يشعر المواطن المصري العادي الآن بحيرة شديدة مما يحدث أمامه من صراعات ومبادرات وحوارات لم تأت له بأي جديد بعد عامين من الثورة التي كانت بمثابة طوق النجاة له بعد سنوات عاشها تحت القهر والاستبداد والعناد. واليوم تعود هذه الثلاثية ليعاني منها المصريون( القهر الاستبداد العناد); فبعد أن ظن الشعب أنه شارك في عملية ديمقراطية ستفرز له مجلسا نيابيا قادرا علي إصدار التشريعات التي تعيد إليه كرامته وتحقق له العدالة الاجتماعية المنشودة, جاءوا إليه ببرلمان مشكوك في شرعيته وتم حله, وبعد أن استفتي علي دستور ظن أنه سيحمل له الخير والاستقرار إذا به يجده دستورا يحمل الكثير من العورات, وخرج الكثيرون ينادون بسقوطه وسقوط اللجنة التي وضعته كرها!. لقد كان المصريون يثورون طلبا للحرية والعدالة والكرامة, وإذا بهم يجدون أنفسهم وقد وقعوا في فخ سلطة لا ترحم; فقد كان السحل والتعذيب من قبل يتم في غياهب السجون ولا يراه أحد, والآن يتم في الشارع وأمام أعين كاميرات التليفزيون والفضائيات, إن الظلم زادت حدته إذن وأصبح لا يخشي الظالمون من العقاب لدرجة أنهم يمارسون الظلم والتعذيب أمام أعين الجميع دون خجل أو حتي الشعور بتأنيب الضمير!!. كيف للنخبة التي انقسمت بين مؤيد ومعارض أن تتناسي مصلحة مصر والمصريين إلي هذه الدرجة التي تكاد الدولة المصرية فيها أن تسقط!! كيف لهذه النخبة أن يغيب عنها الإحساس بما يعانيه الشعب المصري من مهانة وكآبة وفقر يزداد يوما بعد يوم!! كيف لهذه النخبة أن يغيب عنها صوت العقل والمنطق فتترك البلاد نهبا للبلطجة وأعمال العنف والقتل وخربي الذمم الذين يغالون في الأسعار ويغتالون أبسط حقوق المواطن في رغيف خبز جيد وحفنة من الفول وقدر من الزيت والسكر والغاز أو البوتوجاز... إلخ. يا أيها السيد الذي أصبحت رئيسا ويا أيها السادة الذين أصبحتم سدنته ومستشاريه ووزراءه, إن الشعب لا يطلب منكم سوي المأكل والمشرب جزاء عمله ليل نهار, إن الشعب لا يطلب منكم إلا أن تهيئوا له الحال للعمل والإنتاج شرط أن يلقي أجره العادل عن العمل, إنه لا يطلب منكم سوي أن يجد عملا شريفا بدلا من البطالة والفقر الذي يعاني منه, إنه لا يطلب منكم ببساطة إلا الستر فكيف تسمحون لأنفسكم بتعريته وسحله, بدلا من أن تطعموه وتكسوه؟! إن دعوة الإنسان المصري صباح مساء هي الستر والصحة فأين الإنسان المصري منهما, لقد أنهكتموه وضيعتم حقوقه ولم تعملوا للحظة منذ أن تسلمتم السلطة لحل أي مشكلة من المشكلات التي يعاني منها! يا أيها السادة اعملوا لمصلحة الشعب أو ارحلوا يرحمكم الله بدلا من أن يأتي اليوم الذي تلاقون فيه نفس مصير سابقيكم بل سيكون بالتأكيد أشد إيلاما وأشد وطأة!!. أما أنتم أيها السادة المعارضون فقدموا البديل الحقيقي لما يجري الآن من سياسات متخبطة وقرارات عشوائية, قدموا خططا اقتصادية بديلة يأمل معها المصريون في تحقيق التقدم بدلا من المؤتمرات واللقاءات الصحفية والتليفزيونية, قدموا البديل لهذه الحالة الجامدة التي توقفتم عند عتبتها دون أن تتقدموا إلي الأمام, أو حتي تتراجعوا إلي الخلف لإعادة النظر وتقديم البدائل. يا أيها السادة انزعوا عنكم هذه الملابس الرسمية وانزلوا إلي الشارع والقري والنجوع وزوروا المناطق النائية وحاوروا سكان العشوائيات لتعرفوا أن مطالب أغلبية الشعب الآن ليست سياسية بل هي لقمة عيش تقيم الأود وأربعة جدران وغطاء يلتحف به من هذا البرد القارس الذي زاده برودة فقدان الأمل الذي كان يراوده منذ عامين, فبدا له اليوم أنه كان سرابا بعيد المنال, بعد السماء عن الأرض!!. يا أيها السادة النخبة حكاما ومعارضة, اتقوا الله في وطن أعزكم فأهنتموه, اختار أن يضحي معكم لصنع المستقبل الأفضل, فانقلبتم عليه وأضعتم مستقبله ومصالحه وسط خلافاتكم التي لا تنتهي! يا أيها السادة النخبة المتحدثون في وسائل الإعلام المختلفة اتقوا الله فيما تقولونه عن جهل في كثير من الأحيان بواقع هذا الشعب الصابر ومطالبه, احرصوا علي قول الحقيقة والتعبير الجاد عن واقع هذا الشعب وطموحات أبنائه. لقد كاد الشعب يفقد ثقته في حكامه ونخبته علي حد سواء, وكادت مصر تفقد ريادتها وعوامل قوتها الخشنة والناعمة علي حد سواء, أرجوكم اجلسوا علي مائدة حوار واحدة وأبعدوا طموحاتكم ومصالحكم الشخصية, وضعوا فقط مصلحة الوطن وعموم الشعب المصري أمامكم, وحينئذ سيكون للحوار نتائجه وسيكون تحقيق هذه النتائج علي أرض الواقع مسئولية الجميع, والشعب هو المراقب والضامن, وهو الذي سيقيم ويحاسب, وأحذركم من غضبة هذا الشعب الصابر الصامد العظيم الذي يكاد يصرخ فيكم: أليس بينكم رجل رشيد؟! يا سيدي الرئيس ماذا سيضيركم إذا أعدتم تشكيل الوزارة ليرأسها شخصية مستقلة وبوزراء مستقلين أكفاء بعيدا عن الانتماءات الحزبية بعد الفشل الواضح للوزارة الحالية؟! ماذا سيضيركم لو أصدرتم قرارا بتشكيل لجنة من عمداء كلية الحقوق بمصر وأساتذة القانون الدستوري فيها لمراجعة الدستور وتلبية مطالب الناس فيه حتي يلقي الاجماع الوطني؟! ماذا سيضيركم إذا أكدتم إيمانكم بالحرية والديمقراطية حقا بالإفراج عن كل المعتقلين السياسيين منذ تولي سيادتكم الحكم؟! أعتقد أنه علي العكس تماما فأنتم ستكونون الرابح الأكبر إذ سيهدأ الشارع السياسي وستزداد شعبيتكم وربما يقتنع الناس حينها أنكم قد أصبحتم رئيسا لكل المصريين بحق؟!! وربما يلتف الناس حولكم وحول حزبكم لتحقيق النهضة التي دعيتم إليها ولم يتحقق منها شيء حتي الآن؟!.