بغض النظر عن موعد تشكيل الحكومة القادمة تحتاج مصر لحكومة إنقاذ تنتشلها من عثرتها يراعي في تشكيلها الكفاءة وليس غيرها. فقد تسلم الرئيس مرسي حكم مصر فورث عديدا من المشكلات في الزراعة والإسكان والتعليم والأمن والصحة. كان الأمل من الحكومات المتعاقبة أن تقدم برنامجا لمعالجة هذه المشكلات, لكنها لم تح قق ولو بقدر ملحوظ إنجازا في تلك المجالات الحيوية. لم تقدم عربونا لمعالجة المشكلات الملحة وفق ما تزخر به كتابات وأحاديث الصفوة المصرية وكثير من الناس. فكان لازما منذ بداية التفكير في تشكيل الحكومة بعد الثورة أن تشكل حكومة من ذوي الكفاءات لتكون بحجم دولة مثل مصر وبحجم مشكلاتها. منذ نهاية حكم الرئيس السابق ظهرت الفوضي والاضطرابات وغاب الأمن وانحسرت السياحة. كما تعذر التصدير إما بسبب غياب الأمن خلال النقل للموانئ, أو تعذر استيراد خامات لازمة للإنتاج أو لارتفاع سعر الدولار الذي عاني منه المنتجون. وأخذ احتياطي مصر من العملات الصعبة لدي البنك المركزي في الانخفاض التدريجي من36 دولار إلي13.5 مليار في يناير الماضي. الأمر الذي إن استمر في التناقص حتي عشرة مليارات سيطيح بفرصة الحصول علي قرض البنك الدولي. وتوالي تخفيض التصنيف الائتماني لحكومة وبنوك مصر من جانب مراكز عالمية, وتزايدت البطالة إلي12% مقابل9.5 في نهاية حكم مبارك وتزايدت معدلات الفقر لتشمل نصف الشعب تقريبا. وليس الفقر فقط بل ظل نظام الأجور مشوها ظالما للفقراء سخيا للأغنياء وتواضعت مخصصات الإنفاق علي الصحة والتعليم فأصبحت المعاناة أكبر واستمر النظام الضريبي منحازا للأغنياء وجائرا مع الفقراء. وانخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بشكل متسارع ومقلق. هذا إلي جانب تضخم الدين العام الذي فاق الناتج القومي. إذن هناك وضع اقتصادي مؤلم يحتم إنقاذا سريعا يباشره فريق اقتصادي كفء أعضاؤه بالتحديد رئيس للوزراء لديه رؤية اقتصادية استراتيجية ووزيران للاقتصاد والمالية ومحافظ للبنك المركزي من القامات الكبيرة التي تزخر بها مصر والحمد لله إن أهل الخبرة أفضل كثيرا من أهل الثقة. إنني كثيرا ما أواجه بتساؤل من غير مصريين: أنتم لديكم منجم من الكفاءات في شتي المجالات فكيف انحدر بكم الحال لهذا القدر. يحتم هذا المأزق الاقتصادي الصعب تشكيل حكومة من الكفاءات بغض النظر عن الانتماء السياسي. فمثلا إن لم يتوافر ضمن فصيل سياسي معين كفاءة في السياحة فلا يجوز اختيار وزير من بين أعضائه بدعوي الأغلبية أو غيرها, وإذا توافرت هذه الكفاءة في فصيل آخر وجب اختياره دون تردد. إن المشكلة باتت لا تحتمل وزيرا يجرب أو حكومة تتدرب. إن من ينقذ في حالتنا هو القوي الأمين. والقوة هنا بمعني التمكن الفني في مجاله والحس السياسي. أما الأمانة فتتمثل في النزاهة. ولا أتفق تماما مع ما يردده البعض من أن السياسة تقضي بأن الغاية تبرر الوسيلة. قد يكون هذا مناسبا في السياسة الدولية. فلدينا كثير من السياسيين الأكفاء أمثال كمال الجنزوري وحسب الله الكفراوي, كانوا أمناء وناجحين معا. إذا سلمنا بحقيقة أن المشكلة المصرية أساسا هي مشكلة إدارة سواء علي مستوي الدولة أو علي مستوي الوزارات وكثير مما يتبعها وما تبقي من شركات القطاع العام. وإذا سلمنا بحقيقة أن الوزير مدير لكن من مستوي عال فإن مهمته الأساسية هي تحقيق أهداف الوزارة باستخدام موارد بشرية( العاملون بوزارته علي مختلف مستوياتهم) ومالية( مخصصات مالية معتمدة ضمن الموازنة العامة للدولة