انخرط أعضاء الكونجرس الأمريكي في حواراتهم المعتادة حول الأزمة المالية وأثرها علي البلاد وخطط الخروج من أفغانستان وجولة وزير الخارجية الجديد إلي الشرق الأوسط.وفجأة لفت أحدهم الانتباه إلي رسالة عاجلة وجهها لهم باراك أوباما رئيس البلاد. وجاءت الرسالة مقتضبة. فالرئيس الأمريكي يعلن أن100 فرد من القوات الأمريكية قد تم إرسالهم إلي دولة النيجر في قارة أفريقيا لإقامة قاعدة جوية أمريكية جديدة تستخدم مبدئيا في إطلاق الطائرات دون طيار طراز'بريديتور' المفترس لأغراض جمع المعلومات والمراقبة في المنطقة.وكان الهدف المعلن هو تقديم الدعم لعملية' سرفال' القط الوحشي التي تقوم بها القوات الفرنسية في دولة مالي المجاورة. وقد وصلت طلائع القوات الأمريكية إلي النيجر علي فوجين متتاليين الأول ضم60 فردا والثاني40 من خبراء اللوجيستيات بالقوات الجوية الأمريكية والمحللين المخابراتيين وضباط الأمن. ووفق ما تم إعلانه فإن القوات الخاصة بالقاعدة الأمريكيةالجديدة ستتمركز عند مدينة نيامي عاصمة النيجر وسيقتصر تسليحها علي الأسلحة الخاصة بالدفاع عن النفس والدفاع الشخصي.كما يتوقع أن يرتفع عدد القوات العاملة في القاعدة مستقبلا حيث تم تصميمها بحيث تتسع لإستضافة300 فرد من القوات الأمريكية والقوات التابعة لشركات الأمن الخاصة التي تم التعاقد معها. وقد زار الجنرال كارتر هام قائد القيادة الإفريقية الأمريكية موقع القاعدة الجديدة في شهر يناير الماضي في أثناء التفاوض مع القيادة النيجيرية حول المشاركة في مكافحة الإرهاب بالمنطقة. وجاءت اذاعة نبأ القاعدة الأمريكيةالجديدة في النيجر بالتزامن مع إذاعة خبر يتعلق بتوقيع إتفاقية أمنية بين الولاياتالمتحدة ودولة النيجر في نهايات شهر يناير الماضي والتي حددت مهام وأسس وقواعد عمل القاعدة الأمريكيةالجديدة في البلاد ووفرت غطاء من الحماية القانونية للقوات الأمريكية التي ستعمل انطلاقا من أراضي دولة النيجر.ومن المرجح أن تكون تلك الإتفاقية أساسا للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة خلال المرحلة المقبلة خاصة بعد التصريحات التي أشارت إلي أن الاتفاقية مع النيجر ليست سوي بداية لتدشين المزيد من التعاون الموسع مع باقي دول المنطقة. وقد بدا من الواضح أن موافقة النيجر علي إقامة القاعدة الأمريكيةالجديدة علي أراضيها جاء بعد' إقتناع' الرئيس النيجري محمدو إيسوفو بإمكانية تدفق المسلحين من الجماعات الدينية المتطرفة في مالي وجماعة بوكو حرام النيجيرية علي أراضي النيجر إذا إتسع قتالها مع القوات الفرنسية والمالية والقوات الدولية المتحالفة معهما. ويبدو أن عمليات' الإقناع'لم تحدث عقب التدخل العسكري الفرنسي في مالي بل أن هناك من يشير إلي أن التفاوض مع القيادة في النيجر بدأ منذ أكثر من عام ولم يكن مرتبطا بالصراع في مالي! ووفق ما قاله المسئولون لوسائل الإعلام فإن العمليات ستبدأ بإطلاق طائرات دون طيار من طراز' بريديتور'(المفترس) في أجواء المنطقة لجمع المعلومات والمراقبة وتقاسم المعلومات المخابراتية مع القوات الفرنسية,علي أن يتم البت في إمكانية تسليح الطائرات دون طيار بالقذائف وإستخدامها في شن الهجمات الصاروخية خلال مراحل تالية. وتشير التكهنات إلي وجود ميول لدي الأمريكيين لنقل طائراتهم إلي موقع متقدم عند مدينة أغادس في شمال النيجر في موقع أكثر قربا من مناطق العمليات العسكرية في شمال مالي. ولم يأت التحرك الأمريكي الأخير من فراغ بل جاء بعد مداولات داخلية شهدتها الإدارة الأمريكية وكان هدفها هو التوصل لصيغ قانونية متعلقة بتلبية مطالب فرنسا بالحصول علي مساندة عسكرية أمريكية في مالي. ووفق تفسيرات القانونيين الأمريكيين لايمكن لأمريكا أن تتدخل بشكل مباشر لمساندة القوات الحكومية في دولة مالي.فالحكومة الحالية في مالي وصلت إلي السلطة عن طريق إنقلاب ولم تتمكن من إجراء إنتخابات ديمقراطية حتي الآن.وبالتالي فإن المخرج القانوني للوجود الأمريكي العسكري في المنطقة والتدخل في العمليات العسكرية بمالي سيتم تبريره بمساعدة القوات الفرنسية وحلفائها! وقد برز الاهتمام الأمريكي بالنيجر إلي الأضواء تحديدا في يناير عام2003 عندما ذكر جورج بوش الإبن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت أن' العيون'البريطانية والأمريكية التي تراقب مواقع إستخراج اليورانيوم في النيجر رصدت محاولات يبذلها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لشراء اليورانيوم المستخدم في إنتاج أسلحة الدمار الشامل.وعلي الرغم من ثبوت عدم صحة الإدعاء الأمريكي في ذلك الوقت فإنه كان كافيا للدلالة علي الاهتمام الأمريكي المخابراتي بتتبع ثروات النيجر من اليورانيوم الخام من حيث التنقيب والإستخراج والشراء. لم يكن أمر إقامة قاعدة جوية أمريكية لأغراض الإستطلاع فوق القارة الأفريقية بالأمر الجديد حيث ستنضم القاعدة الأمريكيةالجديدة إلي القاعدة الجوية الثابتة و'المعلن عنها' في جيبوتي بأقصي شرق أفريقيا بالإضافة إلي سلسلة من القواعد الأمريكية الجوية الصغيرة ومدارج الهبوط والإقلاع المخصصة للطائرات بدون طيار في كل من اثيوبيا وبوركينا فاسو. وتجدر الإشارة إلي أن الوجود العسكري الأمريكي في عدة مناطق بالعالم واستخدامها الإستطلاعي والهجومي للطائرات دون طيار قد أثار ضجة كبيرة في عدة دول مثل باكستان واليمن وأفغانستان والصومال في ظل الكثير من الأخطاء التي تصاحب العمليات الأمريكية بتلك المناطق وما تسفر عنه من سقوط الكثير من الضحايا المدنيين. وهكذا قامت الولاياتالمتحدة بخطوة جديدة لإرساء وجودها في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية والتي تمتد كحزام بعرض القارة بطول3 آلاف ميل من إقليم دارفور بالسودان شرقا وصولا إلي سواحل موريتانيا المطلة علي المحيط الأطنطي غربا.([email protected])