المشروعات العظمي والكبري في تاريخ الأمم والشعوب تبدأ بفكرة خلاقة أو ربما حلم جميل.. هكذا بدأت الفكرة لشق قناة السويس قبل أكثر من قرنين من الزمان لربط البحرين الأحمر والمتوسط. لكن الأمر توقف عند تحويل القناة الي ممر ملاحي فقط لعبور الشاحنات بين شمال وجنوب الكرة الأرضية دون الاستفادة الاقتصادية من التنمية علي جانبي القناة. وقد جاءت الفكرة لاستكمال هذه المسيرة من الخبراء الذين قالوا كلمتهم هذا الاسبوع عبر جلسات المؤتمر الدولي للنقل البحري واللوجستيات تحت مظلة الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري. المؤتمر الي جانب رسالته الاقتصادية فقد أرسل رسالة أخري وفقا لماقاله الدكتور أحمد أمين مدير مركز البحوث والاستشارات والدكتور أكرم سليمان مدير معهد المواني وهي أن الحضور والمشاركة الدولية الواسعة من الدول العربية والأوروبية كان بمثابة تأكيد علي أن مصر مازالت جاذبة لرؤوس الأموال والاستثمارات. الدكتور أمين أضاف أن المؤتمر كان يركز علي محورين أساسيين هما طرح كافة التصورات العلمية والمالية والاقتصادية من جانب الخبراء والمتخصصين للمشروع القومي الذي تتبناه الحكومة حاليا لتنمية محور قناة السويس ويمثل طوق النجاة للاقتصاد المصري. أما المحور الثاني فقد ركز علي التحديات التي تواجه الملاحة في قناة السويس خاصة في ضوء مايتردد علي إقامة قنوات بديلة ووسائل نقل برية تؤثر علي مرور السفن بالقناة. المؤتمر شهد حضورا مكثفا من جانب المسئولين في مقدمتهم الدكتور حاتم عبد اللطيف وزير النقل وعدد من مستشاريه في مقدمتهم الدكتور وليد عبدالغفار المسئول عن ملف تنمية محور القناة بالاضافة الي الفريق مهاب مميش رئيس هيئة القناة والدكتور اسماعيل عبد الغفار رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري الذي ألقي الكلمة الافتتاحية في المؤتمر أكد خلالها ان مشروع تنمية محور القناة لا يهم مصر فقط, بل يهم المنطقة العربية وينعكس إيجابيا علي تيسير منظومة التبادل التجاري علي مستوي المنطقة, بل والعالم. وقال عبد الغفار ان خبراء الأكاديمية لديهم إمكانات هائلة لتقديم المشورة الفنية والخبرات ليس لهذا المشروع فقط, بل لقطاع النقل واللوجستيات بصفة عامة. وقد جاءت كلمة الدكتور حاتم عبد اللطيف لتضع النقاط علي الحروف عندما أكد ان الاستثمارات المتوقعة لمشروع تنمية القناة تقترب من002 مليار دولار وتوفر مايقرب من مليون فرصة عمل. وقال ان هذا المشروع يمثل طوق النجاة للاقتصاد المصري مؤكدا ان هناك ارادة سياسية علي المضي قدما في تذليل كافة العقبات لسرعة إنجاز المشروعات المطروحة في هذا المحور. ويأتي في مقدمتها التشريعات والقوانين التي تقدم التيسيرات واختصار الإجراءات بمنتهي المصداقية والشفافية للمستثمرين والشركات العربية والأجنبية إلي جانب المحلية بطبيعة الحال. وأشار الوزير الي اننا لن نبدأ من الصفر في هذا المحور, بل هناك بالفعل مشروعات تم طرحها وفي مقدمتها محطة جديدة للحاويات بمنطقة شرق بورسعيد ويجري الاعداد لتنفيذ محطة تخزين الوقود وتموين السفن الي جانب