علي مدار أسبوع كامل شهدت أروقة مقر الأممالمتحدة بكينيا حالة من الشد والجذب بين الوفود الرسمية المشاركة باجتماعات الدورة العالمية الأولي لمجلس إدارة المنتدي البيئي الوزاري. فهذه الدورة والتي عقدت مؤخرا تحت شعار: ريو+20 من النتائج إلي التنفيذ, كانت سعيا حثيثا لتحويل توصيات ريو إلي واقع ملموس خاصة مع تضاعف عدد أعضاء الدول المشاركة باليونيب في هذه الدورة من53 إلي193 دولة. وخلال المؤتمر قدم العلماء دراسات هامة حول مخاطر الزئبق والكيماويات الصناعية وتبعات ذوبان الجليد من تكون مسار ملاحي جديد يهدد الملاحة العابرة بقناة السويس. وعلي هامش المؤتمر صدرت دراسة عن إهدار الدول لثلث غذاء العالم علي الرغم من زيادة عدد الجوعي عالميا. من ناحية أخري, وعلي المستوي التنظيمي قررت الدول تحويل مجلس إدارة اليونيب إلي جمعية الأممالمتحدة للبيئة لليونيب. هذا التشكيل الإداري الجديد يجعل من قرارات جمعية اليونيب نافذة دون الحاجة للتصديق عليها باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. كما أن هذا التشكيل يسهم في توطيد دور اليونيب كبرنامج معني بتشكيل السياسات البيئية الدولية بناء علي مخرجات البحوث العلمية. وأوضح أكيم شتاينر المدير التنفيذي لليونيب أن وزراء البيئة سعوا لتفعيل وثيقة ريو والتي تحمل اسم' المستقبل الذي نريده' من خلال دعم30 دولة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر, ودعم مشروعات الطاقة المتجددة. كما تم تأسيس مركز وشبكة تكنولوجيا المناخ ليكون الذراع العلمية والتكنولوجية للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لتغير المناخ. وعلي المستوي العربي طالب وفد جامعة الدول المشارك بالمؤتمر اليونيب بدعم دراسات تقييم الوضع البيئي في ليبيا وغزة ورصد مخاطر المخلفات الكيميائية بالمنطقة. مخاطر الزئبق ومستحضرات التجميل وفي ذات السياق أعلن فريق بحثي دولي علي هامش المؤتمر عن رصد عدد من المخاطر الكبري لسلسلة من المركبات الكيميائية التي تؤثر بشكل ملحوظ علي الغدد الصماء بجسم الإنسان خاصة في مرحلتي تكون الأجنة والبلوغ. وأوضح الدكتور أكي بيرجمان الأستاذ بجامعة ستوكهولم والباحث الرئيسي للدراسة أننا علي المستوي البحثي حققنا تقدما طفيفا برصد بعض آثار هذه المركبات الكيميائية والمتوفرة في كل ما يحيط بنا من منظفات, ومبيدات حشرية وأجهزة الكترونية وحتي مستحضرات التجميل.وأضاف أنه في الوقت الراهن هناك اشتباه في تأثير800 مركب كيميائي مختلف علي الغدد الصماء بالجسم وإحداثها خللا في إفرازات الهرمونات الجنسية أو هرمونات النمو الأمر الذي يزيد من احتمالات الإصابة بالعديد من الأمراض التي مازالت مجهولة الأسباب إلي يومنا هذا مثل سرطان الثدي وسرطان البروستاتا ومرض السكر وبعض الإعاقات الذهنية لدي المواليد. كما أرجعت الدراسة ارتفاع نسب بعض الظواهر لدي المواليد والأطفال عند البلوغ الي تأثير هذه المركبات الخطرة مثل انخفاض أوزان المواليد أو انخفاض معدلات الخصوبة بين الرجال. أضاف أنه طبقا للدراسة التي أجريت بالتعاون بين منظمة الصحة العالمية ويونيب لرصد أثر هذه المركبات الكيميائية علي الصحة والبيئة في عدد من دول العالم الغربي, وباستبعاد المسببات الوراثية فإن معظم المؤشرات العالمية تشير إلي ارتفاع نسب الإصابة بهذه الأمراض خلال العقود الأخيرة والتي انتشرت فيها معدلات التعرض للكيماويات بنسب مرتفعة. من ناحيتها, أوضحت ماريا نيرا مدير برنامج الصحة والبيئة بمنظمة الصحة العالمية أنه من الصعب في الوقت الراهن توجيه اللوم لمركب كيميائي محدد نظرا لكثرتها واحتمالية تفاعلها مع بعضها البعض داخل جسم الإنسان, لذلك فإننا نأمل أن تزيد هذه الدراسات من الوعي المجتمعي, وتشجع الدول والحكومات للدفع بالمزيد من الأبحاث العلمية وسن القوانين والتشريعات للحد من انتشار الأمراض غير الوبائية والتي أصبحت هاجسا عالميا. ولعل ما يزيد من تعقيد الأمور هو ما أظهره ملف الكيماويات بالتقرير السنوي لليونيب عن إن حجم معرفتنا بالمخاطر البيئية للكيماويات الصناعية المستخدمة عالميا ضئيل للغاية فمن بين95 ألف