وهي بمليارات) ومادية( المباني وما تضمها والتجهيزات) ومعلوماتية( المعلومات المتاحة من خلال قاعدة بيانات إلكترونية), فيجب أن تكون له خبرة وتجربة إدارية ناجحة وشخصية مستقلة ليستطيع توظيف هذه الموارد في تحقيق أهداف الوزارة, وأن يكون متجردا عن الهوي في اختيار مساعديه فيكون معياره في ذلك هو الكفاءة وليس الانتماء السياسي أو غيره. فإذا صلح الوزير وفق هذه المعايير زادت فرص نجاحه في اختيار مساعديه وفرص نجاح مساعديه. ومهما كان الشخص مبرزا في مجاله أو تخصصه العلمي الفني فهذا ليس معيارا يصلح لاختياره وزيرا بل المعيار هو خبرته وشخصيته وقدرته علي الإدارة الفاعلة. عن خصائص الوزير الذي يريده الناس وتقتضيه المرحلة, فوظيفته الأساسية هي الإسهام في تحديد أهداف الوزارة في ضوء السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء والقوانين التي تسنها السلطة التشريعية مع حسن إدارته للموارد المتاحة. والوزير شأنه شأن أي مدير يصنع قرارات- لكنها قرارات استراتيجية. والقرار الاستراتيجي ليس كذلك العادي الذي يصنعه جمهرة المديرين. إنه ذلك القرار الذي يرتب تكلفة مالية مؤثرة علي الاقتصاد القومي قد تصل لملايين ومليارات ويمتد أثره لأجل زمني طويل ولنطاق عريض من الوزارات ولجمهور الوزارة من المواطنين والمستثمرين والسائحين, ويصعب الرجوع عنه إلا بخسارة مؤثرة. إن ما يمارسه الوزير بهذا الصدد هو باختصار الإدارة الاستراتيجية. أي تلك الإدارة التي تتميز بالتفكير الاستراتيجي وتصميم الأهداف الاستراتيجية والخطط الاستراتيجية المؤدية لبلوغ هذه الأهداف. وصنع القرارات الاستراتيجية تنفيذا لهذه الخطط, والتنسيق بين الأهداف المتعارضة. كما أن مستوي فاعلية الإدارة الاستراتيجية بالجهاز الإداري للدولة التي يمارسها الوزراء هو المحدد الرئيس لفاعلية الاقتصاد القومي ومدي نموه. هذا المستوي يمكن أن يحسن استخدام الموارد العامة أو لا يحسن استخدامها, وأن يجذب الاستثمارات أو يطردها. وأن يمتص البطالة أو يسهم في زيادتها, ومن ثم يمكن أن ييسر نمو الناتج القومي أو يعوقه. إن وظيفة بهذا الشكل كوظيفة الوزير تتطلب بإلحاح أن يتوافر في شاغلها خصائص جوهرية أهمها الحس السياسي, من زاويتين: الأولي تجسد قدرته علي رسم سياسة وزارته انسجاما مع سياسة مجلس الوزراء والتوجهات الشعبية, والثانية قدرته علي معالجة المعارضة بأسلوب سياسي مستخدما مهاراته في التفاوض ومزيجا متناسبا من الإقدام والإحجام بالقدر والتوقيت المناسبين لكل منهما, والتفكير الاستراتيجي والقدرة علي التخطيط الاستراتيجي دون الاستغراق في مشكلات الإدارة اليومية, والتفكير الابتكاري بما يتطلبه من خيال وحدس واستشراف للمستقبل, والجرأة من حيث حساب تبعات القرار الاستراتيجي وتحمل مسئولياتها ونتائجها, والقدرة علي تصميم سيناريوهات بديلة كمناهج مخططة للتصرف لاقتناص الفرص وتوقي أو معالجة التحديات, والقدرة علي الإدارة الميدانية بالتواجد في مواقع الأحداث وبين الناس, والقدرة علي فهم الشخصيات كأساس لحسن اختيار المساعدين الأكفاء, والقدرة علي تحفيز المساعدين الأكفاء والاعتراف بجهودهم وتكوين صف ثان مؤهل, والقدرة علي العمل بروح الفريق داخل مجلس الوزراء والقدرة علي زرع روح الفريق بين العاملين معه, واللياقة البدنية, وإجادة لغة أجنبية علي الأقل حديثا وكتابة, والقدرة علي التعامل مع تكنولوجيا المعلومات, والنزاهة. نتمني أن تكون لنا مثل هذه الحكومة,. أستاذ الإدارة جامعة بنها