بعد أن تحول الألتراس من التجمهر للمطالبة بحقوق مشروعة لا يختلف عليها اثنان, صارت أعمال العنف التي يقومون بها لتوصيل صوتهم سببا في تغير نظرة الكثيرين لهم.. فمع قطعهم كوبري أكتوبر وقيام بعضهم بحرق مقر اتحاد كرة القدم ونادي شرطة الجزيرة, وقبل ذلك اقتحام مقر النادي الأهلي وسرقة الكئوس والميداليات منه, كل ذلك غضبا من أحكام القضاء بشأن مذبحة بورسعيد, وهو ما جعل البعض يصفهم بأنهم وجه جديد للفوضي. السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تتحول طاقة الألتراس إلي البناء وخدمة المجتمع؟ يقول الدكتور سعيد صادق, أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية, عن ظاهرة الألتراس إن تمويلهم يأتي دائما سواء من تبرعات أو من مشجعي كرة القدم أو الأندية التابعين لها, وذلك من خلال ارتداء الزي الموحد الذي يشير إلي النادي التابعين له والأعلام المرفوعة, وهذه الظاهرة موجهة لتشجيع النادي والرياضة, وهم أيضا يقومون بالتحدي ضد تشفير القنوات الرياضية والهدف الأساسي هو تشجيع النادي, مشيرا إلي أن رئيسهم يطلق عليه اسم الكابو الذي يقوم بتجميع الأفراد من مختلف المناطق, ومن خلال المباريات بدا أن لديهم خبرة في الاشتباكات مع الأمن المركزي, ومن هنا بدأ يتم جذبهم إلي السياسة. علي الرغم من أنهم غير مسيسين, ولكن بعد أحداث مذبحة بورسعيد بدأوا الدخول في المشهد السياسي للانتقام لزملائهم, ومن هنا بدأ انتشالهم من الرياضة إلي السياسة, فهم غير مؤهلين للعمل الجماعي, فمنهم من يعمل في خدمة المجتمع ولكن بصورة فردية وليس كمجموعة, لأن فكر وهدف الألتراس هو فقط لتجمع أي رياضة, خاصة كرة القدم, كما أنهم غير مهيئين نفسيا للعمل الخدمي, مثل عامل نظافة أو في إحدي الجمعيات الأهلية. ويؤكد أن المشكلة في أن توجههم رياضي فقط, لأن أعمارهم التي تتراوح ما بين14 و28 عاما جزء من ارتباطهم بمثل فريق الألتراس. وعن مطالب الألتراس, يقول عماد محمد, أحد الأعضاء: إننا منذ بداية ثورة25 يناير نطالب بتطهير اتحاد الكرة من الفساد الذي يحكمه, حيث مازال المسئولون أنفسهم موجودين بمناصبهم منذ رئاسة سمير زاهر, ولا يوجد أي تغيير حتي بعد الثورة, كما أن هناك تواطؤا من بعض المسئولين للتخلص من فريق الألتراس, والسبب الرئيسي هو أن أصواتنا أصبحت مرتفعة. وأفواهنا ليست مكملة ولدينا مطالب مشروعة, وكنا من الذين شاركوا في ثورة يناير, لذلك هناك مخطط لتدميرنا وإلصاق التهم بنا, مثل أحداث وزارة الداخلية وشارع محمد محمود, وفي النهاية هدفنا الأول والأخير هو عودة الحق والقصاص للشهداء. ويشير الدكتور أسامة المليجي, رئيس قسم قانون المرافعات بجامعة القاهرة وعضو مجلس إدارة نادي الزمالك السابق, إلي أن فرق وجماعات الألتراس كما يطلقون عليهم, يتألف معظمها من شباب الخريجين المتعلمين والمثقفين جيدا, وأيضا لهم أطياف اجتماعية وتعليمية مختلفة من طبقات المجتمع مثل العمال والشباب ويمثلون مستويات اجتماعية عديدة في مصر ذات ثقافات متفاوتة, ولديهم العديد من الشعارات, ولكنهم بمرور الزمن تحولوا إلي المشاركة في المشهد السياسي كشريحة من المجتمع, كما أن هذه التجمعات للألتراس لاقت استحسانا من الجميع, لأنهم كانوا يقومون بحضور التدريبات والمباريات, فهم كانوا ظاهرة طيبة. وأشار إلي أنه ضد إلغاء جماعات الألتراس, بل يجب توجيههم التوجيه الصحيح والتعرف علي آرائهم, فهم يشكلون قائدا من الفريق نفسه يمثلهم أمام مجالس إدارة الأندية المختلفة, كما أن لديهم طاقة يريدون تفريغها من خلال التشجيع والهتافات الحماسية, ويمكن استغلالها استغلالا مفيدا لمصلحة الأندية والوطن بدل إهدارها بشكل عشوائي وينتج عنها أعمال العنف والشغب والتدمير الذي يسيء للنادي أولا والوطن ثانيا. معذورون! ويقول المستشار أحمد الخطيب, رئيس محكمة استئناف الإسكندرية, إنه يجب علينا قبل الحديث عن أي شيء أن نقدر حجم الكارثة والمصاب الجلل الذي أصاب ذلك الشباب من وجهة نظرهم وليس من وجهة نظرنا, لأنهم أبصروا بأعينهم ورأوا أصدقاءهم وذويهم يذبحون ويمثل بهم وعادوا من مباراة كرة قدم جثثا في صناديق أو