منذ تفجرت أزمة الانهيار المالي تتردد مقولة مفادها أن هناك دولا أو مؤسسات أو بنوكا أكبر مما يسمح لها أن تفشل, ولكننا أمام مقولة أخري وهي أن هناك دولا أصغر مما يمكن تجاهلها. فقد تحولت قبرص إلي جزيرة تتحرك بقنبلة موقوتة أيقظت هواجس انهيار منطقة اليورو, وتهدد تداعياتها بعواقب تتجاوز حدودها الجغرافية لأنها تقع في منطقة مشتعلة بالأزمات وتتقاطع وتتصادم فيها المصالح العسكرية والدبلوماسية والمالية والصراعات علي مصادر الطاقة لعدة قوي كبري. مشكلة قبرص هي انتهاجها نموذجا تمحور حول كونها ملاذا ضرائبيا لرءوس أموال هاربة بحيث أصبحت دولة يمثل ناتجها القومي ربعا في المائة من اقتصاد منطقة اليورو فقط محملة بنظام مالي تضخم إلي ثمانية أمثال اقتصادها وتشكل الأموال الأجنبية والروسية بصفة خاصة40% من ودائعها, وحين تكشفت مواقفها بسبب الأزمة المالية وخفض الديون اليونانية اصبحت الحكومة غير قادرة علي إنقاذها دون أن تسقط في الهاوية ذاتها. الأزمة تفاقمت أيضا بسبب سوء إدارة قادة منطقة اليورو برفضهم ضخ الأموال مباشرة للبنوك وخرقهم تعهدا راسخا بعدم المساس بالودائع المؤمن عليها, وتفضيل الرئيس القبرصي حماية مصالح المودعين الروس لأسباب سياسية علي تحقيق توافق مجتمعي علي خطة للخروج من الأزمة. سواء تم الاتفاق علي مقترحات بديلة لتمرير حزمة إنقاذ أوروبية بقيمة عشرة مليارات دولار تتضمن فرض ضرائب علي الودائع فوق مائة ألف يورو أولا, فالضرر قد وقع لأن الشكوك في احترام تعهدات مصرفية لن تزول, والبحث القبرصي عن نموذج بديل للنمو لن يكون سهلا. لكن عدم استقرار قبرص له تداعياته السياسية, فموسكو ستغضب إذا لحق الضرر بالاستثمارات القبرصية الهائلة في روسيا, وأي حل يرتبط برهن إيرادات الجزيرة من حقول الغاز المكتشفة حديثا والمتنازع عليها سيغضب أطرافا أخري مثل: اسرائيل وتركيا واليونان, ودول عربية في شرق البحرالأبيض المتوسط. من ثم فإن أي حل يجب أن يتجاوز أزمة النظام المصرفي ويضمن عدم سقوط قبرص في الهاوية. لمزيد من مقالات سجيني دولرماني