خلال العقود الاخيرة تحولت قضية تغير المناخ الي فزاعة تثير مخاوف البشر من مستقبل مظلم بانتظار الاجيال القادمة، مع ارتفاع انبعاثات ثاني اكسيد الكربون- وبالتالي زيادة درجات الحرارة- وما يترتب علي ذلك من نتائج تتسم بالخطورة، وتعبث بحياة مئات الملايين في انحاء المعمورة! الدراسات والتقارير تكاد تخلو من اي فائدة او مزايا محتملة، فكل ما تبشر به يصب في خانة المصائب من صراعات واضطرابات و..و.. وباختصار فالنتائج المتوقعة سلبية، بل سيئة للغاية. وسط هذه اللوحة السريالية ثمة مفاجأة سارة. حركة النقل البحري سوف تسجل نموا هائلا. في ظل تنامي ظاهرة ذوبان الجليد بفعل الاحترار المناخي، وبينما تضع الكثير من الشعوب اياديها علي قلوبها خوفا من الآثار الناجمة عن تفاقم ظاهرة الذوبان في القطب المتجمد الشمالي، ويقود الي اختفاء جزر بل ربما دول، ومن ثم اضطراب حياة بعض الشعوب مع اضطرارها للنزوح، وبالتبعية الدخول في صراع حول الموارد و...و.. وفي خضم ذلك المشهد تبشر دراسة حديثة بأن التهديدات الناجمة عما يمكن وصفه بالتغير المناخي الخطر، يكاد يمثل فائدة خالصة لحركة الملاحة البحرية الناتجة عن ذوبان الجليد!. تطبيق نموذجي للمثل الشهير »مصائب قوم عند قوم فوائد«. الدراسة التي أعدها فريق بحثي في جامعة لوس انچلوس، اكدت علي ان الازمة المناخية المرتقبة سوف تجني فوائدها الشعوب الساحلية، عبر معادلة مختلفة تعيد صياغة مثلث: التجارة/ البيئة/ التغير المناخي، لصالح مزيد من الرواج والازدهار تجني ثماره تلك الشعوب. وبالقطع فإن القائمين علي صناعة النقل البحري- بكل مكوناتها- سوف ينالهم من الحظ جانب وافر، طبقا للدراسة فإن طرقا ملاحية رئيسية غير مطروقة، سوف تُفتح امام حركة السفن التجارية ربما تعيد رسم خريطة النقل البحري عالميا، وبالقطع فإنها سوف تهمش بعض الخطوط الملاحية الطويلة، لصالح الدول الثماني المحيطة بالقطب الشمالي، سواء فيما يتعلق بمعدلات التبادل التجاري فيما بينها، أو علي النطاق الاوسع في علاقاتها التجارية علي المستويين الاقليمي والدولي. ثم ان هذا التطور سيكون داعيا لإعادة صياغة العلاقة بين التجارة والتغير المناخي، ومن ثم ترتيب ادوار جديدة تلعبها منظمة التجارة العالمية في ظل هذه المستجدات. الامر لن يقتصر علي دائرة او اكثر، فلاشك ان التوسع في حركة الملاحة البحرية سوف ينعكس- ايضا- علي ترسانات صناعة السفن، لملاحقة خطط تعزيز حجم الاساطيل، فضلا عن الجهد الذي سيطالب ببذله الباحثون والمبتكرون لتزويد الاجيال الجديدة من السفن بامكانات تقنية تواكب الممرات البحرية المحاطة بالجليد، لتذليل التعامل معها، بالاضافة الي توفير اقصي ضمانات التأمين والسلامة لحمولتها من البشر والبضائع. وبالتأكيد فإن ادارة الحركة الملاحية، في ظل هذه التوسعات والخرائط المختلفة سوف يتطلب كذلك توفير خدمات لوچستية واتصالية، تتناسب مع حركة ملاحية متنامية بدرجة غير مسبوقة.