط في التعامل مع أبناء شعبه لتلامذته من ضباط الداخلية الذين تحلوا بذات رباطة جأشه وجبروته وهم يطلقون الرصاص المطاطي والخرطوش علي عيون أبناء الوطن في محاولة جديدة لإعادة كتابة فصول جديدة من تاريخ الدم والدموع علي رصيف الحرية....هذا هو الشارع وذاك هو الوزير.