مصابين في سيارات إسعاف, فيجب أن نلتمس لهم العذر ونتفهم طبيعة أزمتهم. ويشير إلي أن التطرف في رد الفعل والانتقام مرفوض تحت أي مسمي, والطعن علي الأحكام لا يكون بإحراق المؤسسات, وإنما من خلال الطعن بالنقض, وهو الطريق القانوني الذي اقتضيناه منذ البداية.. ويري أن هؤلاء الشباب طاقة جبارة منظمة مثقفة قادرة علي التواصل يمكن دمجهم في حزب سياسي أو مؤسسة اجتماعية أو استقطابهم في أي من الأحزاب القائمة, وهذا ليس صعبا, فكلنا نعلم أن مرشحي الرئاسة في الانتخابات الرئاسية السابقة كانوا حريصين علي التواصل معهم ومخاطبتهم لاستقطابهم وتأييدهم, ومن الأجدر الآن أن يتم اتباع ذلك النهج لإحداث الوساطة بين ألتراس أهلاوي وبورسعيدي, لتحقيق الوفاق بينهم, خاصة أن أحكام القضاء التي صدرت تشكل أهم مطالب أهالي الشهداء والمصابين, وهي القصاص, ومن ثم, فإن إعلاء المصلحة العامة يقتضي تضافر جهود الحكومة والمعارضة, والمعارضة تحديدا قبل الحكومة, والتوقف عن تسييس القضايا واستغلالها كتحقيق مطالب سياسية, لأن هناك مصلحة مشتركة ينبغي علي جميع القوي الالتفاف حولها, ومنها احتواء تلك الأزمة وتوظيف ذلك الشباب توظيفا اجتماعيا أو سياسيا, فضلا عن ضرورة التواصل معهم لتفهم مشكلاتهم وسرعة إيجاد الحلول الفاعلة لها, بدلا من تفاقمها وانفجارها في المجتمع. طاقة مهدرة ويؤكد المستشار زكريا عبدالعزيز, رئيس نادي قضاة مصر السابق, أن النظام السابق لم يستوعب الشباب فيما يعود عليهم بالنفع, خاصة أن هناك العديد من المشاريع التي من الممكن أن نستفيد منهم بها, فمنذ عهد الرئيس الراحل عبدالناصر, تم إبعاد الشباب عن الحديث في السياسة واستخدام الكرة لإلهاء الشعب والشباب. مشيرا إلي أنه زاد استغلال طاقة الشباب عند التفكير في عملية توريث الحكم عندما قام جمال مبارك في استغلالهم في جمعية جيل المستقبل وحورس وغيرهما, وكان معظمهم أطفالا تتراوح أعمارهم بين14 و16 عاما, فكيف استغلهم مثل هذه الأمور, خاصة أن الشباب بطبيعته متمرد ولديه قوة وحماس, ويشعر دائما بنفسه ويريد الحرية. وهذا ما وجدوه في الألتراس, التنفيس عن رغباتهم. ويري أننا لا نفكر إلا بعد أن تقع الكارثة, فهؤلاء الشباب أمامنا منذ سنوات ولم نفكر في الاستفادة منهم وتحويل طاقتهم إلي إيجابيات يستفيد منها المجتمع, ويطالب الدولة بالاستفادة منهم في أنشطة أخري بعيدة عن الكرة, وإيقاف تلك النشاط لمدة لا تقل عن5 أو6 سنوات قادمة, ونبدأ في معالجة بلادنا أولا, خاصة أن التشجيع لا يعد نشاطا, فهو مجرد جماعات تشاهد معا مباراة كرة تعلق عليه أو تذهب لتأييد لاعب مفضل لديهم. ويطالب المستشار زكريا عبدالعزيز وزارة الشباب بعمل أنشطة رياضية لهم فردية كالحديد والمصارعة والكاراتيه والتايكوندو أو أنشطة جماعية مثل الكشافة, فهي تعد نشاطا أخلاقيا, لأنها تربية أخلاقية. فمنذ سنوات, كان يتم استغلال الأطفال في المدارس في فريق الكشافة الأشبال, وكان لهم زي مميز إلي أن يصلوا إلي مرحلة الجوالة في الجامعة, ويتم عمل معسكرات ورحلات لتدعيم النشاط, كذلك يجب توفير عدة رحلات يجوب من خلالها الشباب جميع أنحاء الجمهورية من خلال توفير كارنيهات خاصة وبيوت شباب تستقبلهم بمبالغ زهيدة, بالإضافة إلي إقامة مسابقات في النوادي, خاصة النادي العلمي الذي تراجع كثيرا, وكان له دور قوي, خاصة لدي الشباب المفكر والذي لديه المزيد من التجارب العلمية. ويطالب أيضا بفتح المصانع بما فيها القطاع الخاص كل عام, خاصة في أشهر الصيف, ليتعلم بها الشباب, كمصانع السيارات والدراجات والبواخر, فإذا قامت كل جهة بالاستفادة من150 أو300 شاب في شيء مفيد علي مستوي المحافظات, فسنجد أن الشباب أصبح حياته جادة, مؤكدا ضرورة البدء من الآن في الاستفادة من طاقتهم, ولا نكرر تجربة الثمانينيات ونعتقل كل من يتكلم في السياسة, وكانت النتيجة أنهم أصبحوا متطرفين دينيا ومرتكبي جرائم, والآن أصبحوا متعصبين رياضيا. لذلك يجب البدء من الآن والالتفات إليهم وعمل المعسكرات والتشجيع علي ممارسة الأنشطة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية, لنعيد بناء دولتنا.