يبدو أن الاقتصاد المصري اقترب إن لم يكن قد دخل بالفعل من الركود التضخمي الذي يمثل دائرة جهنمية تحتاج الي جهود مكثفة وتكلفة عالية وربما بعض الوقت حتي يتم التعافي منها, ولعل ارتفاع معدل التضخم لاعلي مستوياته في فبراير الماضي منذ سبتمبر2010 مؤشر علي ذلك الي جانب التباطؤ في معدل النمو, وسجل معدل التضخم الشهري بنهاية فبراير الماضي2.8%, وارتفع معدل التضخم السنوي الي7.8% وهو ببساطة ما يعني زيادة متوسط اسعار السلع بنفس هذه النسبة من فبراير2012 وحتي نهاية فبراير2013, وفقا لما اعنه الجهاز المركزي للاحصاء, في الوقت الذي بلغ معدل التضخم الشهري وفقا لما أعلنه البنك المركزي2.86% في فبراير وبلغ7.68% كمعدل سنوي. لاشك ان ارتفاع سعر صرف الدولار امام الجنيه بنحو8% منذ30 ديسمبر الماضي وحتي الان كان له الدور البارز في الارتفاع البارز في متوسط اسعار السلع, خاصة ان مصر بلد مستورد صافي اكثر من565 من السلع الغذائية, كما يصل العجز في الميزان التجاري نحو30 مليار دولار, وزاد الامر سوءا تراجع معدلات التدفق في موارد النقد الاجنبي بسبب حالة الانفلات الامني التي اثرت علي حركة السياحة, مما ادي الي تباطؤ فتح الاعتمادات المستندية بالبنوك حتي بالنسبة للسلع الاساسية ومستلزمات الانتاج التي وضعها البنك المركزي ضمن قائمة الاولويات التي دعا البنوك الي اعطائها اسبقية في فتح الاعتمادات ولكن وفقا لتوافر الموارد الاجنبية لدي كل بنك. واذا ماتم اضافة ذلك الي جانب تخفيض التصنيف الائتماني المتتالي خمس مرات متتالية الي جانب يمشكلة عدم توافر السولار بالقدر الكافي مما ينعكس سلبيا في رفع تكلفة النقل, قد يبرر كل ذلك ارتفاع عدد كبير من السلع بين20 و30% وفقا لمستوردي ومصنعي السلع الغذائية. المسئولون يؤكدون ان البنوك لديها العذر في تباطؤ فتح الاعتمادات حتي بالنسبة للسلع الاساسية ذات الاولوية, كما يدفع بذلك محمد عباس فايد نائب رئيس بنك مصر, مشيرا الي ان البنوك تحاول الوفاء بفتح الاعتمادات وفقا للأولويات التي حددها البنك المركزي وخاصة للقمح والذرة والسكر والزيت كسلع استراتيجية الي جانب مستلزمات الانتاج وقطع غيار المصانع لاستمرار العملية الانتاجية, ولكن كما يقول ما باليد حيلة, فاستمرار الاضطرابات ينعكس سلبيا علي تدفقات موارد النقد الاجنبي خاصة من السياحة والاستثمار الاجنبي الذي انقلب الي تدفقات عكسية من خلال خروج بعض الاستثمارات خلال الفترة السابقة مع توقف شبه تام في تدفق الاستثمار منذ مايزيد علي عامين, وهو ما انعكس في زيادة العجز في ميزان المدفوعات ليصل الي نحو16 مليار دولار, مما ادي الي استنزاف الاحتياطي الاجنبي لينخفض الي13.5 مليار دولار بنهاية الشهر الماضي. ويعترف فاي بوجود تباطؤ بالفعل في فتح الاعتمادات في السلع التي تتضمنها قائمة السلع الاستراتنيجية ومستلزمات الانتاج ولكن تحاول البنوك تبذل كل جهدها لكي تفي وتلبي بكل طلبات العملاء لفتح الاعتمادات لهذه السلع, ولكن قد تنتظر بعضها لعدة ايام وفق الاسبقية في تقديم الطلبات حتي تتوفر العملات الاجنبية, ويضيف: لا يجب توجيه اللوم الي البنوك التي تقود بدور بارز باعتراف كافة المؤسسات الدولية ليس فقط في السعي الي فتح الاعتمادات لاستيراد السلع الاساسية ولكن في مساندة الاقتصاد حتي يعبر الازمة الناتجة عن الاوضاع السياسية وليس لاسباب اقتصادية بحتة لان الاقتصاد يمتلك ركائز ومقومات جيدة ولكن الانفلات الامني والاضطرابات السياسية التي تلقي بظلاله في تفاقم الاوضاع الاقتصادية, منوها الي تراجع تدفقات في موارد النقد الاجنبي الي الجهاز المصرفي فيما عدا ايرادات قناة السويس, في ظل توقعات بتأثر الصادرات سلبيا بسبب ارتفاع تكلفة استيراد مستلزمات الانتاج وتكلفة النقل بسبب مشكلة السولار, والاضرابات والمشاكل ببعض الموانئ. ويرصد نائب رئيس بنك مصر العوامل التي اثرت سلبيا في زيادة الاسعار وفي مقدمتها تحرك سعر الصرف بسبب وصل الاحتياطي الي مستوي الخطر كما اشار البنك المركزي, الي جانب تخفيض التصنيف الائتماني لخمس مرت متتالية, مما استدعي زيادة تكلفة تعزيز الاعتمادات وفتح خطوط الائتمان وتكلفة الاستيراد, مؤكدا ان العلاقة القوية بين البنوك المصرية الكبري والبنوك العالمية من المراسلين وثقتهم في قدرات وملاءة البنوك المصرية والجهاز المصرفي المصري واستقلاله وكفاءة القائمين عليه سببا مهما في