أخيرا تهاوت حكومة عصام شرف المريضة ولكن أراقت معها دماء الشباب النفسية بثمن بخس بعد أن تم خداع الثوار بكلام معسول من فوق منصة التحرير. ولقد عاش المصريون أياما وشهورا بئيسة يحلمون بالأمن وهم يتعرضون للسلب والنهب وإرهاق الأرواح والأخ عصام شرف يتفرج عليهم ويعدهم ويمنيهم وما كان يعدهم إلا غرورا، حتي انتهي الأمر إلي كارثة شارع »محمد محمود« وليت الذين يقبعون في بيوتهم تاركين كل شيء عن كاهلهم لمن يموت دفاعا عن كرامتهم، ليتهم رأوا ما رأينا وليتهم صمتوا خيراً لهم من أن يعيشوا في وهم دائم يرجون بقايا الأمن الغائب والكرامة المهدرة. وإن الحركة المسرحية التي صعد بها عصام شرف ليكون ستاراً لأكبر عملية تصفية للثورة والثوار، لم تنطل علي كثير من ذوي الرؤية والبصيرة، فكتبوا وصرخوا، لكن أحدا لم يسمعهم، ولم يلق بالا إلي صراخهم، وحدث في الشارع فوضي غير مسبوقة وأصبح كل شيء رهن قوة البلطجية والخارجين علي القانون وكأن ذلك كله شيء طبيعي، نعم الأمن غاب والشرطة تلاشت في الشوارع ورئيس الوزراء يعلم ذلك، وكنا من قبل توليه إذا استدعينا رجال الشرطة العسكرية لبوا علي الفور، وإذا بهذه المظلة تتباطأ شيئا فشيئا حتي تلاشت، وصار المواطن المصري إذا تعرض لأي اعتداء يطلب النجدة والرحمة من ربه في دعاء المضطر المبتلي بعصام شرف ووزير داخليته الطاعن في السن منصور. تركونا حتي ضج الناس جميعا في شوارع بلادي، وسبوا الثورة واليوم الذي قامت فيه الثورة، أهكذا كان هدف هذه الحكومة، أم أن ذلك كان استمرارا لمأزق الاستفتاء المتعجل والإعلان الدستوري الملغز الذي أصبح سيفا مسلطا علي رقبة التحول الديمقراطي، إما به أو فلا.. ما هذا الذي يجري في بلادنا أم بدماء الشباب تريدونها فتنة تنسب إلي غير أصحابها، إنني أقولها وقلبي ينزف كما نزف هؤلاء الشباب الأطهار في »محمد محمود« لقد كان الاستفتاء فخا وقعنا فيه جميعا نعم كما أسماها أحدهم موقعة الصناديق.. فكيف يرتضي لنا المجلس العسكري الذي آزر الجيش تحت قيادته ثورة المصريين في 52 يناير هذا الفخ بديلا عن الطريق الصحيح إلي التحول الديمقراطي المنزه عن الهوي بعمل دستور متكامل منقي من كل سوء وشائبة، لماذا ذهب بنا إلي موقعة الصناديق الثانية، وقد تخلت القوي السياسية والأحزاب عن روح الثورة وانبرت إلي الصراع المهين قبل أن يتم وضع أساس الحياة الديمقراطية بشكل سليم فكم كنت أتمني أن تكون استعادة الأمن وانضباط الشارع وتهيئة الأجواء هي الأهداف المعلنة والرئيسية للأشهر الأولي لتولي المجلس العسكري إدارة البلاد، ولقد كنا قادرين علي إنشاء جهاز أمني في ثلاثة أشهر فقط لو أن النوايا خلصت والوسواس الخناس لو فارق آذان أعضاء المجلس الأعلي، إنني حزين بحق ان تنتهي بنا الثورة المثالية التي أجلها العالم كله إلي هذا المفترق مع أغلي وأنبل رفيق هو قوات الوطن المسلحة التي دافعت عنه بشرف وبطولة نادرة.. إن المزايدة السياسية لم تخلص النصح ولا الضمير إلي هذا المجلس الذي لاشك تعوزه الخبرة السياسية، وكان أجدر بأصحاب المصالح الضيقة والرؤي المحدودة أن يؤجلوا شبقهم للحكم والسيطرة والأجندات الكوكبية إلي ما بعد أن يستقر الوطن. الجنزوري والثورة.. لم أكن أتوقع أن يستمر مسلسل العناد الذي كان سمة لمبارك، وأن يؤتي برجل من خارج سياق الثورة ليقود المرحلة الحرجة، وأن يتم فرضه بطريقة الأمر الواقع، واسأل أولي الألباب هل إذا كان الجنزوري من العباقرة في زمانه وأنه أخرج من جنة مبارك مغضوبا عليه، هل يصلح لهذه المرحلة والثورة تبدأ موجتها الثانية بكل قوة واندفاع، هل هو اختيار »الحاضر والموجود« وليس هناك من يقبل بالإقدام علي عملية انتحارية فرضي بها رجل محتقن مما فعله به مبارك من قبل.. غير أني أرفض أن يسب أحد الرجل أو يسلقه بألسنة حداد كما فعل أحد ضيوف برنامج »الحياة اليوم« مساء الجمعة.