كيف يمكن تقييم الشخصيات السياسية؟ هذا سؤال بالغ الأهمية؛ لأن الأوراق اختلطت اختلاطاً شديداً بعد ثورة 25 يناير؛ فقد ظهرت أساليب مستحدثة للتقييم لم تكن سائدة من قبل. على سبيل المثال ولأن ثورة 25 يناير قام بإشعال فتيلها المجموعات الشبابية المختلفة الذين تفاعلوا فى «فيس بوك»، ظهر معيار جديد للتقييم هو أن الشاب لمجرد أنه شاب أفضل فى التقييم من الكهل أو الشيخ! وكأن العمر الزمنى للشباب هو الذى يعطى الأفضلية فى الاختيار. وهذا معيار بالغ الغرابة فى الواقع! لأن الشاب حتى لو كان من شباب الثوار المعتمدين لو كانت تنقصه الكفاءة والخبرة فهو لا يصلح لكى يشغل منصباً سياسياً أو إدارياً ما. وقد يكون هناك كهل مؤهل أو حتى شيخ جاوز الخمسين من عمره، أفضل منه فى شغل هذا المنصب. وهل يجوز فى مجال تقييم الشخصيات السياسية المفاضلة بينها على ضوء من هو أكثر تديناً والتزاماً من الآخر؟ التدين سلوك فردى، وهو صلة مباشرة بين الفرد والخالق، سبحانه وتعالى، وبالتالى فمن يواظب على الصلاة فى مواقيتها ليس شرطاً أن يكون فى مقياس التقييم أفضل من الشخص الذى لا يواظب على الصلاة. ومن هنا كانت دهشتى شديدة لأن بعض الائتلافات الثورية اقترحت على الدكتور محمد مرسى اختيار ثلاثة نواب للرئيس، أحدهم شاب والثانى قبطى والثالث امرأة. وهذا التفكير يناقض، على طول الخط، مبدأ المواطنة، الذى ينص على أن المصريين سواء أمام القانون، ولا يجوز التمييز بينهم بسبب الدين أو الجنس. وبالتالى يجب أن يحكم اختيار نواب الرئيس مبدأ الكفاءة وتوافر الشروط التى ينبغى أن تتحقق بالنسبة لكل مرشح، وسواء كان شاباً أو شيخاً أو قبطياً أو مسلما، سيدة أو رجلاً.. ونحن هنا لا نريد أن نعلى فقط من شرط الكفاءة أو توافر الخبرة، لكن قد يكون من الشروط المسبقة التى ينبغى توافرها فى الشخصيات السياسية توعية الرؤية الاستراتيجية التى يمتلكها لحل المشكلات الجسيمة التى تواجه المجتمع المصرى فى مرحلة تطوره الراهنة. لو أن هناك شخصية سياسية ترى أن الدين بكل ما يعنيه من قيم وسلوك هو المدخل لحل المشكلات فهو بالقطع لا يصلح لكى يتولى منصباً رئيسياً أو إشرافياً؛ لأن العالم المعاصر أصبح شديد التعقيد ويحتاج فى المقام الأول إلى شخصيات سياسية لديها المنهج العلمى الذى يسمح لها بفهم تحولات المجتمع العالمى وتأثيراته المباشرة على المجتمع المصرى. وهذه الشخصيات لا بد أن يكون لديها إلمام بقواعد التخطيط التنموى وفق رؤية استراتيجية بعيدة؛ بحيث لا تعتمد فى برامجها الحزبية أو الحكومية على الصياغات الإنشائية أو العبارات المرسلة التى لا تحمل أى مضمون. ونحن هنا لا نتحدث عن شخصيات يستحيل وجودها فى بلادنا، التى تزخر بوجود خبراء أكفاء على أعلى مستوى فى مجالات التخطيط الاستراتيجى والتنموى. ويكفى أن أضرب مثلاً فى ذلك بمركز الدراسات المستقبلية التابع لمركز دعم القرار بمجلس الوزراء الذى كان لديه مشروع رائد عنوانه «مصر عام 2030» يتضمن استشرافاً مستقبلياً مدروساً بعناية. وبالأمس فقط وصلنى من وزارة التخطيط والتعاون الدولى تقرير بالغ الأهمية عن تخطيط مستقبلى لمصر فى الثلاثين عاماً المقبلة، أنجزه فريق متميز من الخبراء المصريين، وقام بتحريره الخبير التنموى المعروف دكتور محسن توفيق. وهذا التقرير يستحق أن يكون أساساً للتنمية فى مصر، بشرط أن يقرأ قراءة نقدية ويضاف إليه ويستكمل لو كان فيه نواقص، لأنه نموذج للتفكير الاستراتيجى الذى نريده أن يسود بين الشخصيات السياسية المصرية.