تقليل الزيادة المتوقعة في تكلفة الاستيراد. ومن ناحية أخري, ينفي نائب رئيس بنك مصر ما يردده البعض عن تراجع كبير في حجم الائتمان, وعزوف البنوك واحجامها عن اقراض القطاع الخاص بسبب زيادة المخاطر وخروج او عزوف الشركات الكبري انتظارا لهدوء الاوضاع السياسية, ويؤكد استمرار البنوك في اقراض القطاع الخاص والمصانع وتلبية احتياجات العملاء ورأسمال العامل للحفاظ علي انتظام الدورات الانتاجية بالمصانع, خاصة في ظل ارتفاع تكلفة استيراد مستلزمات الانتاج, والتي تنتقل بالطبع الي المستهلك. ويكشف عن زيادة في حجم الائتمان المستهدف بنحو4 مليارات ببنك مصر في8 أشهر خلال الفترة من يوليو2012 إلي نهاية فبراير الماضي, كما يكشف عن زيادة الطلب علي الائتمان خلال الشهر الماضي بسبب ارتفاع تكاليف ومستلزمات الانتاج, ويؤكد ان ثمة تواصل واتصال مع المستثمرين في الداخل والخارج يعزز القدرة الحقيقية علي تدفق الاستثمارات حال هدوء الاوضاع استتباب الامن. وحول زيادة الودائع بالعملات الصعبة خلال الشهرين الماضيين بسبب ظاهرة الدولرة, يشير الي ان الودائع الاجنبية بالبنك شبه مستقرة حيث كان هناك سحب من جانب بعض العملاء لبعض ودائعهم بالعملات الاجنبية ولكن سرعان ما عادت مرة اخري لتستقر عند مستوياتها السابقة نحو4.3 مليار دولار تمثل نحو20% من حجم الودائع الاجنبية بالبنوك في مصر. في هذا السياق, يؤكد هاني سيف النصر رئيس بنك الاستثمار العربي وفاء البنوك بفتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع الاستراتيجية ومستلزمات الانتاج وقطع الغيار للمصانع والامصال ولبن الاطفال كما حددها البنك المركزي, مشيرا الي ان الامر يختلف بالطبع من بنك لاخر وفق توافر العملات الاجنبية لدي كل منها. وقال إننا نعامل العملاء باعتبارهم شركاء, وبالتالي نحاول تدبير العملات الأجنبية وفتح الاعتمادات لهم بأقل التكلفة, ولكن من الطبيعي في ظل هذه الظروف الصعبة التي يواجهها الاقتصاد وعدم استقرار الأمن أن يستغرق فتح الاعتمادات بعض الوقت حتي يتم توفير وتدبير العملات الأجنبية غي ظل هذه الفجوة ونقص العملات الأجنبية وعدم التوازن بين العرض والطلب وفي المقابل يعترف ايمن قرة نائب رئيس غرفة الصناعات الغذائية بارتفاع في اسعر السلع الغذائية مابين20 الي30% بسبب انخفاض قيمة الجنيه خلال الشهرين الماضيين, الي جانب ارتفاع تكلفة النقل, مؤكدا ان التحدي الاساسي الان الذي يواجه استيراد السلع الغذائية ومستلزمات الانتاج هو توافر العملات الاجنبية بالبنوك وليس فقط ارتفاع اسعار الدولار وهذه العملات, حيث اصبح فتح الاعتماد لدي البنوك يستغرق في المتوسط نحو15 يوم حاليا بسبب عدم توافر العملات الاجنبية ويختلف الامر من بنك لاخر, كما ان بعض البنوك تغطي نحو60% فقط من فتح الاعتمادات لاستيراد هذه السلع الاستراتيجية, مما يدفع بعض المنتجين ومستوردي مستلزمات الانتاج الي محاولة تدبير العملات الاجنبية من خارج البنوك, حيث وصل سعر الدولار نحو685 قرشا حاليا. ويلفت قرة الي انه لولا استقرار اسعار السلع الغذائية بالسوق العالمية حاليا, الي جانب تراجع الطلب علي هذه السلع بعد ارتفاع اسعارها لكانت الاسعار قد زادت اكثر من ذلك كما ان تراجع الطلب بالسوق المحلية انعكس علي تراجع الطلب نسبيا علي العملات الاجنبية. ويطالب نائب رئيس غرفة الصناعات الغذائية بضرورة اتخاذ الحكومة وجميع القوي والمسئولين خطوات مهمة لتهدئة الاوضاع السياسية والعمل باقصي سرعة من اجل عودة الامن لاستعادة تدفق النقد الاجنبي في ظل تزايد المخاطر من عدم توافر العملات الاجنبية بالبنوك والسوق المصرية وهو مكمن الخطورة, الي جانب بدء حملة لترشيد الاستهلاك من السلع الغذائية خاصة التي يزيد معدل الاستهلاك المحلي فيها بشكل كبير عن المعدلات العالمية, موضحا ان متوسط استهلاك الفرد في مصر من زيت الطعام الي16 كيلو سنويا مقابل معدل عالمي يتراوح بين6 و10 كيلو فقط, منوها الي زيادة معدل الاستهلاك المحلي للفرد4 اضعاف خلال السنوات الماضية بسبب عيوب في انماط الاستهلاك الغذائي. وينوه الي ان سعر طن زيت الطعام يصل في المتوسط بالاسواق العالمية1100 دولار ويصل حجم الاستيراد85 الف طن شهريا, مع اعتبار ان الدولة تقدم دعما لنحو90% من الاستهلاك المحلي من خلال البطاقات التموينية, وفي حالة ترشيد الاستهلاك المحلي سيوفر قدرا ملائما من النقد الاجنبي.