من يري ما يحدث في مصر الآن لابد ان يصل إلي نتيجة يشاركه فيها الجميع, وهي أن مصر تعيش فترة من أسوأ فتراتها, بل هي أكثر انهيارا مما حدث في زمن نكسة1967, وبدلا من الحلم بالتغيير إلي الأفضل تراجعنا إلي عصر المماليك. من علامات الدولة وجود القانون, وتختلف الدول في مدي تطبيقه علي الجميع فكلما تقدمت الدولة كان القانون سيفا مصلتا علي الجميع يخضعون له بلا تفرقة, وكلما تخلفت الدولة كان القانون يطبق بالهوئ ولكنه موجود ويكون الكفاح أن يطبق القانون علي الجميع, أما مصر فهي الآن خارج القانون, حيث لا أحد يهتم أو يأبه بالقانون, بداية من السير عكس الاتجاه في الطرق ومرورا بقتل الجماهير المحتشدة لبعض اللصوص والبلطجية كما حدث من قيام أهالي قرية بالغربية بضرب لصين وتعليقهما علي شجرة حتي الموت, وحدث مثل ذلك من أسابيع في بني سويف ومنذ قبل ذلك بالطالبية في الجيزة, وهناك العديد من قصص قتل الجماهير المحتشدة للبلطجية والشرطة تصل بعد نهاية العرض, وكل من قرأ التاريخ يدرك أن التطور الطبيعي لذلك هو الانتقال من قتل المؤكد أنهم بلطجية إلي المشكوك فيهم, حيث يصبح عاديا استباحة الدم وصولا إلي أن تمارس كل جماعة قتل كل من يختلف معها. وتحولت مصر كلها إلي دولة خارج القانون أو بمعني أكثر صدقا تجمعات بشرية خارج القانون حيث انهارت الدولة. فالأرض الزراعية التي لا تكفينا تتحول إلي مبان رغم القانون, ومن يريد البناء يفعل ذلك ولا يكلف خاطره الحصول علي رخصة وفقا للقانون, الآثار تنهب وأراضي الآثار يستولي عليها دون خوف من قانون, عصابات تتشكل وتفرض سيطرتها علي المناطق ودليلا علي ذلك مناقشة لجنة الأمن القومي بمجلس الشوري في17 مارس شكوي ملاك الأراضي بمنطقة سهل الطينة وبشرق التفريعة وبمرسي مطروح من البلطجية الذين يفرضون عليهم الإتاوات ويخطفون أبناءهم, بل ويستولون علي الأراضي,وحتي لا يحاول أحد طمأنة نفسه بأن ذلك يحدث في المناطق غير المأهولة. وحيث إن مصر أصبحت خارج القانون فلم تعد هناك سيطرة علي تصرفات أحد, فمن يملك القدرة علي فعل ما يريد فليفعله دون خوف من حكومة تتصدي له, فالحكومة أصبحت من العجز بحيث لم يعد لها وجود فعلي, فهي غائبة بكل أجهزتها عما يحدث في كل ربوع مصر, والأمثلة علي ذلك كثيرة وتزداد مع كل يوم ومن ذلك: الإضرابات والتهديد بالاعتصامات وقطع الطرق والسكك الحديدية, والتعيين بالقوة من خلال إيقاف العمل مثلما يحدث في محطات الكهرباء, ولا تجد الدولة مفرا من عجزها إلا تعيين هؤلاء الذين فرضوا إرادتهم علي الجميع, مما يعطي مثالا لكل العاطلين بأن هذا هو طريق التعيين,فهل هذه حكومة؟ وهناك الاستيلاء علي الشوارع التي تحولت إلي مرتع للباعة الجائلين الذين يمارسون خلافاتهم بمعارك الأسلحة النارية والبيضاء دون حساب لما يسمي بالسلطة, بل تجرأ سائقو الميكروباص علي إحداث شلل مروري بكل القاهرة وإجبار سائقي الأتوبيسات العامة بالتوقف لأجل تنفيذ ما يريدون دون أن تكون هناك سلطة تتسول منهم التوقف عن ذلك وليس أن تردعهم, ومن علامات عدم وجود الدولة أن أهم ميادين العاصمة وهو ميدان التحرير خارج السيطرة وتحت حكم مجموعة من البلطجية, وتخاف الحكومة من مواجهتهم حتي لا تتهم بالتصدي للثوار, أهناك عجز وفشل أكثر من ذلك؟ ومن المآسي التي ستزداد ما حدث من معارك بين قريتين في الدقهلية علي أولوية الحصول علي السولار وما نتج عن ذلك من سقوط قتلي ومصابين وإحراق منازل, بل كان مأمور المركز من المصابين, أما ما يفعله ما يسمي بالألتراس فهو نموذج للدولة الفاشلة لم يحدث مثله في العصر الحديث, حيث السلطة تخشي مواجهة صبية يحتاجون إلي من يعلمهم السلوك السوي مما يجعلهم يتمادون في أفعالهم دون اهتمام بمصالح المواطنين, ووصلت الفوضي إلي مستوي غير متوقع بإعلان مسئول عسكري أن هناك جماعات تنتحل صفة العسكريين في السويس ولذلك تم تغيير ملابس الجنود, وان الجيش رصد محاولات البعض لتحويل اتجاه ترعة السلام, وهكذا وصلت الفوضي إلي مستويات غير متوقعة, فبعد الاستيلاء علي أرض الضبعة وضياع مشروع المحطة النووية ها هي ترعة السلام بكل ضخامتها يحاول البعض تحويل اتجاهها, وهو ما يجعلنا نسأل ماذا نفعل بعد السقوط الفعلي للسلطة. ومن الغريب أن من يحكمون لا يفهمون مغزي ما يحدث, فهم لا يدركون أنهم جزء من المشكلة وإنهم مخطئون في اعتقادهم أن الانتخابات هي الحل, فهي ستؤدي إلي المزيد من التدهور وعليهم مراجعة مواقفهم السابقة, حيث اعتقدوا أن الانتخابات والرئاسة والدستور خطوات علي طريق الاستقرار فأدت إلي المزيد من المشاكل, وعليهم أن يدركوا أن مخططهم بالاستيلاء علي المؤسسات سينتهي إلي هدم الدولة بمؤسساتها, لذلك فالخطوة الأولي لابد, ان تكون منهم بالعودة إلي شعارهم الذي تناسوه المشاركة وليس المغالبة. لمزيد من مقالات د. محمد صفوت قابل