إلي أين سيصل بنا هذا الصراع؟ سؤال يفرض نفسه علي الساحة المصرية بقوة منذ بدء الجمهورية الثانية للدولة, فما جري من أحداث دامية قبل تولي الرئيس المدني المنتخب. كانت حوادث متفرقة بينها فترات زمنية ومبرراتها متعددة بغض النظر عن الموافقة أو الاعتراض عليها, لكن لماذا تكررت وتواصلت في الوقت الذي اعتقد الجميع انه وقت بدء البناء وتحقيق الأهداف التي ثار الشعب من اجلها, هذا هو السؤال, لكن أحدا لم يجب عليه حتي الآن, و انتظار الإجابة يبدو انه سيستمر طويلا, فلا ملامح في الأفق تبدو مبشرة بقربه, في ظل حالة الاحتقان والتمرد والانفلات التي طالت كل المدن والأجهزة والوزارات ولو بنسب متفاوتة, بفعل قرارات حكومية أقل ما توصف به أنها عشوائية, ساهمت في تزايد ظاهرة قطع الطرق وأعمال السلب والنهب, التي تتساوي فيها الأملاك العامة للدولة والخاصة للمواطنين, فلا قانون يردع ولا ضمير يمنع. وفي ظل هذه الأوضاع لم يجد أفراد الشعب ممن لا ينتمون لتيارات او جماعات او أحزاب وحركات وائتلافات, من يهدئ روعهم ويطمئن بالهم, بعدما تفوق المسئولون علي أنفسهم في فن( الطناش) وكأن الآمر لا يعنيهم رافعين شعار دع الأمور تمر والحياة تسير), ظانين أن النيران ستطفئ نفسها بنفسها دون عناء, وأن الأيام كفيلة بذلك, مستندين إلي ضعف ذاكرة المواطنين, هكذا صورت لهم عقولهم المعطلة, ووافقتهم ضمائرهم النائمة, يتساوي في ذلك كل أطراف اللعبة السياسية من سلطة ومعارضة, بعدما شيد العناد سدا بينهما لا يريد أي منهما أن يحطمه أو حتي يفتح فيه ثقبا ينفد منه بعض من الأفكار التي يمكن أن يقبلها الآخر فتزيد الثقوب اتساعا وينهار السد, وتبدد شمس التقارب الوطني ظلمة الانغلاق علي النفس أو الكيان الواحد. إن إصرار الأطراف علي صم الأذان وإغلاق العيون ونوم الضمائر أمر غير مقبول في هذا الوقت العصيب, فالصراع علي الغنائم سيدمر الأخضر واليابس, ويبدد الحلم الذي عاشه المصريون وثاروا من اجل تحقيقه, وصبروا عامين في انتظار أن يتحول إلي حقيقة وواقع, لكن الأحداث الجارية تشير إلي أنهم استيقظوا مبكرا علي كابوس مفزع, قض مضاجعهم وأرق بالهم, ولبد سماءهم بغيوم سوداء تنذر بما هو أسوأ, في ظل قرارات متضاربة غير مدروسة تثير البلبلة, وتعقد المشكلة, وتزيد الهوة بين المتصارعين, اخرها ماتردد عن منح الضبطية القضائية للمواطنين في ظل احجام الشرطة عن القيام بدورها اعتراضا علي استمرار وزيرها, ومنح هذا الاحجام وتلك الضبطية الفرصة للمتربصين بالوطن والمتخاصمين مع الشرطة, ممن يرون أن لهم ثأرا عندها قصاصه لايكون الا بالقضاء عليها, ولايهم أن كان ذلك علي حساب أمن الوطن او امان المواطن, لأن المتصارعين اجتمعوا علي الايقيمون وزنا لتاريخ بلدهم الذي يتعرض للنهب والتقزيم ويقترب من الافلاس, ويتذلل من اجل الاستدانة, لتدبير امور حياة شعب تجاوز عدده التسعين مليونا, المهم عندهم تحقيق مآربهم, فسارعوا باستغلال قرار الضبطية لتحقق حلمهم القديم في فرض نفوذهم وإرادتهم. الامواج الهادرة التي ترتطم بكل جنبات سفينة الوطن وتهدد باغراقها وهلاك من فيها- الا من رحم ربي يجب ان تتحول الي جرس انذار تسمعه كل الاذان, القابضة علي السلطة واذرعها او المعارضة لها, لتنزل علي صوت العقل وتقبل بالتحاور مع بعضها البعض, من أجل الوطن ولصالح الشعب الطيب المغلوب علي امره, الذي بدأ يتبرم من الاحداث ومن دون شك فأن صبره لن يطول أكثر مما طال وساعتها سيعض الجميع أصابع الندم علي إهدار الفرصة التاريخية التي لاحت امامهم لإحداث النقلة المرجوة في مسيرة وطن يستحق مكانة غير التي وضعوه بأفعالهم فيها, أن الحديث عن المستقبل في ظل الأوضاع الراهنة يبقي ترفا وخداعا, فلا مستقبل الا بالقضاء علي الفوضي ودحر البلطجية, وفرض القانون وانتظام ايقاع العمل وعودة عجلة الانتاج للدوران, لنضمن قوت يومنا بدلا من انتظار( حسنة) دول تسعي الي تجريد بلدنا من ريادتها ومحو تاريخها وسرقة حضارتها, ومن أسف ان نفرا من ابناء هذا الوطن يسهل لها مهمتها, إن الوضع جد خطير, واستمراره هكذا لن يبقي بلدا ولا مغانم ولا حتي متصارعين, وعلي الغافلين أن يفيقوا من غفوتهم ويوقظوا ضمائرهم قبل فوات الاوان.