مركب كيميائي2600 مركب كيميائي فقط تم رصد مخاطره من حيث السمية مما يتطلب مزيدا من الجهود الدولية والأبحاث لرصد مخاطر الكيماويات المستخدمة. من ناحية أخري أوضح عادل الشافعي مدير عام الكيماويات والنفايات الخطرة بوزارة البيئة وعضو الوفد المصري إنه فيما يتعلق بالزئبق فلقد توصل العالم بعد سنوات عديدة من التفاوض في أن يتم خفض استخدام الزئبق تدريجيا خلال السنوات الخمس عشرة القادمة وأن تحدد الدول النامية التحديات التي تواجهها لاستبدال الزئبق بمركبات وتكنولوجيات بديلة. حيث أظهرت الدراسات العالمية أن الزئبق له مخاطر كبري علي الصحة والبيئة. وفيما يتعلق بمصر فإن الزئبق يستورد من الخارج ونستخدمه بشكل كبير في عيادات ومعامل الأسنان لإجراء حشوات الأسنان, فهناك جدل علمي كبير حول مخاطر حشوات الزئبق علي الصحة العامة. علي الجانب الآخر يستخدم الزئبق كعامل مساعد في الصناعات الكيماوية, ولقد أجرينا في مصر دراسات لرصد الاستخدامات المختلفة للزئبق والتحديات التي قد نواجهها في حالة توقيعنا علي اتفاقية حظر استخدامه بحلول عام.2020 ويضيف عادل الشافعي بأن توقيع هذه الاتفاقية مفيد لمصر لأنه سيسهم في نقل التكنولوجيات الآمنة صحيا وبيئيا ومن المقرر أن يعقد مؤتمر دولي لحظر استخدام الزئبق في شهر أكتوبر المقبل بمدينة ميناماتا باليابان وهي أول مدينة بالعالم شهدت آلاف الضحايا بسبب تسرب الزئبق. قناة السويس في خطر من القضايا الأخري التي طرحت علي هامش أعمال المؤتمر أثر ذوبان الجليد بالقطب الشمالي علي حركة الملاحة العالمية وتحديدا قناتي السويس وبنما وهو ما تم مناقشته في فصل كامل بالتقرير السنوي لليونيب. وتقول د.تيسا جوفريز المحرر العام للتقرير إن معدل ذوبان الجليد بالقطب الشمالي تضاعف بصورة مضطردة خلال السنوات الأخيرة كأحد توابع التغير المناخي, الأمر الذي فتح الطريق لملاحة بحرية خلال شهور الصيف لتربط أوروبا بآسيا والتي تعد أقصر بنسبة35 الي60 % من مسار الملاحة التقليدي, مما يعني أن هذا المسار الجديد سيؤثر علي حركة التجارة الملاحية والخدمات اللوجيستية بالبحر المتوسط ودول جنوب شرق آسيا علما بأن عدد السفن التي تمر عبر قناة السويس قد قل, وتضيف د. تيسا إنه في عام2011 عبرت30 سفينة ما بين دول الشمال المحيطة بالقطب الشمالي. وفي عام2012 عبرت أول سفينة صينية هذا المسار الملاحي الجديد. وطبقا للتقرير ففي خلال العامين الماضيين سنت روسيا قانونا لتعزيز حركة الملاحة التجارية عبر المسار الجديد كما تعهد الرئيس الروسي بوتين بمضاعفة حركة الملاحة البحرية عبر المسار الجديد لأربعين ضعفا بحلول عام.2020 إضافة إلي ذلك أظهر التقرير تضاعف الرحلات البحرية السياحية للقطب الشمالي كما نوه للاهتمام المتزايد لشركات البترول بهذا الإقليم حيث تشير الدراسات العلمية إلي أنه يحوي30 % من المخزون العالمي للغاز الطبيعي و13 % من المخزون العالمي من البترول والذي لم يستغل بعد.كل هذه الأنشطة الملاحية والتعدينية من المتوقع أن تزيد من انبعاثات الكربون بالقطب الشمالي وتقضي علي المساحات المتبقية من الجليد بالقطب الشمالي. الطعام لكل فم وفي ذات السياق, حظيت قضية إهدار الطعام باهتمام المشاركين بالمؤتمر بعدما أظهرت تقارير لليونيب أن ثلث المنتجات الزراعية والغذائية التي ينتجها العالم تهدر. وطبقا للناشط البريطاني تريستران ستيوارت فإنه بالرغم من زيادة عدد الجوعي حول العالم فإننا نهدر سنويا1.3 مليار طن من المنتجات الغذائية لأسباب عديد من أهمها اشتراط سلاسل المحلات بالدول الغربية علي مزارعي الدول النامية أن تكون الخضراوات والفواكه ذات مواصفات شكلية, الأمر الذي يدفع المزارعين لتحويل مئات آلاف من الأطنان المرفوضة لعلف وسماد للأرض حتي وإن كانت صالحة للاستهلاك الآدمي. وسعيا لجذب اهتمام الحاضرين لهذه القضية, نظم ستيوارت حفل عشاء للحضور من وزراء البيئة وممثلي اليونيب معد من ألفي طن من الخضر والفواكه التي رفضتها السوق الأوروبية بسبب المواصفات الشكلية ليمكث الحاضرون ليلتهم في نقاشات مطولة حول ما يجب أن يتفق عليه العالم كي يتوافر الطعام لكل فم.