بعض المشروعات اللوجستية الأخري والتي يتم تجهيزها حاليا تمهيدا لطرحها. الدكتور وليد عبد الغفار رئيس الأمانة العامة لمشروع تنمية محور القناة ومستشار وزير النقل قدم عرضا موسعا للمشروع أمام المشاركين في المؤتمر وصفه بمشروع القرن وأقترب أكثر من التفاصيل التي تحدث علي الأرض الآن فقال إنه منذ الاعلان عن هذا المحور والطلبات واللقاءات من جانب المستثمرين محليا وعالميا لا تتوقف طلبا للحصول علي الأراضي المخصصة لاقامة مشروعات, أو الاستفسار عن كيفية الدخول في هذه الأنشطة. وأضاف ان المشروع واعد بالفعل وهناك خطة موسعة للترويج له محليا وعالميا من خلال لقاءات طلابية بالجامعات والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني إلي جانب المؤتمرات الاقتصادية في مصر والعالم, موضحا أن الترتيبات التشريعية والقانونية تتم حاليا علي قدم وساق لتحديد الاطار القانوني وجميع التفاصيل المتعلقة بالتعامل مع رجال الأعمال والمستثمرين وتحديد أدوار المسئولين عن المشروع منعا للتضارب. وناشد عبد الغفار أهالي ومواطني مدن القناة في السويس وبورسعيد والاسماعيلية الهدوء وتوفير الاستقرار بهذه المنطقة الحساسة حتي يطمئن المستثمرون علي مشروعاتهم خاصة أن أول المستفيدين من تلك المشروعات وأعمال التنمية هم أبناء مدن القناة. كما ألقي الفريق مهاب مميش رئيس هيئة القناة كلمة أكد خلالها أن هذا المركز الاقتصادي العالمي سوف يحتاج الي مواني محورية ومطارات تجعل من منطقتي بورسعيد وشمال غرب خليج السويس ومنطقة وادي التكنولوجيا بالاسماعيلية مناطق جاذبة. وقال ان القيادة السياسية بادرت بتبني هذه الأفكار وتم تكليف عدة لجان لاعداد المخطط العام للمشروع, وهناك اقتراحات لإنشاء هيئة مستقلة لتنمية المشروع, مؤكدا ترحيب المسئولين بقناة السويس واستعدادهم لتقديم الخبرات والمساهمة بالتمويل في بعض المشروعات خاصة بناء واصلاح السفن والخدمات الملاحية والبحرية وإنشاء وتشغيل محطات المياه وغيرها من الأنشطة الحيوية المرتبطة بالمشروع. المشروع بطبيعة الحال سواء فيما يتعلق بمحور التنمية أو الملاحة بقناة السويس يواجه تحديات كبيرة حددها الدكتور مصطفي رشيد رئيس قسم النقل واللوجستيات بكلية النقل الدولي في عدد من المخاطر يأتي في مقدمتها اعتزام اسرائيل إقامة قناة بين خليج العقبة والبحر المتوسط الي جانب تهديد الملاحة في باب المندب بسبب القرصنة, بالاضافة الي الخطر المستمر بإغلاق مضيق هرمز, وهو مايؤثر علي حركة ناقلات البترول القادمة الي قناة السويس من دول الخليج العربي إلي أمريكا وأوروبا. كما تشمل هذه التحديات المنافسة مع قناة بنما بالنسبة لتجارة دول شرق آسيا خاصة بعد تطوير الممر الملاحي لاستقبال السفن العملاقة القادمة عبر المحيط الهادي الي الساحل الغربي للولايات المتحدةالأمريكية الي جانب المحاولات الروسية لفتح ممرات ملاحية عبر القطب الشمالي بعد ارتفاع معدلات ذوبان الجليد. وبين الأمنيات والتحديات تظل الارادة السياسية لانجاز هذا المحور التنموي علي الأرض هي الفيصل في كتابة تاريخ جديد لمنطقة قناة السويس.