لا خلاف علي أن عودة القوات المسلحة المصرية إلي ثكناتها بعد انتهاء المرحلة الانتقالية كي تتفرغ لمشكلات الامن القومي المصري علي جبهات الشرق والغرب والجنوب تمثل ضرورة استراتيجية ملحة. يلتزم بها جيش وطني محترف له تقاليده العريقة, مهمته الاساسية الدفاع عن أمن مصر وحماية استقلال قرارها الوطني من عدوان الخارج, والحيلولة دون المساس بكيان الدولة المصرية او الاجتراء علي حدودها, وصون الامن الوطني من احتمالات ومخاطر وقوع صدام أهلي واسع يهدد وحدة البلاد وامنها.. ولا خلاف كذلك علي حاجة مصر الملحة الي بناء حكم مدني مستقر يقوم علي دولة المؤسسات, ينشد الديمقراطية ويلتزم حكم القانون ويحترم الحريات العامة والخاصة وينهض بخطط التنمية.ولان استقرار الوطن ووحدة جبهته الداخلية وانتظام عمل مؤسساته وفق احكام الدستور والقانون تمثل ركائز اساسية تستند اليها قوة مصر العسكرية, يصبح من مسئولية القوات المسلحة احترام الشرعية والدستور والحفاظ علي عقيدتها القتالية بعيدا عن ايديولوجيات القوي السياسية المتصارعة, وتوجيه فائض جهدها القتالي لخدمة المجتمع المدني, كما يصبح من مسئولية الشعب تقديم العون الكامل للقوات المسلحة كي تنهض بأهدافها, وعدم الزج بها في مشكلات الصراع السياسي الداخلي حفاظا علي وحدتها.. واذا كانت القوات المسلحة لا تمل علي لسان قائدها العام الفريق عبد الفتاح السيسي من تذكير الجميع بأنها لن تكون طرفا في أي صراع سياسي, وانها تكرس كل جهودها لحماية مصالح الوطن العليا, يصبح من واجب القوي السياسية وجميع مؤسسات المجتمع المدني ان تنأي بالجيش عن النزول الي الشارع السياسي وان تكف عن مطالبته بالتدخل في الصراع الراهن بين الحكم والمعارضة, وخاصة ان الجيش يري في الحوار الوطني بين جميع الفرقاء الحل الأمثل للخروج من المأزق الراهن. وأظن ان تجربة القوات المسلحة مع ثورة يناير تؤكد ان الجيش لا يستطيع ان يمنع سقوط نظام سقطت شرعيته بالفعل حتي لو كان رأس النظام ينتمي الي القوات المسلحة, كما انه لا يملك ان يشهر سلاحه في وجه شعب يطالب بتغيير النظام.., وكما امتنع الجيش عن استخدام العنف عندما نزل الي الشارع في ثورة يناير مؤكدا انحيازه لمطالب الشعب, امتنع الجيش عن استخدام العنف لإلزام اهل القناة بالانصياع لقرار حظر التجوال وقد خرجوا عن بكرة ابيهم الي الشوارع, وحصر الجيش مهمته في حماية مؤسسات الدولة من العدوان والتخريب.., ولهذه الاسباب يتحتم علي الحكم والمعارضة مهما تكن خلافاتهما القبول بالحوار حفاظا علي وحدة المؤسسة العسكرية.