لم تكن مصادفة أن تتزامن الذكري العاشرة للحرب الأمريكية علي العراق مع بدء المحاكمة العسكرية لبرادلي مانينج الجندي الأمريكي المتهم بتسريب لموقع ويكيليكس كنزا من الوثائق والمعلومات العسكرية والصفقات الدبلوماسية والعمليات الاستخبارية السرية. فقد كان التسريب مبررا قويا لإنهاء الوجود العسكري في العراق لأنه جعل من المستحيل حصول الجنود الأمريكيين علي الحصانة القضائية. مانينج يواجه عقوبة السجن لعقود وربما مدي الحياة بعد أن اعترف بعشرة من بين22 تهمة وجهت إليه, وهو قد تعرض لممارسات تعذيب خلال الاحتجاز في سجن انفرادي أدانها محقق الأممالمتحدة بوصفها ممارسات وحشية ومهينة ولهذا فهو يستحق تفهم ما ساقه من مبررات لأفعاله. الإدارة الأمريكية تبيعه للرأي العام علي أنه متهور غير مستقر نفسيا وليست لديه دراية عميقة لما تحصل عليه من وثائق سرية. لكن مانينج قال أنه قرأ الوثائق عدة مرات وزاده ذلك اقتناعا بضرورة كشفها حتي يعرف الرأي العام ما تفعله الحكومات في السر. ورفع النقاب عن صحف مرموقة تجاهلت ما قدمه لها من وثائق, وإصابته بخيبة الأمل في قادة عسكريين لم يكترثوا بالتحقيق في مخالفات صريحة مثل قتل طائرة الأباتشي لمدنيين عراقيين بدم بارد. ولم يسع لجني ثروة هائلة ببيع الوثائق لحكومات أجنبية لأن هدفه كان تفجير حوار مجتمعي عالمي حول دور المؤسسات العسكرية والسياسة الخارجية للحكومات, وأن يدفع المجتمعات إلي إعادة تقييم الحاجة إلي عمليات لمناهضة الإرهاب تتجاهل تأثيراتها القاتلة علي أبرياء. ما فعله مانينج قد يدينه قانونيا لكن مبرراته تجعله بريئا وبطلا أمام التاريخ لأن إعلام الرأي العام بالحقائق أصبح أكثر جدية وثراء بفضل وثائقه المتسربة. يبقي أن يتخلي ممثل الادعاء عن محاولة إلصاق تهمة التعاون والتواطؤ مع تنظيم القاعدة إليه, لأن الغرض منها ليس دفعه إلي مقعد الإعدام بقدر ما هو جعله عبرة لمن يحاول انتهاج نهجه وفي ذلك أخطر الضرر علي فعالية الرقابة علي تلاعب الحكومات والسلطات بمفاهيم الوطنية والأمن القومي.